رحلة عذاب كل عيد.. البحث عن تذكرة بحثا عن تذكرة سفر اصطف مئات المسافرين أمام شبابيك بيع التذاكر على رصيف الوجه القبلى، ووسط زحام وضجيج كانت التذكرة طوق نجاة، دونها تضيع فرصة قضاء العيد بين ذويهم وأقاربهم بالصعيد. أحد المسافرين -رفض ذكر اسمه- قال ل«التحرير» إنه يوجد بالمحطة منذ 6 ساعات، أملا فى الفوز بتذكرة ذهاب على قطار قبلى درجة ثانية، إلا أن الشبابيك ما زالت مزدحمة والتذاكر شبه معدومة، وحين وصل إلى عامل صرف التذاكر أخبره أنها نفدت، وقتها لعن القطارات والمحطات، وأكد أن المأساة تتكرر كل عام مع حلول العيد، لافتا إلى أن أبناء الأقاليم المقيمين فى القاهرة يقدرون بالآلاف، والتذاكر يتم تهريبها لتباع فى السوق السوداء بأضعاف ثمنها. «فى كل مرة آتى إلى هنا تخبرنى عاملة الشباك بأن التذاكر نفدت، وعلىَّ الانتظار حتى يوم السفر لكى يتسنى لى الحصول على تذكرة ركوب للعودة إلى أهلى فى قنا، لذا ألجأ إلى السوق السوداء، لأشتريها ب120 جنيها»، هكذا لخصت هيام إسماعيل معاناتها قبل كل إجازة عيد، قائلة: هناك «مافيا» تسيطر على تذاكر «الغلابة» ممن يحلمون بالسفر لقراهم ومحافظاتهم على مدى العام، وتتفشى تلك الظاهرة فى العيد. أما إبراهيم الأسوانى فحالته لم تكن أقل بؤسا من «هيام»، فالرجل جاء للمحطة وكله أمل فى الحصول على ثلاثة تذاكر، إلا أن صرّاف التذاكر خيَّب ظنه وأظهر له تذكرة واحدة فقط! وبين خيبة أمل عم إبراهيم، وصدمة جديدة تلقاها مواطن آخر، ناشد المذيع الداخلى لمحطة مصر برمسيس عبر مكبرات الصوت الداخلية قائلا: «نداء أخير.. إلى السادة الركاب القطار رقم 1934 سوف يتحرك من رصيف 11 بعد 10 دقائق وعلى جميع الركاب التوجه إلى الرصيف قبل انطلاق القطار»، ورغم أن القطار المذكور «مكيف» فإنك لا تستطيع ملاحظة ذلك من كثرة ازدحامه وامتلائه عن آخره بالركاب المتجهين إلى محافظات الصعيد، لقضاء وقفة عيد الأضحى، وقضاء أول أيام العيد وسط ذويهم. 1- مغامرة رصيف 9 «التحرير» حاولت ركوب القطار قبل انطلاقه من محطة مصر بعشر دقائق إلا أنها فشلت من شدة الازدحام داخل عربات القطار، الذى انطلق من رصيف 11 بمحطة مصر فى تمام الساعة 9.10 صباحا، والتقطت عدسة «التحرير» عددا من الصور التى توضح مدى معاناة ركاب قطار الصعيد على مدار 7 أو 10 ساعات هى طول المدة التى يقضيها الركاب داخل القطار حتى الوصول إلى محطاتهم النهائية بمحافظات الوجه القبلى. لم تستمر حالة الهدوء التى كانت تسيطر على رصيف 9 (وهو أحد أرصفة الوجه القبلى)، وما هى إلا دقائق حتى امتلأ الرصيف عن آخره من أقصاه إلى أدناه، وكأن هذا الحشد الكبير على الرصيف قد هبط من السماء، الجميع يحمل أمتعته الثقيلة، والآباء والأمهات يصطحبون أبناءهم، وفجأة تعلن الشاشة الإلكترونية داخل بهو المحطة عن قرب انطلاق القطار المميز رقم «2202» المتجه من القاهرة إلى أسوان، ومع دخول القطار إلى الرصيف «يترك الخليل خليله»، ليتصارع الجميع على الدخول إلى عربات القطار لحجز أماكن لذويهم، فهم يعلمون أن القطار المميز ليس به حجز محدد، بمعنى «الشاطر اللى يلحق يحجز الأول». ركاب القطار المميز «الشاطر اللى يلحق مكان».. والفتوات والمتسولون.. «أسياد القطار» 2- بلطجة الباعة الجائلين «طرى على قلبك يا أستاذ، اشرب حاجة ساقعة، ميه بجنيه، اعدل دماغك واظبط مزاجك وخدلك شاى، عسلية للأمور يا مدام، قزقز لب سوبر، سلى نفسك»، كلها نداءات تعوَّد ركاب القطار المميز سماعها ذهابا وإيابا، المعاناة الحقيقية كانت بعيدة تماما عن النداءات والبضاعة غير الصالحة للاستهلاك، أو حتى المشادات التى تقع بين الباعة والركاب من وقت لآخر، إذ يعرفون الباعة بسيماهم، فهم فى الأساس بلطجية «تاب عليهم ربنا»، ويحاولون كسب قوتهم بالعمل فى القطارات، لذا تكتب النجاة لكل من حصل على كرسى فى القطار ويكتب العذاب لهؤلاء ممن ينتشرون بالطرقات وأمام دورات المياه المعطلة أو بداخلها، إذ ابتكر ركاب القطارات