النتائج الأولية لثانى انتخابات تشير إلى فوز كاسح ل«نداء تونس» العلمانى على حساب النهضة عاقب التونسيون حركة النهضة الإسلامية (فرع الإخوان فى تونس) بعد نحو أربعة أعوام من سيطرتهم على الحياة السياسية فى هذا البلد الذى كان مهد انتفاضات ما عرف ب«الربيع العربى»، حيث تحدثت تقارير ومصادر حزبية فجر أمس الإثنين عن أن حزب نداء تونس العلمانى فاز بأكثر من 80 مقعدا فى البرلمان الذى سيضم 217 نائبا مقابل 67 مقعدا لحركة النهضة، وفقا لإحصائيات أولية. 61.8% نسبة المشاركة فى الانتخابات وتعد هذه النتيجة بمثابة نكسة لحركة النهضة التى فازت بأغلب المقاعد فى انتخابات 2011 عقب الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن على، خصوصا فى ظل الإقبال الجماهيرى الكبير على الانتخابات، الذى حددت الهيئة العليا للانتخابات أن نسبته بلغت 61.8 فى المئة بعد إغلاق الصناديق. 83 مقعدا ل«نداء تونس» و68 ل«النهضة» وفى مؤتمر صحفى، قال كل من باجى قائد السبسى، رئيس حركة نداء تونس التى تشكلت عام 2012، وأمينها العام الهادى البكوش، إنّ الأرقام الأولية التى حصلوا عليها تشير إلى تقدم واضح. ولاحقا بدأت صفحات الحزب الرسمية تنشر تباعا ما قالت إنه نتائج عمليات فرز فى غالبية مكاتب الاقتراع داخل تونس وخارجها، متوقعة أنّ لا يقلّ نصيب الحزب عن 80 مقعدا. لكن حزب حركة النهضة، صاحب الأغلبية فى الجمعية التأسيسية، رفض الاعتراف بالهزيمة مبكرا، وقال إنّ الأمر يتعلق باستباق للنتائج الرسمية، منددا بما وصفته مصادر منه بعملية «انقلاب إعلامى»، فى إشارة إلى قنوات تليفزيونية تولت الإعلان عن نتائج، فى الوقت الذى ما زال فيه زمن الصمت الانتخابى جاريا. ومن جهتها قالت الهيئة العليا للانتخابات إنّ ما تم إعلانه من نتائج لا يلزمها وإنّه يخرق القانون الانتخابى، فى الوقت الذى رجّحت فيه عمليات احتساب لنتائج تم تعليقها على مكاتب الاقتراع بعد الانتهاء منه أن تكون حركة النهضة حلت ثانية بما يناهز 70 مقعدا، مما يعنى أنّ كلا من حركة النهضة وحركة نداء تونس قد ضمنتا الثلث المعطل أو الضامن، علما بأنّ البرلمان المقبل الذى يطلق عليه «مجلس نواب الشعب» سيضم 217 نائبا. كما أعلنت الجبهة الشعبية المعارضة عن توصلها إلى تقارير ترجّح أنها أحرزت 12 مقعدا فى البرلمان، ومن جهته قال حزب الاتحاد الوطنى الحر الذى أسسه رجل الأعمال الشاب سليم الرياحى إن المؤشرات تدل على كونه حصل على النسبة الثالثة من المقاعد. وفى حال تأكدت تلك الأرقام فإنّ ذلك يعنى أنّ هزيمة كل من حزبى التكتل (الذى يتزعمه رئيس المجلس التأسيسى مصطفى بن جعفر) والمؤتمر (الذى أسسه الرئيس المؤقت منصف المرزوقى) كانت مدوية بحيث قد يتراجعان إلى فئة الأحزاب ضئيلة التمثيل، مقابل صعود أحزاب أخرى قد تشارك فى الائتلاف الحاكم المقبل، ومن ضمنها الجبهة الشعبية اليسارية والاتحاد الوطنى الحر و«آفاق» الليبيرالية. لكنّ محللين يتوقعون أن يتشكل الائتلاف المقبل أساسا من حزبى «نداء تونس» و«النهضة». ووفق قوائم الناخبين، فإنه كان لنحو خمسة ملايين ناخب حق التصويت لاختيار أعضاء البرلمان. وسيختار البرلمان حكومة ذات صلاحيات واسعة حسب ما ينص عليه الدستور الجديد الذى أقر فى وقت سابق من هذا العام. وتسود أجواء من الترقب والتفاؤل حول نتائج تلك الانتخابات التى تعتبر بمثابة حجر زاوية فى تحول البلد إلى الديمقراطية. وهنأ الرئيس الأمريكى باراك أوباما الشعب التونسى على الانتخابات، وقال فى بيان: «باسم جميع الأمريكيين أهنئ شعب تونس على الانتخاب الديمقراطى لبرلمان جديد، وهو مرحلة مهمة فى الانتقال السياسى التاريخى لتونس». وجرى الاقتراع فى ظل حالة تأهب أمنى، إذ جاء بعد يومين من مقتل ستة مسلحين مشتبه بهم برصاص الشرطة فى عملية دهم لمنزل فى ضواحى العاصمة التونسية. وشهدت الانتخابات منافسة بين 1300 قائمة حزبية وفردية. كتبت- سارة حسين: كيف نجح «نداء تونس» فى هزيمة «النهضة» وحلفائها؟ بينما تتصارع الحركات والأحزاب التونسية فى معركة يمكن وصفها ب«اللحظة الفارقة» فى تاريخ تونس، تشير النتائج الأولية غير الرسمية إلى تقدم نداء تونس العلمانى، وأعلنت مصادر بالحزب أنه حصل على أكثر من 80 مقعدًا مقابل 67 للنهضة الإسلامية فى البرلمان الجديد. «نداء تونس» هو تحالف لحركات يمينية وسطية؛ قيادات من نظام زين العابدين بن على السابق وحزب التجمع الدستورى الديمقراطى المنحل، ونقابيين، ويساريين، وبعض المستقلين. يسعى التحالف إلى الاحتفاظ بالحريات الشخصية للمجتمع التونسى، وتطوير البرنامج الاقتصادى الذى سيحسن الاقتصاد التونسى على مدار 10 سنوات. فضلا عن أن رئيس الحزب الباجى قائد السبسى مرشح للرئاسة فى الانتخابات المقررة نوفمبر المقبل، ووفقًا لمحللين لديه فرصة كبيرة للفوز بالمنصب. الحزب العلمانى اعتمد على أسلوب الترهيب من خطورة خصومه اعتمد نداء تونس فى الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية على تكتيك الترهيب من خصمه «النهضة»، وما قد يفعله من تقييد للحريات الشخصية للتونسيين، ما دفع بالفعل كثيراً من التونسيين إلى التصويت له، خصوصا مع عجز الحركة الإسلامية عن تقديم أى أسباب مقنعة تجعل الشعب التونسى يستعيد ثقته بها. «النهضة» التى تعتبر الحزب السياسى الأساسى فى تونس تواجه مقاومة شرسة من الشعب والعديد من المنظمات المدنية والسياسية التى تخشى سيطرته على البلاد، ومحاولة أسلمة المجتمع التونسى الذى يعتبر استثناءً، حيث يعتبر خليطا ما بين الاعتدال الدينى والانفتاح السياسى والحريات الفردية. كما أن تجربة النهضة السابقة فى الحكم أثارت اتهامات بأنها تخفى أجندات سلفية تسعى سرًَّا لجعلها طريقة حياة فى تونس. لكن قيادات الحركة تنفى هذا تماما، لأن النهضة ملتزمة بالحفاظ على أسلوب الحياة التونسى وبالحريات والتطور الاقتصادى، مدعية أنها ترغب فى التعاون مع الأحزاب الأخرى لإنجاح هذه الانتخابات حسب صحيفة «هفنتون بوست» الأمريكية. تفوق نداء تونس على النهضة قد يكون «نكسة هائلة» لها، بعدما حققت نجاحا ساحقا فى انتخابات الجمعية التأسيسية 2011. ونقلت «هفنتون بوست» عن بوجمعة الرميلى أحد مؤسسى «نداء تونس» المتوقع فوزه رسميا، أنهم يفضلون التعاون مع حركات ذات أجندات مشابهة لأجندتهم وقريبة من برامجهم وتفكيرهم، و«النهضة» ليست كذلك. لم يتقدم نداء تونس بهذه المؤشرات على النهضة وحسب بل على الترويكا الحاكمة، والتى تشمل أيضا حزبى «التكتل الديمقراطى» الذى يتزعمه رئيس المجلس التأسيسى مصطفى بن جعفر، و«المؤتمر» من أجل الجمهورية الذى أسسه الرئيس المؤقت منصف المرزوقى. وهزيمتهما المدوية تعنى أنهما سيتراجعان إلى فئة الأحزاب ضئيلة التمثيل، مقابل صعود أحزاب أخرى قد تشارك فى الائتلاف الحاكم المقبل، ومن ضمنها الجبهة الشعبية اليسارية والاتحاد الوطنى الحر وآفاق الليبيرالية. لكن يرى محللون أن كلَا الحزبين «نداء تونس» و«النهضة» لن يفوزا بأغلبية مطلقة فى الانتخابات الحالية، وأن الفائز سيسعى إلى تأليف تحالف لتشكيل الحكومة. وبما أن أكثر من 100 حزب يتنافسون فى الانتخابات؛ فربما ينتهى الأمر ببرلمان تونسى أشبه بقطعة من الفسيفساء المكونة من أحزاب صغيرة.