بين عشية وضحاها تحول السور الأثري الفريد من نوعه لحديقة أنطونياديس، الواقعة بمنطقة النزهة في طريق ترعة المحمودية بالإسكندرية، من سور حديدي بني على الطراز البطلمي، إلى سور أسمنتي من الطوب. وأحاطت تلال القمامة محيط الحديقة من كل اتجاه، خاصة في طريق ترعة المحمودية، وتحولت أسوار الحديقة إلى مخزن لعربات جمع القمامة ليلًا. ورغم أن حدائق أنطونيادس بالإسكندرية تعتبر من أقدم الحدائق التي أنشأها الإنسان على مستوى العالم، وكانت تقع ضمن ضاحية إيلوزيس، أو "جنات النعيم"، والتي عاصرت أحداثًا تاريخية مهمة لملوك البطالمة. وفي القرن التاسع عشر كانت الحديقة ملكًا لأحد أثرياء اليونان، وكانت تعرف باسمه "حدائق باستيريه"، حتى تملَّكها محمد علي باشا، وأقام قصرًا له على أرضها، وفي عام 1860 كانت مساحة الحدائق نحو 50 فدانًا، وانتقلت ملكية القصر والحدائق إلى البارون اليوناني جون أنطونيادس، والذي سميت باسمه لاحقًا. وعاش أنطونيادس زمنًا بالقصر، وعندما توفي عام 1895 آلت ملكيته بالميراث لابنه أنطوني، الذي نفذ وصية والده بإهداء القصر والحدائق إلى بلدية الإسكندرية أو المحافظة عام 1918. ومنذ ذلك التاريخ والإهمال والفوضى تحيط بالحديقة وما بها من تراث معماري فريد من كل اتجاه، حتى تم مؤخرًا اقتلاع الأشجار النادرة، وسرقة معظم التماثيل؛ حيث كان بالحديقة مجموعة مميزة من التماثيل الرخامية النادرة الكاملة الحجم لشخصيات أسطورية وتاريخية، منها تماثيل فينوس آلهة الجمال وهي تحمل مرآة كبيرة تعكس أشعة الشمس في الصباح، وتماثيل للفصول الأربعة، إضافة لأسود مصنوعة من المرمر. ووصل الإهمال إلى ذورته، وتم هدم السور النحاسي الأثري الفريد، واستبدل بآخر إسمنتي خرساني، وكانت حجة محافظة الإسكندرية هي تعرض الحديقة للسرقة عدة مرات. وأكدت الباحثة الأثرية منال فوزي، أن حديقة أنطونيادس لو كانت في بلد آخر لكانت سببًا في زيادة الإقبال السياحي عليه؛ لما تمثله من قيمة تاريخية لدى بعض الجنسيات الأجنبية، مطالبة الحكومة بإنقاذ الحديقة من الإهمال والعبث المحيطان بها، مؤكدة أنها تتحول ليلًا إلى وكر للمدمنين والخارجين على القانون. أما الدكتور محمد عبد العزيز الباحث في الآثار الرومانية، فيقول: إن حديقة أنطونيادس أصبحت في حالة يرثى لها؛ منذ أصبحت الحديقة تابعة لوزارة الزراعة، وتحولت إلى سلة مهملات كبيرة، وتساءل كيف تكون تبعية الحديقة التاريخية إلى وزارة الزراعة وهي تحوي قصرًا نادرًا، وتحوي عددًا من الحدائق التاريخية، التي شهدت توقيع اتفاقية الجلاء عام 1936 بين الحكومة المصرية والحكومة البريطانية للانسحاب من مصر. واستضاف القصر الموجود بالحديقة ملوكًا أثناء إقامتهم في الإسكندرية، منهم ملوك اليونان، بلجيكا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، وألبانيا، كما أقامت ابنة الملك فؤاد الأول الأميرة فوزية وزوجها الإمبراطور محمد رضا بهلوي شاه إيران السابق بالقصر في الشهور الأولى من زواجهما، كما شهد الاجتماع التحضيري لإنشاء جامعة الدول العربية عام 1944. عدسة التحرير رصدت السور الخرساني الإسمنتي الجديد، الذي شوَّه المنظر الجمالي للقصر والحدائق بمنطقة النزهة في الإسكندرية.