وجدها مبارك فرصة للثناء أكثر من مرة على الرئيس السيسى، لا أتصور أن الرئيس كان بحاجة إلى شهادة من المخلوع، بل إن الآثار السلبية لتلك الكلمة التى لا يمكن أن تصفها بالبريئة أو العفوية ستظل لها توابعها القائمة والقادمة. علينا أن نُدرك أنه قد سبق حوار مبارك على فضائية «صدى البلد» مع أحمد موسى إشارات خضراء أرسلتها الدولة تعنى فى الحدود الدنيا «لا بأس من الحوار»، وبالتأكيد لم يكن مفاجأة، وهو لن يُصبح حديث المرة الأولى والأخيرة، هناك ولا شك خطة متفق عليها، قد تختلف فقط فى درجة الإيقاع، ولكنْ هناك اتفاق مدعوم ماديا ولوجستيا لتبييض وجه مبارك، ومن الممكن أن تكتشف ظلالا لذلك فى ذهاب جمال وعلاء لتقديم واجب العزاء فى مسجد عمر مكرم فى قلب ميدان التحرير، فى والدة الكاتب مصطفى بكرى. الأمر ليس عشوائيا، ولو اتسعت الدائرة سترى على أطرافها إصرار أحمد عز على خوض الانتخابات، ووجود زكريا عزمى على الخط دائما فى انتظار إشارة البدء، الإعلام أقصد. الصورة فى 2015 خلال الأشهر القادمة ستشهد كثيرا من الحضور لزمن ورجال مبارك، أكثر من فضائية ممن نراها الآن على الخريطة بالإضافة إلى فضائيات أخرى سيتم بثها قريبا ستلعب لصالح فريق مبارك، كل هذا سيصبح هو الملمح الذى يطرق الباب بقوة، الدولة ليس لديها من الإمكانيات ولا من الأفكار ما يؤهلها للتدخل، والدليل هو حالة الضعف التى يشهدها الإعلام الرسمى، والحقيقة أن تعبير الضعف ليس دقيقا، ولكنه التردى، وبينما ستلمح تباينًا فى المعالجة السياسية لعودة زمن مبارك واختلافًا فى الدرجة بين فضائية وأخرى، ستجد التليفزيون الرسمى المصرى ملتزمًا هذه المرة الحياد السلبى «لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم»، على طريقة «اللى ما يعرفش يقول عدس» وماسبيرو لا يعرف حاليا سوى العدس. ليس جديدا أن تنحاز فضائية أو أكثر لمبارك، بل هو متوقع، والغطاء هو الاحتفال باسترداد سيناء كاملة، فهو كان واحدا من القيادات العسكرية ومسؤولا عن سلاح الطيران فى حرب 73، ولهذا بعد أن أمسك بالسلطة أحال الانتصار إلى سلاح واحد، وإلى قائد واحد، الذى كان يصفه دائما وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف بالعريس، وهكذا غنى على الحجار للعريس «النسر المصرى شق السما»، كان الكل بمناسبة وغالبا دون مناسبة يسعى لإرضائه، ورغم ذلك يقول مبارك لا أحد من الممكن أن يزوّر التاريخ، بينما كان هو شخصيا الذى حرص على إعادة صياغة التاريخ وتهميش دور حتى أنور السادات، رغم أنه هذه المرة فى الحوار مع موسى بدأ فى ذكر اسمه، كلنا يعلم مثلا أن مبارك هو الذى منع فيلم «حائط البطولات» من العرض، بسبب أنه يتناول دور سلاح الدفاع الجوى وقائده المشير الراحل محمد على فهمى، الذى قدم موقفا بطوليا فى أعقاب نكسة 67 لمواجهة الطائرات الإسرائيلية التى اعتقدت أن سماء مصر بعد تحطيم الطيران صارت مفتوحة، الفيلم كما ذكرت من قبل كان رديئا على المستوى الفنى، ولكن مبارك منعه لأنه لا يريد أن يتردد أى اسم آخر بجواره. الإعلام لم يكن يعنيه سوى مبارك وتمجيد صاحب الضربة الجوية، وكان آخر المشروعات التى أوقفتها ثورة يناير هو تصوير فيلم «الضربة الجوية». مبارك هذه المرة تخلى قليلا عن حالة الأنانية التى كانت تنتابه فى الماضى عند الحديث عن سيناء أو أكتوبر، ليصبح فقط هو القائد، كان واضحا أنه يقرأ الإجابات من خلال أوراق أمامه، لأن الأسئلة أيضا متفق عليها. الدولة بعد ثورة 30 يونيو حرصت على أن تتعمد رسميا تجاهل مبارك، والاحتفال الذى أقامته القوات المسلحة ودعا إليه الرئيس السيسى فى أكتوبر الماضى لم يأت ذكر اسم مبارك ولا مرة، لا على لسان السيسى، ولا فى الأوبريت الذى تناول الانتصار، فهل سيغنون له فى أكتوبر القادم «اخترناه اخترناه واحنا معاه لمشاء الله»؟!