«يأتي حاملًا البهجة والأمل».. انتصار السيسي تهنئ الشعب المصري ب«شم النسيم»    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    أسعار السمك والجمبري اليوم الاثنين 6-5-2024.. البلطي ب59 جنيها    برلماني يطالب بإطلاق مبادرة لتعزيز وعي المصريين بالذكاء الاصطناعي    «التنمية المحلية»: مبادرة «صوتك مسموع» تلقت 798 ألف شكوى منذ انطلاقها    محافظ كفرالشيخ: توريد 133 ألف و723 طن قمح حتى الآن    الطن يسجل هذا الرقم.. سعر الحديد اليوم الاثنين 6-5-2024 في المصانع المحلية    محافظ المنوفية: 56 مليون جنيه حجم استثمارات مشروعات الخطة الاستثمارية بمركزي شبين الكوم وتلا    تطورات جديدة في حرب أوكرانيا.. هل تتدخل فرنسا عسكريا ضد روسيا؟    «أونروا»: سنحافظ على وجودنا في رفح الفلسطينية لأطول فترة ممكنة    تصريح رسمي.. طلب عاجل من رئيس فرنسا لإدارة ريال مدريد بشأن مبابي    إقبال كبير من المواطنين على حدائق القناطر الخيرية احتفالا بشم النسيم    توقعات برج الجوزاء في مايو 2024: «الصداقة تتحول إلى علاقة حب»    4 أفلام تحقق أكثر من 7.5 مليون جنيه في دور العرض خلال 24 ساعة    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    استشاري تغذية توجّه نصائح لتفادي خطر الأسماك المملحة    قبل أولمبياد باريس.. زياد السيسي يتوج بذهبية الجائزة الكبرى ل السلاح    بعد مشاركة وسام أساسيا في المباريات السابقة .. هل سيعود محمود كهربا لقيادة هجوم الأهلى أمام الاتحاد السكندري ؟    كشف ملابسات مقتل عامل بأحد المطاعم في مدينة نصر    طلاب مدرسة «ابدأ» للذكاء الاصطناعي يرون تجاربهم الناجحة    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    الاتحاد الأوروبي يعتزم إنهاء إجراءاته ضد بولندا منذ عام 2017    وزير الرياضة: 7 معسكرات للشباب تستعد للدخول للخدمة قريبا    ماجدة الصباحي.. نالت التحية العسكرية بسبب دور «جميلة»    بالفيديو.. مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية: شم النسيم عيد مصري بعادات وتقاليد متوارثة منذ آلاف السنين    وفاة شقيق الفنان الراحل محمود ياسين.. ورانيا ياسين تنعيه: مع السلامة عمي الغالي    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    «المستشفيات التعليمية» تناقش أحدث أساليب زراعة الكلى بالمؤتمر السنوى لمعهد الكلى    استشاري تغذية ينصح بتناول الفسيخ والرنجة لهذه الأسباب    لاعب نهضة بركان: حظوظنا متساوية مع الزمالك.. ولا يجب الاستهانة به    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مقتل 6 أشخاص في هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على منطقة بيلجورود الروسية    فنان العرب في أزمة.. قصة إصابة محمد عبده بمرض السرطان وتلقيه العلاج بفرنسا    موعد عيد الأضحى لعام 2024: تحديدات الفلك والأهمية الدينية    إصابة أب ونجله في مشاجرة بالشرقية    اتحاد القبائل العربية يحذر من خطورة اجتياح رفح ويطالب مجلس الأمن بالتدخل لوضع حد لهذا العدوان    إصابة 7 أشخاص في تصادم سيارتين بأسيوط    تعرف على أسعار البيض اليوم الاثنين بشم النسيم (موقع رسمي)    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    مفاضلة بين زيزو وعاشور وعبد المنعم.. من ينضم في القائمة النهائية للأولمبياد من الثلاثي؟    