جرى على كثير من الألسن فى الفترة الماضية وما زال بعض المقولات على شكل ونوعية البرلمان القادم أو كما سماه الدستور «مجلس النواب»، وكان من هذه المقولات الإشارة إلى أهمية هذا المجلس لدرجة وصفه بالأهم فى تاريخ الحياة السياسية المصرية، وهو وصف تم إطلاقه على جميع البرلمانات السابقة بحكم كل مرحلة والإيحاء بأنها الفاصلة والحاسمة، بالإضافة إلى النزوع الدائم لدينا للمبالغة والتهويل. والنقطة الأخرى الجديرة بالبيان هى الإشارات المتتالية لخطورة هذا البرلمان والتخوف من أن يكون البرلمان عائقًا للسلطة التنفيذية بشكل عام وللرئيس بشكل خاص، مما قد يثير التوجس والتخوف من تركيبة البرلمان القادم والنواب المحتملين لشغل مقاعده. وحقيقة الأمر أن هذا البرلمان سيكون فعلا مهمّا ولكنه ليس الأهم، لأن التجربة الديمقراطية لم تكتمل بعد، ولا يمكننا أن نختصرها فى عملية الاقتراع فحسب، وإنما نعتقد أن انعقاد هذا البرلمان هام فى ذاته بقدر أعلى من تشكيله أو طبيعة شاغلى مقاعده لأسباب عدة، أولها هو أهمية اكتمال مؤسسات النظام السياسى للدولة، خصوصًا أنها كانت خطوة من خارطة المستقبل التى تم التوافق عليها فى 30/ 7، ثانيها أن الحرب الدائرة ضد التكفيريين فى سيناء وليبيا تحتاج أكثر من أى وقت مضى إلى غطاء سياسى وليس أهم من البرلمان فى هذا التوقيت الحرج والحساس، والسبب الثالث يتعلق بأن انعقاد هذا البرلمان بعد ثورتين متتاليتين على فاشيتين هو خطوة أولى فى غاية الأهمية على طريق إعادة تشكيل الحياة السياسية المصرية بشكل عملى ليطابق الأشكال النظرية المطروحة دستوريا لنصل إلى ما نسعى إليه وهو دولة ديمقراطية حديثة. أما مسألة تعويق السلطة التنفيذية من قبل البرلمان وما إن كانت تعيق عمل الرئيس بشكل خاص فهذا يدخلنا فى جدليات عجيبة، إذ يصدّر مدّعو هذه المقولات فكرة أن البرلمان عليه أن يكون حامل أختام الرئيس، وهو ليس دور البرلمان بأى حال، كما أن البرلمان كما جاء فى الدستور الأخير وما سبقه من دساتير إنما هو العمود الثالث من النظام السياسى المصرى مع القضاء والسلطة التنفيذية، وهى سلطات لا تتعادى بقدر ما تتكامل لتقوم عليها أى دولة حديثة، ويتم عمل السلطات الثلاث على مبدأ فصلها من ناحية، وتناغم أعمالها من جهة أخرى، بينما الشىء الهام فى هذا الشأن أن الرئيس سوف يزيل عن كاهله عبء التشريع الذى طالما تحمله، إلى المنوط به التشريع. ونعود إلى من يريد تعطيل الرئيس وهو تيار الإخوان المسلمين على وجه الخصوص، فلا نعتقد أنهم سيوجدون فى هذا المجلس بالقدر الذى يسمح بأى تعطيل أو استهداف أو ترصد، لأن الخطر الحقيقى فى البرلمان القادم ليس فى من مع الرئيس ومن ليس كذلك وإنما المشكلة الحقيقية هى وجود عدد ضخم من المستقلين والتجمعات الصغيرة التى لا يعرف توجهاتها الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، كما يصعب أيضًا التعرف بشكل واضح على أيديولوجية يعتنقونها أو على أقل تقدير عن قائد ينساقون إليه، وذلك نتاج النظام الانتخابى الحالى الذى لا يشترط توجهًا أو تيارًا، أو بسبب نظام القوائم الذى تم الاختيار فى معظمه تبعًا للفئة وليس الكفاءة النيابية أو القدرة التشريعية والرقابية. إنى وإن كنت أسلفت أن هذا البرلمان هام فى ذاته فذلك لطبيعة المرحلة، لأن العملية الديمقراطية نمط متكامل يبدأ قبل اللجوء إلى الصناديق ويصل إلى كل الممارسات السياسية التى تدور بعد ذلك إلى أن يتم اللجوء إلى الصناديق فى المرة التى تليها، علّها تغير الوجوه السابقة أو تؤكد عليها، واضعين فى الاعتبار أن الدول الحديثة لا يقومها فقط المسار الديمقراطى، وإنما بسيادة دولة القانون والحفاظ على حقوق الإنسان، ليكون لثوراتنا سبب ويكون لمستقبلنا ثمن.