حوار: فايزة هنداوي عيد ميلاد ليلى للمخرج الفلسطينى الكبير رشيد مشهراوى، كان فيلم الافتتاح فى مهرجان أسبوع السينما الفلسطينية الذى افتتح فى القاهرة الأسبوع الماضى. التحرير التقت مشهراوى، مخرج العمل، الذى قدَّم أعمالًا وصلت إلى العالمية كلها تناولت الهم الفسلطينى، منها انتظار و حيفا و دور ودار و موسم حب . وحول ملامح مشروعه السينمائى وفيلمه القادم ورأيه فى مستقبل السينما الفلسطينية كان لنا معه هذا الحوار.. ■ جاءت أفلامك أكثر إنسانية فى التعبير عن الهم الفلسطينى، فماذا كان الدافع وراء هذا التغيُّر؟ مع كل احترامى للتجارب السابقة فى السينما الفلسطينية وأهميتها، إلا أن معظمها كان يتم تصويره فى الخارج وليس على أرض فلسطين، وكانت دائمًا تابعة لأحزاب سياسية أو جهات رسمية، مثل مؤسسة الإعلام الموحد وغيرها من الجهات، لذا لم يقدم صورة حقيقية للشعب الفسلطينى، فكان يهتم بإظهار الصور الإيجابية فقط للفلسطينى المقاوم الشجاع الذى لا يخاف ولا يخطئ، لكن الجيل الذى أنتمى إليه قرر تصوير الواقع الفلسطينى من الداخل ليكون أكثر واقعية وتعبيرًا عن القضية بشكلها الإنسانى، والحديث عن الفسلطينى كإنسان عادى يخطئ ويصيب ويخاف، وأنا أرى أن هذا النوع من الأفلام أسهم أكثر فى تعريف العالم الخارجى بحقيقة القضية الفلسطينية. ■ فى رأيك.. هل السينما الفلسطنية أسيرة قضية الاحتلال؟ أى سينما فى أى مكان فى العالم لا بد أن تعبّر عن قضايا صانعيها وهمومهم، حتى تكون صادقة، ونحن كفلسطينيين همنا الأساسى وقضيتنا هما الاحتلال الإسرائيلى، وتأثيره على حياتنا، سواء فى الداخل أو الخارج، لذلك فإنها تظهر بشكل أو بآخر فى ما نقدّمه من أفلام، كما أنها وسيلة فعالة لنقل الصورة الحقيقية للقضية الفلسطينية العادلة إلى العالم، فى مواجهة الإعلام الإسرائيلى الذى يسعى لتشويه القضية. ■ تعتمد فى معظم أفلامك على سيناريوهاتك، وهو ما يسمى ب سينما المؤلف ، ألا يحمل الأمر خطورة السيطرة الذاتية على السينما مما يفقدها عموميتها المطلوبة؟ هذا حقيقى، وفى أثناء الكتابة والإخراج لا أنسى هذه المخاطر، لذلك أحاول دائمًا أن أعمِّم الذاتى، فلا يكون أمرًا خاصًّا بى أو برؤيتى فقط، كما أحاول دائمًا أن تكون أفلامى أكثر إنسانية، فيكون الهم الإنسانى العام أحد الشواغل وليس الهم الوطنى فقط. ■ كثير من أفلامك يعتمد الأسلوب غير المباشر، إلا أن آخر أفلامك الروائية فلسطين ستريو كان مباشرًا بشكل كبير.. لماذا؟ أفضّل أن تصل الرسالة إلى المشاهد بشكل غير مباشر، ولكن فى بعض الأحيان تكون المباشرة ضرورية، وأنا قصدت من خلال هذا الفيلم أن أقول إننا وصلنا فى فلسطين إلى حالة غير إنسانية بالمرّة، ولا بد من التصدّى لها بكل الأشكال، ومن شاهد أفلامى السابقة سيعرف أن هذه المباشرة نتيجة طبيعية لكل الأحوال السيئة التى تعرّضت لها فى هذه الأفلام. ■ فى السينما التى تقدمها لا تنتقد الاحتلال فقط، ولكنك تنتقد أيضًا السلطة الفلسطينية.. فكيف تحصل على التصاريح؟ فى فلسطين لا توجد لدينا تصاريح لتصوير الأفلام، فنحن نأخذ الكاميرات ونصور دون أى تصاريح، كما أننا ليست لدينا رقابة على السينما، ولا يوجد جهاز للرقابة على المصنفات الفنية، فنحن نصوّر كما نريد فى منطقة السلطة الذاتية وبحرية كاملة دون أى قيود. ■ ولكن ألا يمثِّل لك هذا حرجًا مع السلطة التى تعمل كمستشار ثقافى لها فى الخارج؟ على العكس تمامًا، فالقائمون على السلطة الفلسطينية لحُسن الحظ يدركون أن النقد يسهم فى إصلاح الأحوال، كما أنهم متفهمون لأهمية السينما ودورها فى خدمة القضية الفلسطينية فى الخارج، لذلك لا يمانعون فى هذه الأفلام، بل على العكس يساعدون على تنفيذها، مثلما حدث فى فيلم فلسطين ستريو الذى ينتقد السلطة بشكل مباشر، وتم تصويره كله فى فلسطين، وكانت الشرطة الفلسطينية تساعدنى فى نقل الديكورات، كما استخدمت أسلحة حقيقية من الدفاع الوطنى الفلسطينى، ووفروا لى مدربًا للممثلين، ووقت افتتاح الفيلم فى وزارة الثقافة فى رام الله كان جميع المسؤولين موجودين وأثنوا على الفيلم. ■ حدّثنا عن تجربتك فى تصوير فيلمك الوثائقى الأخير رسائل من اليرموك الذى يمثل تجربة جديدة وهى الإخراج عن بعد. بالفعل الفيلم كان تجربة مختلفة، حيث قمت بإخراجه عن طريق الإنترنت باستخدام السكايب ووسائل الاتصال المختلفة، لأننى لم أتمكن من الدخول للمخيم. والفيلم يسلط الضوء على جزء من معاناة الأهالى المحاصرين فى مخيم اليرموك، ويوثّق يوميات حياتهم فى ظل الحصار والجوع والموت، ومدى تمسكهم بالحب والأمل. ■ وهل جاءت النتيجة مقبولة بالنسبة إليك؟ كانت النتيجة أفضل مما كنت أتوقع، حيث كان الفيلم هو الذى يحركنى، وهو الذى يقود الصورة، فجاء عبارة عن رسائل قررت الانتصار للحياة فى مواجهة الموت، وللحب فى زمن الحرب، وانشغالات اللاجئين بسؤال الوطن والمنفى. ■ وكيف كان للسينما الفلسطينية أن تتطوَّر بهذا الشكل رغم تراجع الواقع السياسى الفلسطينى وظروف الاحتلال الإسرائيلى؟ يعود ذلك إلى أن مشروع السينما الفلسطينية مشروع فردى، ولا توجد منظومة للسينما الفسلطينية، بل هى مجهودات يقوم بها عدد من محبى السينما المخلصين لها، الذين يسعون بكل الوسائل لإنتاج السينما الخاصة بهم والتى تعبر عن قضاياهم. ■ وكيف ترى مستقبل السينما الفلسطينية؟ متفائل بشأن مستقبل السينما الفلسطينية، بسبب وجود عدد كبير من الشباب المهتمين بالسينما والعاشقين لها، الأمر الذى يوضح مدى الإصرار على تقديم سينما جادة ومتميزة فى فلسطين. ■ فى أثناء مهرجان الإسكندرية أُثيرت قضية مهمة جدًّا بعد منع فيلم شاركت فى إنتاجه مؤسسة إسرائيلية.. فما رأيك؟ لا يمكننى أن أتهم السينمائيين الذين يحصلون على دعم من مؤسسات إسرائيلية بالخيانة، خصوصًا مَن يعيشون داخل إسرائيل ويدفعون الضرائب، ويعتبرون أن هذا أحد حقوقهم، إلا أن رأيى الشخصى هو عدم الحاجة إلى هذا الأمر، وعلى السينمائيين أن يجاهدوا للحصول على تمويل من خارج إسرائيل، لأن إنتاج إسرائيل أفلامًا فلسطينية يمنحها الشرعية التى تسعى إليها، كما يسهم فى تصدير صورتها إلى العالم على أنها دولة ديمقراطية على عكس الحقيقة، لذلك كان موقف مهرجان الإسكندرية سليمًا بعدم عرض فيلم من إنتاج إسرائيلى. ■ كيف ترى معالجة السينما العربية للقضية الفلسطينية؟ باستثناءات قليلة، لم تتمكَّن السينما العربية من التعبير عن القضية الفلسطينية، لأن معظم السينمائيين الذين قدَّموا أعمالاً عن السينما الفلسطينية لم يعايشوا الواقع الفسلطينى، لذلك لم يتمكَّنوا من تصويره بصدق، وأظن أن الفلسطينيين هم الأقدر على التعبير عن واقعهم. ■ هل توافق على أن المهرجانات العربية الحديثة بدأت فى سحب البساط من تحت أقدام مهرجان القاهرة؟ هذا مستحيل، سواء فى الحاضر أو المستقبل، ولن تتمكَّن دول الخليج بالأموال التى تضخّها فى المهرجانات من سحب البساط من تحت أقدام مهرجان القاهرة كما يتردَّد، لأن المهرجان لا يعنى فقط عرض أفلام عالمية ولا حضور نجوم السينما، فمصر ستظل الرائدة فى مجال السينما، كما أن مهرجان القاهرة له طعم مختلف، لأنه يُقام فى مصر، حيث وجود الفنانين والنقاد والمهتمين بالسينما. ■ أخيرًا، ماذا عن أعمالك القادمة؟ أحضّر حاليًّا لفيلم روائى طويل بعنوان كتابة على الثلج بطولة الفنان جمال سليمان، وسنبدأ تصويره فى شهر سبتمبر فى القاهرة أو فى الأردن، ويضم ممثلين من عدة دول عربية