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    هل يجوز قراءة القرآن وترديد الأذكار وأنا نائم أو متكئ    طقس إيداع الخميرة المقدسة للميرون الجديد بدير الأنبا بيشوي |صور    الدخول ب5 جنيه.. استعدادات حديقة الأسماك لاستقبال المواطنين في يوم شم النسيم    كولر يضع اللمسات النهائية على خطة مواجهة الاتحاد السكندرى    نصائح لمرضى الضغط لتناول الأسماك المملحة بأمان    نيويورك تايمز: المفاوضات بين إسرائيل وحماس وصلت إلى طريق مسدود    وزيرة الهجرة: نستعد لإطلاق صندوق الطوارئ للمصريين بالخارج    دقة 50 ميجابيكسل.. فيفو تطلق هاتفها الذكي iQOO Z9 Turbo الجديد    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    طبيب يكشف عن العادات الضارة أثناء الاحتفال بشم النسيم    تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس والكاتدرائية.. من ناصر إلى السيسى
نشر في التحرير يوم 07 - 01 - 2015

تمثِّل زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى للكاتدرائية المرقسية بالعباسية لتهنئة الأقباط بعيد الميلاد المجيد، حجر زاوية وحدثًا مهمًّا فى بلدٍ يتطلَّع إلى تأسيس مفهوم المواطنة بمعناه الصحيح والشامل.
مفاجأة سارة ولافتة إنسانية كريمة ، هى الكلمات التى وصف بها البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، زيارة السيسى، إلا أن الزيارة فى دلالتها تتعدَّى ذلك بكثير. نموذج العلاقة بين الكنيسة والدولة، قد يتمثَّل فى تفاصيل صغيرة، لكنها مهمة، مثل زيارات الرؤساء والقادة للمقر البابوى.
عدة مراحل تاريخية سجَّلت تطوُّر وتدهور العلاقة بين حكام مصر والمقر البابوى. البعض اعتبر المقر دارًا لتأدية واجب العزاء، مثل الرئيس الأسبق حسنى مبارك الذى زارها مرَّتين، ومنهم من اعتبرها ندًّا مثل الرئيس الأسبق أنور السادات، الذى زارها مرة واحدة، أو إحدى أدوات القوة الناعمة لمصر مثل الرئيس جمال عبد الناصر، الذى زارها مرَّتين، أو تعامل معها ومع أعيادها من منطلقات دينية متشددة تحرم تهنئة المسيحيين بأعيادهم كما فعل الرئيس المعزول محمد مرسى. إلا أن واحدًا من الرؤساء الأربعة لم يزر الكنيسة لتهنئة المسيحيين بعيد ميلاد أو قيامة، قبل أن يفعل ذلك الرئيس المؤقت عدلى منصور فى 5 يناير 2014.
عبد الناصر يبنى الكاتدرائية
كان عبد الناصر يعرف قيمة الكنيسة المصرية ومكانتها الروحية بالنسبة إلى مسيحيى الشرق، خصوصًا إثيوبيا التى تمثّل أهمية استراتيجية لمصر، والتى كانت كنيستها تابعة للكنيسة المصرية، حينها تجسَّدت فكرة إنشاء كاتدرائية كبرى جديدة تليق بوضع مصر وكنيستها التى يتبعها ملايين المسيحيين فى الشرق. وعندما صارح البابا كيرلس الرئيس عبد الناصر بذلك، رحَّب الرئيس وخصص 100 ألف جنيه لبناء الكاتدرائية. وفى أثناء زيارة البابا له استدعى عبد الناصر أبناءه، وأخبر البابا بأن أبناءه ادَّخروا فى الحصالة مبلغًا رمزيًّا ليتبرعوا لبناء الكاتدرائية، فبسط البابا منديله فى يده وتلقَّى من الأطفال جنيهاتهم القليلة فى حفاوة شديدة.
