فى 9 فبراير 1959 كتب المخرج المسرحى نبيل الألفى ردّا نقديا على الناقد الفنى كامل يوسف، وكان الأمر كله يتعلق بمسرحية «قهوة الملوك» للكاتب والقاص والمحامى لطفى الخولى، وكان قبل ذلك بأسبوع كتب كامل يوسف نقدا للمسرحية من الناحية الأدبية، وكذلك من الزاوية الفنية التى تتعلق بالعرض. وكانت المسرحية قد عرضت فى يناير عام 1959 على المسرح القومى، وقام ببطولتها توفيق الدقن وشفيق نور الدين وعمر الحريرى وفردوس حسن وأحمد الجزيرى ومحمد الدفراوى وآخرون، وقد لاقت المسرحية استحسانا من البعض، ولكنها واجهت بعض الانتقادات من ناقدين آخرين. والنص المسرحى قهوة الملوك مأخوذ عن قصة للكاتب نفسه، وكان عنوانها بدوى أفندى وشريكه ، وربما لم يحدث ذلك كثيرا على المستوى الفنى، ورغم أن لطفى الخولى كان مشغولا بالشأن السياسى المحض فى غالبية حياته، فإنه استطاع أن يدفع للحياة الأدبية والفنية ببعض إنتاجه القصصى والمسرحى، وكان قد أصدر من قبل مجموعة قصصية تحت عنوان رجال وحديد ، تتحدث قصصها عن تجربة الاعتقال، ولكنه اقتحم عالم المسرح فى ما بعد بهذه المسرحية، ثم بمسرحيتين تاليتين هما الأرانب و القضية ، وفى كل مرة يُصدر فيها نصا مسرحيا، ويعرض على المسرح، فيثير قدرا من الجدل والحوار. ففى المقال الذى كتبه كامل يوسف يقول فيه: المسرحية تحاول فى جرأة أن تقدم ثورية ملفوفة فى قالب الواقعية الحديثة، وهى بهذا تسير فى خطين متوازيين فى نفس الآونة فتعرض لنا حشودا من الأشخاص والأحداث، يقصد من تفاعل كل منها بالآخر مدلولات أوسع مدى وأبعد غورا من مجرد النتائج العارضة التى تتحقق عن طريق التفاعل . ورغم أن الناقد أثنى على النص الأدبى فى بعض الجوانب، فإنه وجّه بعض الملاحظات السلبية إلى العرض المسرحى، مثل أن الشخصيات الكثيرة التى جاءت على خشبة المسرح، رغم نضجها، لم تقدم هذا الغنى الدرامى، لذلك جاءت الدراما فقيرة جدا بالنسبة إلى كثافة وغزارة وكثرة الشخصيات، والناقد هنا يوجه ضربة حادة إلى المخرج. وهذا اضطر المخرج إلى أن يكتب الرد الذى نوهنا به، وأبدى فيه ترحيبه الشديد بوجود نقاد مسرحيين، فهم الذين يعملون على تطوير الحركة المسرحية والفنية عموما، ووجود ناقد دارس وعارف بتاريخ الحركة المسرحية مثل الناقد كامل يوسف، فضيلة نحمد النقد من أجلها، إلا أن الألفى عبّر عن غضبه بقليل من الحنكة تجاه الناقد، عندما قال: ولكننا لا نريد أن نبالغ فى تدليله ، وفعل مثل كل المسرحيين المخرجين، بأنهم لا يحتملون النقد، وهذا ما جاء فى التعقيب الذى كتبه كامل يوسف على الرد، إذ كتب يقول: من الملاحظ أن الأستاذ نبيل الألفى قلما يتقبل النقد بصدر رحب، ولست أريد أن أخوض معه فى ترهات شخصيته حول مؤهلاتى ومؤهلاته، إذ إنه يطالبنى بأن أكون موضوعيا . ويسترسل يوسف فى إبداء حججه التى انطلق من خلالها لانتقاد المسرحية نصا وعرضا، وهذا الحوار النقدى الذى دار بين مخرج كان ملء السمع والبصر آنذاك، وأحد معالم الحركة المسرحية، وبين محرر صحفى وناقد فنى، يعبّر عن الزخم الذى كانت تتسم به تلك المرحلة المهمة من تاريخنا الثقافى والفنى، وراح هذا المحرر يوجه ملاحظاته السلبية للنص والعرض كما أسلفنا، رغم أن رئيس التحرير الذى جاء فيه هذا النقد كان قد كتب عن المسرحية من قبل، أى فور عرض المسرحية، ورئيس التحرير هذا لم يكن إلا خالد محيى الدين، وهو لم يكن رئيسا لتحرير صحيفة يومية فقط، بل إنه كان أحد أعمدة الحياة السياسية آنذاك، وأحد أهم اللاعبين فى ثورة 23 يوليو 1952، ولكن هذا لم يشكّل أى نوع من الضغوط ليثنى المحرر الفنى عن عزمه لتوجيه نقد لعمل مسرحى. أثنى عليه رئيس التحرير، وصاحب التاريخ السياسى العريق، وهذا بعض من تقاليد المهنة عموما، وكذلك تقاليد المرحلة التى نتحدث عنها. وعندما نعود إلى المقال الذى كتبه خالد محيى الدين عن المسرحية نجده يقول فى مستهله: مسرحية (قهوة الملوك)، تأليف لطفى الخولى، وإخراج نبيل الألفى، التى تعرض الآن على المسرح القومى، صورة حية لقطاع من المجتمع المصرى فى فترة معينة من تاريخنا القومى عام 1946 وما بعدها، حتى قيام الثورة -فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فترة التغييرات التى بدأت تأخذ مكانها فى عقول الناس نتيجة أحداث الحرب وما بعدها- سواء السياسية منها أو الاقتصادية . ويستعرض محيى الدين أحداث المسرحية وفكرتها ومضامينها التى تنطوى عليها، ولكن المدهش أن يبدى محيى الدين وجهة نظر فنية تنم عن وعى فنى، هذا الوعى الذى أفتقده فى رؤساء تحرير صحف اليوم، فنحن لا نقرأ لأحد رؤساء تحرير صحفنا اليومية أو الأسبوعية المعاصرة مقالا يعبر عن هذا الوعى الفنى، أو التقدير للفن، ولم يخرج علينا واحد منهم بالكتابة عن نص مسرحى معروض، أو فيلم سينمائى فى دور العرض، أو رواية منشورة لأحد الشباب أو لغيرهم، ولكننا نلمس بقوة أن بعض رؤساء تحرير بعض الصحف يتعدون دوما على مساحات الثقافة المتاحة بالكاد فى الصحف، إما بتقليصها، وإما بحذفها بالكامل، إذ لاح فى الأفق شىء يشبه الإعلان، وتكون الثقافة هى أولى الضحايا فى الصحيفة. لا أريد أن أتقصى مقال خالد محيى الدين، فهو منشور بالجريدة، وربما نشرع قريبا فى جمع المقالات الأدبية والفنية له ولرفاقه من ضباط يوليو، حتى تكتمل قراءتنا لثقافتهم، والجذور الفكرية التى انطلقوا منها، ولكننى كنت أريد أن ألفت النظر إلى تقاليد فنية ومهنية وصحفية وثقافية، كانت قائمة وفاعلة فى زمن ما، زمن لم نستكمل جمع أوراقه، وبالتالى نفتقد الكثير فى بلوغ إدراكه على النحو الصحيح.