طرح زميلى الدكتور أحمد عبد ربه عبر صفحته على «الفيسبوك» هذا التساؤل الذى نسمعه دائما فى الشارع وفى المقاهى ومع الأهالى والأقارب، عندما نتبادل الحديث عن المشكلات فى البلد، أو عن الحالة المصرية وحال الأحزاب، فتأتيك الإجابة كالتالى: وما البديل؟ نطرح هذا التساؤل ونسمعه، لكن لا نفكِّر فى الإجابات، فبعد 3 سنوات من اندلاع الثورة المصرية ما زال الجميع يكرِّر نفس الأخطاء، ويتوقع نتائج مختلفة مع الأسف، وينصبّ كلامى بالأساس على حال القوى الثورية والأحزاب المدنية، لأنها ببساطة مطالبة ببناء البديل، وتتمثّل الخطوة الأولى فى اتجاه بناء هذا البديل فى ضرورة مراجعة الجميع لخطابه خلال الفترة الماضية. تراهن بعض القوى الثورية -مع الأسف- على فشل المسار الحالى وانهياره، ولا تعلم هذه القوى أن انهيار هذا المسار ستكون له تبعات خطيرة، فالدولة المصرية لا تتحمَّل فشلا أكثر مما تحمَّلته الفترة الماضية على جميع المستويات، وانعكس هذا الرهان على خطاب تلك القوى، وهو ما أدى إلى إبعادها بالتدريج عن جموع المواطنين، ولا تزال هذه القوى تتبنَّى نفس الخطاب، ونفس نظرة الاستعلاء على الشعب المصرى، وهو ما يعكس ضعف قدرتها على رؤية الوضع الجديد الذى أعقب 30 يونيو، وبعد تجربة الإخوان فى الحكم ثم وصول الرئيس السيسى لم تستطع تلك القوى ترجمة وتفسير النسبة الكاسحة التى حصل عليها السيسى فى الانتخابات، بل تهكم بعضها على خيارات الشعب المصرى، بدلا من الوقوف على الأسباب التى دفعت المواطنين إلى التصويت للمرشح ذى الخلفية العسكرية بعد 3 سنوات من الثورة، لم ترَ هذه القوى نسبة مساهمة الأفراد فى تمويل قناة السويس والتى بلغت نسبة 90%، وعكست ثقتهم فى النظام الحالى حتى إن كان هناك مكسب مادى من ورائها، ومِن ثمَّ يتعيَّن على هذه القوى أن تبدأ فى مراجعة خطابها حتى تتمكن من استعادة التضامن الذى فقدته من بعض مؤيّدى ثورة يناير. ولنتذكَّر أن التضامن الحقيقى فى ثورة يناير جاء يوم «جمعة الغضب»، فحتى مَن نطلق عليهم «حزب الكنبة» أبدوا تعاطفا مع أحداث التحرير، لكن مع كثرة الفاعليات الثورية التى أعقبت تنحّى مبارك منذ 11 فبراير 2011 بدأت الأعداد المتوافدة على التحرير تقلّ حتى جاءت الموجة الثانية يوم 30 يونيو، والتى شهدت خروج جموع المصريين للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة.. إذن المطلوب هو استعادة هذه الأعداد مرة أخرى مع فهم عميق لرؤية جموع المواطنين للمسار الحالى الذى انعكس فى نسبة التصويت على الدستور الحالى، ثم النسبة التى حصل عليها الرئيس السيسى. من ناحية أخرى، فإن بعض تلك القوى لا تريد للمسار الحالى الفشل، لكنها معترضة على الأخطاء التى ترتكبها السلطة، خصوصا على صعيد ما تراه من محاولات لغلق المجال السياسى عن طريق قانون الجمعيات الأهلية، ورفض مراجعة قانون التظاهر، وإلغاء الأسر الطلابية القائمة على أساس حزبى أو سياسى أو دينى، إذن فالمطلوب من هذه القوى إما أن تنخرط داخل الأحزاب السياسية وتحاول إصلاحها من الداخل، وتبدأ بالضغط على السلطة الحالية، وإما أن تقرر هذه القوى أن تتجمّع وتقوم بخلق شبكات جديدة خاصة داخل المؤسسات المختلفة، مما يتيح لها خلق شبكة من الإصلاحيين فيها، ومِن ثمّ تبدأ فورا العمل على الأرض من خلال وضع تصورات بديلة، مع ضرورة الانتباه أن لا تكون هذه التصورات بعيدة عن التقاطع مع مشكلات الحياة اليومية للمواطنين، فلن يعبأ المواطنون الآن لفكرة المجتمع المدنى والدفاع عنه إذا لم يتم توفير القوت اليومى لهم وحلّ مشكلات التعليم والصحة والبطالة... إلخ. لا بد من الاعتراف أن المواطنين ملّوا من الحديث فى السياسة وموضوعاتها المتشعَّبة على شاكلة تعديل قانون التظاهر، يريد المواطنون أحاديث تمسّ مشكلاتهم اليومية مع طرح حلول لها لكى نكسب تضامنهم مرة أخرى، وهو ما سيعقبها قيامهم بالدفاع عن حقوقهم الأخرى بل وحقوق الآخرين، لكن بعد أن يتم بناء الثقة بين الأطراف المختلفة، أما الأحزاب السياسية فأتعجَّب فى حقيقة الأمر من أدائها، فمن ضمن تعريفات الحزب السياسى هو أن يسعى للوصول للسلطة، فإذا وصل أحد الأحزاب السياسية الحالية للسلطة حتى بعد 4 سنوات فهل سيكون لديه تصوّر مختلف لجميع الملفات؟ أين اللجان الداخلية لهذه الأحزاب التى تعمل على كتابة أوراق السياسات؟ هل يعقل أن تطالب هذه الأحزاب بحياة ديمقراطية وهى تفتقد للديمقراطية الداخلية؟ فقد رأينا فى تجربة التحالفات الحالية أن معظم الخلافات تُدار بشكل شخصى من خلال رؤساء الأحزاب وهو ما يعكس قدرا من الشخصنة، وهو ما يبرر عزوف بعض المواطنين عن الانضمام إلى الأحزاب، وهو ما يوفر للإعلام مادة خصبة لشيطنة الأحزاب المصرية. لا بد من مراجعة الأحزاب والقوى الثورية لخطابها ولأدائها، والتعلُّم من أخطائها خلال الفترة الماضية كخطوة أولى لتصحيح مسارها وخلق بديل فاعل على الساحة المصرية.