استهل عبد الناصر خطابه للكنيسة والشعب فى 24 يوليو 1965 فى أثناء وضع حجر الأساس للكاتدرائية المرقسية الجديدة بحى العباسية، قائلاً: أيها الإخوة: يسرنى أن أشترك معكم اليوم فى إرساء حجر الأساس للكاتدرائية الجديدة. وحينما تقابلت أخيرًا مع البابا فى منزله فاتحته فى بناء الكاتدرائية، وإن الحكومة مستعدة للمساهمة فى هذا الموضوع. ولم يكن قصدى من هذا المساهمة المادية، فالمساهمة المادية أمرها سهل وأمرها يسير، ولكنى كنت أقصد الناحية المعنوية ، حسب نص الكلمة التى سجلها موقع الرئيس جمال عبد الناصر بمكتبة الإسكندرية. وفى حفل افتتاح الكاتدرائية يوم الثلاثاء 25 يونيو 1968 كانت الكاميرات تلتقط صورًا للبابا كيرلس بين الزعيم جمال عبد الناصر والإمبراطور هيلا سلاسى إمبراطور إثيوبيا، لتسجل الزيارة الثانية لعبد الناصر إلى المقر البابوى.
البابا شنودة والسادات.. مرحلة جديدة
ثلاث سنوات مرَّت ورحل عبد الناصر ولحق به البابا كيرلس السادس، وصعد إلى سدة الكرسى البابوى البابا شنودة الثالث.
هكذا جاءت المرحلة الثانية، وهى مرحلة الرئيس السادات، ويمكن أن نطلق عليها مرحلة الأزمة والقطيعة، أو ما يسميه البعض بمرحلة الضغوط المتبادلة بين الكنيسة والنظام. وقد كان لافتًا أن تغيير رأس السلطة الدينية للكنيسة برحيل البابا كيرلس السادس وتولّى البابا شنودة مكانه، قد تزامن مع تولّى الرئيس السادات السلطة السياسية خلفًا للرئيس عبد الناصر فى عام 1971.
ومع هذا التغيير بدأت مرحلة جديدة، اتسم دور الكنيسة بالتوسُّع خارج الدور الدينى ليمتد إلى دور اجتماعى يتمثَّل فى تقديم الخدمات والمساعدات الاجتماعية للمسيحيين، ثم إلى دور سياسى صريح تمثَّل فى الكثير من المواقف التى اتخذتها الكنيسة وقيادتها من الأحداث والتطورات التى شهدتها مصر. لا بد أن نسجل هنا زيادة أعمال العنف الطائفى ضد الأقباط بشكل كبير ملحوظ فى عهد الرئيس السادات، فخلال عامَى 1971 و1972، وقعت 11 حادثة طائفية كان معظمها بسبب الخلاف على تشييد الكنائس أو ترميمها.
مرَّت سنوات من الصراع المكتوم بين الطرفين، حتى جاءت الزيارة الأولى والأخيرة للرئيس السادات إلى الكاتدرائية وسجَّلتها عدسة المصور فاروق إبراهيم، فى صورة منشورة بتاريخ 12 أكتوبر 1977. ظهر فيها البابا شنودة وهو يؤدِّى صلاته بالتزامن مع صلاة الظهر التى أدّاها الرئيس السادات ونائبه وقتها حسنى مبارك، وممدوح سالم رئيس الوزراء آنذاك. السادات لم يزر الكاتدرائية مرة أخرى، حتى جاءت قرارات سبتمبر التى حدَّد فيها السادات إقامة البابا وسحب التصديق على قرار تعيينه بابا للكنيسة الأرثوذكسية، وعيَّن لجنة من 5 أساقفة لإدارة شؤون الكنيسة، قبل أن تنتهى الأزمة عقب اغتيال السادات فى أكتوبر 1981.
