الدولة تنقل علاقتها بالأقباط وكنيستهم إلى منطقة جديدة أكثر انفتاحًا وتأكيدًا لقيم المواطنة والشراكة. أمس ذهب المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية لزيارة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الأنبا تواضروس الثانى، فى المقر البابوى بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وهى المرة الأولى التى يذهب فيها رئيس الجمهورية للتهنئة بالعيد. لكنها المرة الثالثة التى يذهب فيها رئيس للكاتدرائية، فقد سبق منصور كل من الرئيس جمال عبد الناصر، عندما توجه إلى وضع حجر الأساس مع البابا كيرلس للكاتدرائية عام 1967، والمرة الثانية كان يوم افتتاح الكاتدرائية بصحبة إمبراطور إثيوبيا هيلاسيلاسى، والرئيس السادات عام 1973 عقب أحداث الخانكة.
المفكر والكاتب القبطى جمال أسعد قال إن زيارة منصور للكاتدرائية هى أول زيارة فى التاريخ لرئيس وملك أو وال فى مصر للمقر الباباوى من أجل التهنئة بالعيد، لافتا إلى أن الزيارة تعكس تحولا فى سلوك الدولة الرسمى تجاه الأقباط، يرسخ قيم المواطنة، خصوصا أن زيارة الرئيس كانت مجردة من أى حدث إلا التهنئة فى العيد.
أسعد أشار إلى أن زيارتى الرئيسين الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات للكاتدرائية، كانتا لظروف محددة، فالأول ذهب لوضوع حجر الأساس وافتتاح المقر، أما السادات فذهب فى ظل مناخ طائفى متوتر جراء حادثة الخانكة الشهيرة، بينما جاءت زيارة منصور على النقيض من ذلك تماما. رئيس الكنيسة الإنجيلية الدكتور القس صفوت البياضى، قال ل«الدستور الأصلي»، إنها خطوة طيبة أن يقوم رئيس الجمهورية بزيارة الكنيسة للتهنئة بالعيد، مضيفا «ربنا يديم العلاقات الطيبة»، موضحا أن زيارة كنيسة واحدة تكفى كأنه زار كل الكنائس، مشيرا إلى أن زيارة الرئيس لقداسة البابا تواضروس هى لافتة طيبة لكل المصريين، لأن المصريين يحتاجون إلى أن يروا العلاقات الطيبة دائما.
مطران الجيزة للكنيسة الكاثوليكية وممثلها بلجنة الخمسين، الأنبا أنطونيوس عزيز، قال إن الزيارة لفتة طيبة من الرئيس، ولو صارت تقليدا أن يذهب رئيس الجمهورية مرتين فى العام للكنيسة سيكون أمرا جيدا.
الكاتب والباحث فى الشأن القبطى سليمان شفيق، قال إنها أول زيارة للتهنئة وتضرب فى العمق كل الشعوذات الدينية الداعية لعدم تهنئة المسيحيين بالعيد، مشيرا إلى أن عبد الناصر ذهب عند افتتاح الكاتدرائية، والسادات زار البابا شنودة عقب أحداث الخانكة 1972.
وبخصوص الزيارات السابقة لرؤساء الجمهورية، أكد شفيق أن البابا شنودة الثالث أشاد بالموقف الرجولى الرائع الذى وقفه الرئيس عبد الناصر تجاه بناء الكاتدرائية. وأضاف شفيق: «لا ننسى أن الرئيس جمال عبد الناصر أعطى تصريحا لبناء الكاتدرائية الكبرى، وحضر حفل وضع الأساس فيها، ثم حضر حفل افتتاحها وألقى كلمة طيبة جدا، وتبرع بمبلغ للكنيسة فى 1967، وربطته صداقة عميقة بالبابا كيرلس السادس».
وبخصوص زيارة السادات للكاتدرائية، كان البابا شنودة قد ذكر فى إحدى مقالاته بمجلة «الكرازة» أن «السادات جاء مكتنفا بروح المحبة والمودة والاحترام من الآباء الكهنة أعضاء المجمع المقدس، فقد زار الرئيس الأزهر فى صباح ذلك اليوم، ثم انتقل إلى المقر البابوى قرابة الساعة الثانية عشرة ظهرا، فكنت فى استقباله مع أعضاء المجمع المقدس، وفى أثناء جلوس الرئيس معنا فى الغرفة الرئيسية بالكاتدرائية، نظر فجأة فى ساعته وقال: لقد حان موعد صلاة الظهر، فطلبت من الكهنة إخلاء مكان ليؤدى الصلاة وإحضار سجادة للصلاة عليها، ثم وقفنا فى الغرفة حتى أتم صلاته وعدنا لنقاشنا مرة أخرى. لينتهى اللقاء بكلمة لى وجهت فيها الشكر له. قلت فيها: إنك قائدنا وزعيمنا وأبونا وراعينا».
حسنى مبارك كان الرئيس المصرى الوحيد الذى لم يزر المقر البابوى مطلقا خلال سنوات حكمه الثلاثين، لكنه التقى البابا شنودة عدة مرات خلال مناسبات مختلفة، مكتفيا بالتهنئة عبر إرسال وفود رسمية إلى الكاتدرائية.