تكشف سلسلة الوقائع والحوادث المميتة خلال الأسبوع الماضى عن حال من التدهور والتسيب والاستهتار بين المواطنين وفى أجهزة الدولة، يعكس قدرا خطيرا من انعدام الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين أو تجاه المجتمع ككل، ويتناقض مع كل طموحات هذا البلد شعبا وقيادة. صور مثل سيارات تقطع مئات الكيلومترات دون تراخيص، وسائقين دون تراخيص، أو مسجلين يتعاطون المخدرات، خصوصا سائقى النقل الثقيل. فلاتر الغسيل الكلوى تتم سرقتها من المستشفيات لبيعها لمراكز الغسيل الكلوى الخاصة! أطفال تتفحم فى الحضّانات! رشوة مهندسى التنظيم فى الأحياء والمدن، الإهمال القاتل فى المدراس والمستشفيات وأجهزة الرعاية الاجتماعية، القطار المفقود وقضبان السكك الحديد المسروقة، وجرارات القطارات التى تصرف حصتها من السولار يوميا وهى نائمة أو عاطلة لا تعمل! هذه الصور وغيرها تشير إلى أن «حكومة 7 الصبح» وقعت فى مصيدة الدوران فى حلقة مفرغة، ولا تستطيع التقدم إلى الأمام، فتحول الوطن إلى ساحة عزاء، إن لم يكن فى ضحايا الإرهاب فإنه يكون فى ضحايا الإهمال. العدو الذى يواجهنا يستفيد كثيرا من ضعفنا، وهذا الضعف يغذيه مصدران هما الفساد وغياب القانون. حسنا، الحكومة تتحدث عن إصلاح تشريعى وإدارى، هاتوا ما شئتم من قوانين وتشريعات ونظم إدارية، لن تفيد. السبب ببساطة أن الفساد فى مصر أصبح مؤسسة حاكمة منذ دولة مبارك، والقانون سقط، ولا يطبق لا على الصغير ولا على الكبير. أصبحنا نعيش فى غابة يحصل فيها الواحد منا على كل ما يمكن أن تطاله يده. الحل يكمن قبل أى شىء فى مكافحة الفساد بكل أشكاله، وفى فرض القانون على الجميع، وليس بالاستئساد على الغلابة والضعفاء، وترك وحوش الغابة يسرحون ويمرحون. الإصلاح التشريعى والإدارى هو مجرد وهم سوف يستخدمه قدامى الموظفين لغرض «إضاعة الوقت»! هناك قوانين قائمة مشلولة أو مليئة بالثقوب. والمؤسسات التى نأتمنها على حياتنا وعلى أمننا يتم الآن بناؤها بطريقة تخالف العدالة، وتناقض المساواة وتخلق تمييزا حادا بين أبناء القادرين وغيرهم فى فرص التعليم والعلاج وفى فرص العمل والحياة. الاستثناءات تعطل العدالة، وتخلق حالة من الشعور بالقرف والإحباط، خصوصا بعد ثورتين، بين الشباب الذى سيكون عليه بحكم قوانين الطبيعة أن يبنى هذا البلد وأن يقرر مصيره. أما أعداؤنا، فى الداخل وفى الخارج، فإنهم فى الحقيقة لن يسعدوا بأكثر مما نحن فيه من حال يسود فيه الفساد وتنعدم فيه سلطة القانون. تذكروا أن الإرهاب ينضج فى غياب القانون، وأن الشعور بالولاء للنظام القائم يقل مع شيوع الظلم. إن ما يحلم به الإرهابيون هو أن تبدو المعركة فى صورة صراع حصرى بين «الدولة» من جهة و«الإرهاب» من جهة ثانية، وأن يقف الناس على الهامش، إما أن يراقبوا فى حياد، وإما أن ينحازوا إلى طرف، وهم فى كل الأحوال ستصيبهم ألسنة نيران الحرب بين الطرفين. مَن يعتقد أن الحرب ضد الإرهاب هى نزهة سوف تستغرق بضعة أسابيع أو شهور، كما بشرَنا «الخبراء الاستراتيجيون» فى العام الماضى، فهو واقع تحت تأثير وهم كبير. الحرب على الإرهاب ستطول. هذه الحرب سوف تستغرق سنين، ربما تقصر أو تطول، بقدر ما يكون استعدادنا السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى والإعلامى والوجدانى. ولن تنتصر على الإرهاب أمة يسود فيها الفساد وتنحط فيها مكانة القانون. ولن تنجح جهود مكافحة الفساد أو فرض القانون قبل أن تعود الثقة للناس بأن هذه الدولة تمثل غير القادرين، وهم الأغلبية، قبل القادرين. الدولة عندما أرادت إخلاء الباعة الجائلين، وكان يجب عليها أن تفعل، نفذت ذلك بكل قوة، وبطريقة بلغت حدود القسوة والتعنت أحيانا. بينما هى تبدو شديدة التردد والجبن إزاء العمل على استرداد حقوق ممتلكات الوطن التى حصل عليها أباطرة ومافيا الأراضى دون وجه حق، ثم حولوها إلى منتجعات سكنية للأثرياء الجدد و«أغنياء الثورة» الذين حققوا مكاسب باهظة من الغش والنصب خلال فترة الانحلال منذ ثورة يناير حتى الآن. مئات المليارات من الجنيهات فى خزائن أباطرة الأراضى المنهوبة تنتظر تحركا جادا من الدولة. الحرب على الفساد والإصرار على فرض القانون والنظام، فى شفافية وفى غير تعنت ضد الفقراء وغير القادرين، هما البداية التى سوف يستحيل التقدم الحقيقى من دونها. إن أسوأ ما يمكن أن ينتج عن استمرار الحال الراهن أن تتكرس لدى الناس البسطاء قناعة بأن «هذه ليست بلدهم». نعم، هذا خطير ونحن نرى أعداءنا يحاولون الضغط علينا من الداخل ومن الخارج، ويحاولون إرهاق كل إمكاناتنا إلى الحد الذى يمكن أن يضعف قوتنا على المقاومة. الطريق إلى النصر على الإرهاب، والصمود فى مواجهة الضغوط الدولية، يبدأ من إزالة كل أسباب الظلم الناتج عن الفساد وعن غياب القانون. دَعْكم من المحاولات البهلوانية للعب خارج الملعب الحقيقى. لن ينتصر قائد وراءه شعب يشعر بالظلم، وتدفع به الأحداث والوقائع كل يوم إلى مزيد من الإحباط.