مبارك.. النظام يعزل الكنيسة
فى المرحلة الثالثة من العلاقة بين الكنيسة والدولة، عشنا مرحلة مبارك، ويمكن تسميتها: مرحلة التهدئة والتفاهم والاعتماد المتبادل بين النظام والكنيسة، فقد تولَّى حسنى مبارك السلطة فى وقتٍ كانت فيه العلاقة بين الطرفين فى أسوأ حالاتها، فسعى الأول لتدعيم علاقته بالكنيسة، لكنه بذلك كرّس وضعًا صار فيه البابا شنودة هو الوسيط ما بين الدولة والأقباط فاختزل الأقباط فى شخصه، وقد نجح البابا فى ملء الفراغ واستيعاب المشهد . وإذا كان البعض يحمّل السادات مسؤولية تنامى النزعة الطائفية فى المجتمع، فإن نظام مبارك هو مَن أسهم فى عزل المسيحيين داخل كنيستهم، معتمدًا على عدة وسائل، من بينها: استخدام الإسلاميين كفزاعة لإخافة الأقباط، فى الوقت الذى أغلق فيه النظام أبواب حزبه فى وجه الأقباط، حيث لم يتجاوز عدد المرشحين الأقباط على قوائمه فى أى انتخابات عدد أصابع اليد الواحدة. ولم تؤدِّ هذه السياسة إلى عزلة الأقباط وانسحابهم من المجال العام فحسب، بل أسهمت أيضًا فى مزيد من أجواء الاحتقان الطائفى المتبادل فى المجتمع بين المسلمين والمسيحيين. إلا أن هذا النجاح الذى حقَّقه نظام مبارك فى إقناع الأقباط بأنه صمام الأمن لهم ولحقوقهم، تعرَّض لضربات موجعة فى سنواته الأخيرة، لا سيما فى الفترة التى سبقت ثورة 25 يناير، وبلغت ذروتها فى تفجير كنيسة القديسين، هذه الحادثة بدّدت الكثير من الأوهام التى روَّج لها نظام مبارك. بمرور الوقت، تغيَّرت العلاقة بين رأس الدولة ورأس الكنيسة، حتى انتهت فى عهد مبارك بأن أصبح الملف القبطى فى يد جهاز أمن الدولة، ولم يزر الكنيسة إلا مرتين لتأدية واجب العزاء. المرة الأولى التى زار فيها مبارك الكاتدرائية كانت لحضور قداس الجنازة فى يناير عام 2000، لتأدية واجب العزاء فى الفريق فؤاد عزيز غالى قائد الجيش الثانى الميدانى فى حرب أكتوبر، والزيارة الثانية كانت فى قداس جنازة المستشار حنا ناشد عضو المكتب السياسى للحزب الوطنى المنحل ورئيس مجلس الدولة الأسبق، وذلك بمقر الكنيسة الأرثوذكسية بالكاتدرائية بالعباسية يوم 20 ديسمبر 2006، بصحبة لفيف من رجال الدولة وأعضاء الحزب الوطنى المنحل.
ثورة يناير تعيد لُحمة المصريين
كان من أهم مكتسبات ثورة 25 يناير أنها أخرجت قطاعًا كبيرًا من المسيحيين إلى الفضاء العام والانخراط فى الحياة السياسية بعيدًا عن جدران الكنائس. تمثَّل ذلك فى حضورهم اللافت فى ميدان التحرير خلال أيام الثورة الثمانية عشر، وما بعدها.
أنعشت هذه العودة للأقباط الفضاء العام المصرى والرغبة فى انتزاع الحقوق عبر بوابة المواطنة، والآمال فى بناء دولة جديدة جامعة للمصريين مسلمين وأقباطًا، وكسر العزلة التى ميَّزت المسيحيين لعقود طويلة.
شهدت المرحلة الانتقالية، التى تولَّى فيها المجلس العسكرى السلطة بعد تنحى مبارك، سلسلة من الإجراءات والأحداث -منها تصاعد الاعتداءات على الكنائس والممتلكات المسيحية وأحداث ماسبيرو الدامية- دفعت كثيرًا من الأقباط للارتداد إلى داخل أسوار الكنائس. أدَّت العثرات التى شهدتها تلك المرحلة إلى انحسار حماس مسيحيين كثيرين ممن خرجوا للميادين فى أثناء وبعد الثورة، لكنها لم تبدّد التفاؤل لدى مسيحيين آخرين ظلوا على تمسكهم وسعيهم لانتزاع حقوقهم عبر دولة المواطنة وبعيدًا عن وصاية الكنيسة. قامت ثورة 25 يناير 2011 بآمال أن يغيّر أول رئيس مدنى منتخب علاقته بالكنيسة المصرية، لكن الصدمات تتالت.
