هل تتذكر هذا المقطع الغنائي لأم كلثوم في " رق الحبيب" أستعيد معكم تلك النغمة الساحرة " من كُتر شوقي سبقت عمرى " هل أمسكتم بين ثنايا الجملة الموسيقية بشعاع شمس الفجر وهو يطل علينا وعلى استحياء في عز الليل . هذا هو محمد القصبجي استاذ التعبير الموسيقي الذي مرت ذكراه ال 49 أول من أمس، بينما الأعلام المصري مشغول فقط بذكري العملاقين عبد الحليم حافظ و أحمد زكي . ولد القصبجي في نفس العام الذي شهد ميلاد عبقري أخر وهو سيد درويش 1892 ، رحل درويش عام 23 ، بينما امتدت الحياة بالقصبجي حتى عام 66 ، أنه المجدد في الموسيقي ،الناس لا تتذكر القصبجى إلا بتلك الصورة وهو يجلس خلف سيدة الغناء العربي في الحفلات التي سجلها لها التليفزيون بداية من عام 1960 ، القصبجي توقف فعليا عن التلحين لها عام 1946 بعد ان شارك في عدد من أغنيات فيلم " فاطمة" مثل " نورك يا ست الكل نور حينا " وبعدها انقطعت كهرباء التواصل بينه وأم كلثوم. استوقفني التوقيت كان عمره 54 عاما في ذروة العطاء ، لم يتوقف مثلا زميله الشيخ زكريا أحمد ابن جيله ، فلقد غنت له أم كلثوم " هو صحيح الهوى غلاب " عام 61 قبل رحيله بأسابيع قليلة ، القصبجي ظل مجرد عازف عود في فرقتها، وكان كثيرا ما يشكو من ضعف المقابل المادي الذي تمنحه له . ربما لم تنصفه أم كلثوم ماديا إلا أنها أنصفته أدبيا فكانت تراعى الحساسية التى من الممكن ان تنتاب الاستاذ إذا شارك في بروفة لأحد من تلاميذه مثل الموجي أو بليغ ، فكانت تكتفي بان يحضر القصبجي فقط اثناء البروفة النهائية التي تسبق الحفل. كان عاشقا متيما بأم كلثوم وهو حب من طرف واحد تماما كما أشار اليه مسلسل " أم كلثوم " الذي صاغه محفوظ عبد الرحمن وأخرجته انعام محمد على وأبدع احمد راتب في تجسيد الشخصية التي حفرت في اعماقنا الكثير . هل ماتت فجأة الموهبة ونضب المعين ؟ لم التق الموسيقار الكبير بالطبع لأعرف الاجابة كيف لمن قدم طقطوقة "ان كنت اسامح "عام 28 التي حققت اكبر ارقام التوزيع وقتها في الاسطوانات لتصل الى نصف مليون نسخة ، كيف لصاحب اللحن الرائع "مدام تحب بتنكر ليه "و"نصره قوية "و"يا صباح الخير ياللى معانا" الذي علم السنباطي وعبدالوهاب وفريد الاطرش العزف على العود ، كيف له ان يتوقف فجأة ،لقد امتد عطاؤه لأصوات مثل ليلي مراد "اضحك كركر" واسمهان "الطيور" و"امتى ع تعرف امتى " هل من الممكن أن تضن عليه السماء فجأة بالأنغام ، قال لي الموسيقار الكبير كمال الطويل الذي كان من اكثر المقدرين لعطاء القصبجي ، أنه تجرأ وسأله وجاءت اجابته ،انه كلما شرع في التلحين لأم كلثوم ووافقت على الكلمات وجد امامه غمامة سوداء تمنعه من استكمال اللحن، ونفى تماما ما كان يتردد وقتها بأنها هي التي كانت ترفض الحانه لأنها قررت عقابه لأنه تجرأ و لحن لأسمهان وليلي مراد ونور الهدي وسعاد محمد ،و وتناسي هؤلاء أن الشيخ زكريا ورياض السنباطي لحنا لهؤلاء فلماذا لم تعاملهما بالمثل. من سؤ الحظ ان الدولة ام تنتبه لقيمة هذا الموسيقار الكبير فلقد كان مرشحا لجائزة الدولة التقديرية وبقوة قبل رحيله بعام ولكنها ذهبت لمحمد عبد الوهاب ، عدد لقاءاته الاذاعية نادرة جدا وليس له سوي تسجيل بصوته على العود وهو يغني "رق الحبيب" وتسكن وجداني تلك الجملة الموسيقية العصية على النسيان "من كٌتر شوقي سبقت عمري وشفت بكرة والوقت بدري" ،نعم كنا نرى الغد في موسيقاه!!