غزة مدينة الأشباح، لا أثر فيها لحياة أو حركة فى المساء، حيث يفرض حظر التجوال بسبب تهديد قوات الاحتلال بقصف أى شىء يتحرك على الطريق بعد هذا التوقيت بحيث يعبر على حذر من شوارع رفح ثم خان يونس مرورا بجامعة القدس المفتوحة، وأنقاض المجلس التشريعى الفلسطينى وشارع الجامعات وصولا إلى غزة، وتحديدا إلى المستشفى الوحيد المجهز بالمنطقة وهى مستشفى الشفاء. المستشفى هو المكان الوحيد الذى يعج بالحركة السريعة والزحام والحياة، ولكن فى مقابل موت أكثر ودماء تكسو سيارات الإسعاف وأسرة المصابين والمصعد والمشرحة التى استقبلت 14 فردا دفعة واحدة من عائلة واحدة عقب استهداف بيتهم «دار عائلة الدلو»، منهم 4 أطفال و6 نساء، ثم استهداف بيت عائلة عزام فى تفجير وحشى راح ضحيته ما يقرب من 20 شهيدًا أغلبهم من الأطفال. الأطباء ليسوا أفضل حالا من أهالى الشهداء والمصابين المنهارين فهم يستقبلون -خصوصا الطبيبات والممرضات- الحالات بالآهات والدموع والتحسر على الأطفال والشباب، وللمفارقة القدرية أحيانا يفاجئون بأن الحالات التى يعالجونها أو الشهداء الذين يتسلمونهم من أقاربهم. الدكتورة منى، طبيبة بالمستشفى، تقول ل«التحرير» إنها تسكن فى غزة بالقرب من البحر ويفصلها عن والدتها شارع واحد، ولكنها لم ترها منذ بداية العدوان خوفا من القصف، وإنها تذهب وتجىء من عملها عبر الشوارع الجانبية، واصفة الصهاينة بأنهم «سفلة» يريدون للمقاومة أن تستسلم. أم إسماعيل، ممرضة، أكدت أن العدو الصهيونى يستهدف الأطفال لأنهم شباب الغد وأنهم يقصدون ذلك، مشيرة إلى أن حصيلة (الأحد) من الشهداء والمصابين أغلبها من الأطفال، ووسط دموع عينيها قالت تمام، عاملة بالمستشفى، إن الصهاينة يستهدفون بذلك المستقبل، مشيرة إلى أنها تعمل فترة صباحية واضطرت للمبيت بعملها بعد قصف بيتها، منتقدة الدور المصرى بقولها: «مرسى يقدر يكلم أوباما وهو يضغط على نتنياهو لوقف القتال ولكنه لا يريد». وخلال حديث «التحرير» مع العاملات بالمستشفى وردت إليهم حالة لشهيدة اسمها نسمة، تبلغ من العمر 19 عاما، تسببت فى حالة من الفزع والحزن لاعتقادهم أنها أخت إحدى زميلاتهن. وكما بدأت تحركات قافلة النشطاء المصريين فى المستشفى بقصف لمركز شرطة العباس على مسافة نحو 150 مترا منها، انتهت أيضا بقصف أبعد قليلا للسرايا قبيل تحرك أوتوبيسات من أمام المستشفى وصاحب رحلة عودتها -كما فى ذهابها- القصف الوحشى حتى الحدود المصرية. قال محمود، أحد الشباب الذين يعملون فى عبور المواطنين عبر الأنفاق من رفح إلى غزة، إنهم ليس لديهم أى دخل سوى العمل فى البانجو أو عبور المواطنين الذين يريدون الدخول إلى غزة عبر الأنفاق، لعدم اكتمال أوراقهم أو تعنت الحكومة فى عدم دخولهم، مضيفا أن هناك عددًا كبيرًا من الأنفاق ما بين ال500 إلى الألف نفق، لافتا إلى أن هناك طريقتين للمرور عبر الأنفاق. إحداهما سيرا على الأقدام لمدة 15 دقيقة، والأخرى عبر ما يشبه الجرار الذى يحمل الشنط ويتم شده من الجانب الآخر للنفق ويأخذ وقتا أطول من السير على الأقدام، قائلا: «عبور النفق يستلزم موافقة من صاحب النفق ودفع 150 جنيها للفرد الواحد»، مضيفا أنه فى حالة ضرب النفق يقع ما بين 50 إلى 100 فرد كانوا يعبرون عبره. وأضاف محمود فى تصريحات ل«التحرير» أن الأنفاق تأخذ وقتا طويلا جدا فى حفرها يتجاوز الأشهر، وأنها لا تحتاج إلا الحفر ووصلة كهرباء «3 فاز» لأن الأنفاق تكون شديدة الظلمة، موضحا أن عمال أنفاق شرق رفح يلجؤون دائما إلى العمل فى تهريب البانجو والأسلحة إلى إسرائيل.