سعى محمد مرسى خلال حملة الانتخابات الرئاسية لطمأنة الأقباط فى حال فوزه، ووعد بأنه سيعمل على أن يكون رئيسًا لكل المصريين على قدم المساواة، كما تعهَّد لعدد من القوى السياسية بجملة من التعهدات، فى ما عُرف باتفاق فيرمونت، وذلك عشية إعلان نتائج الانتخابات، كان من بينها تعيين نائب قبطى.
مرسى والإخوان.. عودة المخاوف
إلا أن الخطاب التطمينى للرئيس مرسى ولجماعة الإخوان المسلمين عن دولة المواطنة لم يبدّد تخوفات الأقباط، وهذا يعود كما يرى البعض إلى أنه لم ترافقه إجراءات ملموسة على الأرض. ورغم إقرار كثير من المسيحيين بأن أوضاعهم فى عهد مبارك كانت سيئة، خصوصًا فى السنوات الأخيرة التى شهدت تزايد الاعتداءات على كنائس المسيحيين وممتلكاتهم، فإن كثيرًا من الأقباط يرون أن الوضع فى ظل حكم الإخوان المسلمين ازداد سوءًا، مثل سليمان شفيق الباحث فى شؤون المواطنة، الذى اعتبر هذا التحوُّل بمنزلة انتقال من الدولة الرخوة إلى الدولة الفاشلة، فضلاً عن أن الرئيس مرسى لا يملك مقومات الدولة، فهو ذراع الجماعة فى مؤسسة الرئاسة .
ويستند أصحاب هذ الرأى إلى استمرار الممارسات القديمة كالتمييز ضد المسيحيين وتقييد ممارسة حقوقهم، كما بقيت نفس المشكلات القديمة كالتهميش فى الوظائف ودور العبادة، بل زاد عليها اتهام المسيحيين بأنهم ضد ثورة يناير وأنهم فى غالبيتهم فلول، والحقيقة أن هذه هى إحدى التهم الجاهزة التى استخدمها نظام مرسى لتشويه أى طرف يعارضه تمامًا كما كان يفعل نظام مبارك.
بلغ الصدام بين الكنيسة ونظام الرئيس مرسى ذروته بقرار ممثلى الكنائس المصرية الانسحاب من الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، اعتراضًا على المادة 219 من دستور 2012، والخاصة بتفسير مادة الشريعة الإسلامية، فجرى تمرير مشروع الدستور فى غياب ممثلى الكنيسة. وكان ذلك إشارة قوية إلى عمق الأزمة بين نظام مرسى والكنيسة التى استغلت أجواء الأزمة والقلق لاستعادة المسيحيين إلى حضنها والتأكيد أنها الملاذ. ومع تصاعد حالة الاستقطاب السياسى بين الإخوان المسلمين وخصومهم السياسيين، لا سيما بعد الإعلان الدستورى المكمل الذى أعلنه الرئيس مرسى فى 21 نوفمبر 2012 وخروج مظاهرات حاشدة ضد هذا الإعلان، وجد الأقباط ومعهم الكنيسة أنفسهم فى مرمى الاتهامات، فقد اتهم أنصار الرئيس مرسى الكنيسة بالمشاركة فى ما اعتبروه المؤامرة الرامية لإفشال الرئيس المنتخب، وبالوقوف وراء تمويل ودعم ما سُمى بتنظيم (البلاك بلوك)، حيث وصف المهندس خيرت الشاطر معارضى الرئيس مرسى بأنهم أقباط وفلول وعلمانيون .