المميزة طرقا جديدة فى استغلالها كغرف مستقلة بديلة عن عربات القطار. الركاب: القطر تحرش وفوضى.. وأجهزة تكييف مُعطَّلة.. والأمن مش هنا 3- حكاوى الركاب فى منتصف عربة رقم 4 جلس فوزى جرجس، 50 سنة، من أسيوط، وبمجرد رؤيتنا قال «شوفتوا العذاب اللى احنا فيه، فهذا حالنا كل عيد، قطارات الصعيد المكيفة والمميزة رحلة عذاب لا يتحملها البشر، فالمعاناة مستمرة، ولم تنته، وكأن التعذيب متعمد، فأجهزة التكييف معطلة، والكراسى مفككة، ودورات المياه معدومة النظافة ودون مياه، ناهيك بالنوافذ المحطمة ومطاردات الباعة الجائلين وقبل كل ذلك معاناة الحصول على تذكرة سفر، لأنها عملة نادرة بينما تجدها على بضعة أمتار مع تجار السوق السوداء على المقاهى». إبراهيم متولى، من المنيا، أضاف: «تحولت قطارات الوجه القبلى إلى سوق للباعة الجائلين، ومرتع للمتسولين واللصوص، فضلا عن الإهمال، وغياب الرقابة، والأمن داخل القطارات، حيث إنها مظلمة ليلا وبلا إنارة والأسلاك الكهربائية مكشوفة، ودورات مياه آدمية». بينما انتقد عبد الحميد السيوفى، من سوهاج، غياب شرطة القطارات خلال الفترة الماضية، ما جعل عربات القطار ملاذا للبلطجية الذين يفرضون بضائعهم المغشوشة على الركاب فى مشهد محزن للغاية، حيث تتعرض بعض الفتيات للتحرش والسرقة، إضافة إلى وقوع المشاجرات، بسبب الزحام، خصوصا فى القطارات العادية والمميزة. وزير النقل: نتعاون مع الشرطة والأجهزة الرقابية المسافرون على الرصيف «من الفجر».. وصرَّاف التذاكر: شطَّبنا مدير محطة مصر: مفيش حاجة اسمها «سوق سوداء» 4- الركاب وراء ظاهرة السوق السوداء مدير محطة مصر، مصطفى مهران، قال إن المحطة تشهد إقبالا شديدا مع حلول العيد، حيث يستقل آلاف المواطنين المغتربين القطارات، لقضاء إجازة العيد وسط أهلهم وذويهم، ورغم الاستعدادات الخاصة التى تقوم بها وزارة النقل وهيئة السكة الحديد فإننا نواجه سيلا من الانتقادادت من قبل الركاب خلال تلك الفترة، مؤكدا أنه قد تم طرح تذاكر عربات القطارات الإضافية. وعن ظاهرة السوق السوداء للتذاكر، قال «مافيش عندنا حاجة اسمها سوق سوداء، واللى بيعمل السوق السوداء الركاب وليس الموظفين». 5- وزير النقل: لا تهاون مع مَن يقصِّر فى حق الركاب من جانبه، أكد وزير النقل، المهندس هانى ضاحى، أن وزارة النقل تقوم بالتعاون مع الأجهزة الرقابية وشرطة النقل والمواصلات للقضاء على ظاهرة السوق السوداء للتذاكر، مضيفا أنه أصدر تعليمات مشددة بتكثيف عمليات المتابعة على منافذ حجز التذاكر. وزير النقل أضاف أنه وجَّه قيادات السكة الحديد بمتابعة سير عمليات حجز التذاكر، وموافاته بتقارير يومية من هيئة السكك الحديدية عن عمليات الحجز، مشددا على أنه لا تهاون مع مَن يقصر فى حق الركاب. الحكومة جهَّزت للعيد منذ 6 أشهر.. ومافيا السوق السوداء التهمت التذاكر في ساعتين 6- رئيس السكة الحديد: الهيئة تستعد للعيد منذ أبريل الماضى فى الوقت نفسه، أوضح رئيس هيئة السكة الحديد، المهندس سمير نوار، أن الاستعداد لعيد الأضحى بدأ منذ شهر أبريل الماضى أى منذ 6 أشهر، حيث تم وضع خطة التشغيل لجميع القطارات بالوجهين القبلى والبحرى، لافتا إلى أن الهيئة قررت تشغيل 97% من قوة القطارات العاملة، بالإضافة إلى أن جميع القطارات ستعود للخدمة تباعا بعد إجازة عيد الأضحى. نوار أضاف بقوله: «الحجز على القطارات المقرر تحركها وفق جداول التشغيل بدأ يوم 25 من الشهر الجارى على خطوط الوجه القبلى. 7- شرطة سرية لضبط «مافيا» التذاكر فى الصدد ذاته قال مدير شرطة النقل والمواصلات، اللواء السيد جاد الحق، «الإدارة ستواصل حملاتها فى محطات السكة الحديد والفنادق والمقاهى والمواقف القريبة من محطتى مصر والجيزة اللتين تم تخصيصهما لبيع تذاكر القطارات المتجهة من القاهرة إلى الوجه القبلى، كما وضعنا خطه سرية تقوم على انتشار رجال شرطة سريين فى مناطق بيع تذاكر القطارات والمناطق المحيطة بمحطات القطار.