نلاحظ هنا أن العام الذى تولَّى فيه محمد مرسى حُكم مصر -قبل أن يتم عزله فى 3 يوليو 2013- لم يشهد أى زيارة للمقر البابوى، تزامنًا مع فتاوى أطلقتها التيارات الإسلامية التى ينتمى إليها المعزول، بشقَّيها السلفى والإخوانى، بتحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم.
تولَّى الأنبا تواضروس منصبه رسميًّا كبطريرك للأقباط الأرثوذكس فى مصر قبل ثلاثة أيام فقط من انفجار أزمة الإعلان الدستورى المكمل، وما تلاه من تداعيات سياسية، فكانت هذه أول أزمة سياسية تواجهه، لا سيما أنها فرضت نفسها على الكنيسة والأقباط الذين اصطفت غالبيتهم فى خندق الرافضين للإعلان وشاركوا فى المظاهرات المناهضة له.
سبق هذه الأزمة غياب الرئيس مرسى عن حضور حفل تنصيب البابا الجديد، كما لم يذهب لتهنئته بخلاف التوقعات، بينما حضرت غالبية القوى السياسية وقادة القوات المسلحة، وهذا ما اعتبره البعض مؤشرًا آخر على بداية غير طيبة فى العلاقة بين رأس الكنيسة والرئيس مرسى.
تُضاف إلى ذلك توترات طائفية، مثل تعرُّض بعض المسيحيين لعمليات تهجير قسرى من بيوتهم، كما حدث فى سيناء وفى منطقة دهشور بالجيزة، ثم كانت أحداث منطقة الخصوص شمال القاهرة التى قُتل خلالها عدد من الأقباط، وما أعقبها من أحداث عنف غير مسبوقة أمام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية فى شهر أبريل من عام 2013، لتشكّل نقطة تحوّل أخرى دفعت الأقباط أكثر للاحتماء بكنيستهم. وقد بدا ذلك جليًّا فى البيان غير المسبوق الذى أصدره المجلس الملى العام للأقباط والذى ألقى بالمسؤولية على الرئيس والدولة تجاه العنف الذى جرى أمام الكاتدرائية، وندَّد بسكوتهما على ما وصفه بالتواطؤ المشبوه لبعض العاملين بأجهزة الدولة التنفيذية تجاه حماية أبناء الوطن وممتلكاتهم ودور عبادتهم.
البابا تواضروس.. 3 يوليو 2013
ولم تكن مشاركة البابا تواضروس فى مشهد 3 يوليو 2013 خروجًا على تقاليد الكنيسة بل كانت، كما يرى البعض، امتدادًا لسياستها. رأى آخرون أن هذا الحضور كان متسقًا مع تاريخ العلاقة بين المسيحيين والجيش المصرى، وأن ما فعله البابا تواضروس هو تكرار لمواقف سابقة، فكما وقف البابا كيرلس الخامس بجوار الزعيم الوطنى أحمد عرابى فى مواجهة طغيان الخديو توفيق، وكما وقف البابا كيرلس السادس مع جمال عبد الناصر، وقف البابا تواضروس مع السيسى.
وإذا كان الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور، قام بأول مبادرة لرئيس مصرى لتقديم التهنئة إلى المسيحيين فى عيد الميلاد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، فإننا شهدنا فى 19 أبريل 2014، خطوة أخرى فى هذا الاتجاه، حين قدّم عبد الفتاح السيسى، المرشح الرئاسى المحتمل فى ذلك الوقت، التهنئة للبابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية، بمقر الكاتدرائية المرقسية بالقاهرة بمناسبة عيد القيامة المجيد. هذه الزيارة الأولى للسيسى، تبعتها زيارته الأخيرة للكاتدرائية المرقسية، التى شارك فيها الأقباط فى احتفالاتهم بعيد الميلاد المجيد، فى أحدث دليل على التقارب المتزايد بين الرئيس السيسى والبابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.