الخوف يسيطر على الحكومة فى لندن من خسارة قواعدها النووية الاسكتلندية.. ومطالبة «ويلز» و«أيرلندا الشمالية» بالانفصال على بعد أيام قليلة من استفتاء تاريخى يفصل بقاء اسكتلندا تابعة للتاج البريطانى من عدمه، بدا الخوف والحظر مسيطرا على كلا الطرفين، فما بين الرغبة فى الاستقلال السياسى لاسكتلندا والخوف من الآثار الاقتصادية الناجمة عن الانفصال تتأرجح مشاعر رجل الشارع الأسكتلندى. غير بعيد، وفى شوارع لندن وبالتحديد جنوبا فى ويستمينيتر حيث يقبع مقر الحكومة البريطانية، يسيطر الخوف على رجال الساسة من الآثار الناجمة عن الانفصال، والتى ستكون سياسية عسكرية بالمقام الأول. البداية مع اسكتلندا، سياسيا، يعتمد الأسكتلنديون بشكل مباشر على الدبلوماسية الخارجية للاتحاد البريطانى والأمور الدفاعية، ومن الممكن أن تحقق اسكتلندا استقلالا شبه سيادى، لكن الجمهورية الأسكتلندية المستقلة ستضطر إلى صياغة علاقاتها الدولية من جديد، وستواجه معضلة العضوية فى الحلف الأطلسى الذى تعارضه، وإعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبى لكسب العضوية كأنها عضو جديد ينضم لأول مرة. أما عسكريا، كلا الطرفين سيتأثَّر من الانفصال، فهو سيحتّم على اسكتلندا بناء جيش جديد يحمى حدودها، لا سيما البحرية التى تضم منصات آبار النفط، وهو ما يعنى تكاليف إضافية هى فى غنى عنها. وتبقى المعضلة فى الاقتصاد فى ما يتعلق بالطرف الأسكتلندى، حيث يرى المؤيدون للانفصال أن استقلال اسكتلندا سيحقّق لها أهدافها الاقتصادية، لا سيما بعد سياسة التهميش التى تعرضت له منذ أيام رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة، مارجريت تاتشر. ويرى مؤيدو الانفصال أن الاقتصاد الأسكتلندى قادر على الوقوف على قدميه، فهو يعتمد أساسا على الصناعة والتجارة، بالإضافة إلى ذلك لديه نحو تسعين فى المئة من احتياطى النفط والغاز فى الاتحاد الأوروبى. هذا هو الوجه الإيجابى اقتصاديا فى انفصال اسكتلندا، والآن إلى الوجه السلبى وهو ما يؤرّق منام رجال السياسة فى أدنبرة، حيث يرى المعارضون للانفصال أن أموال الاتحاد البريطانى هى التى أنقذت البنوك الأسكتلندية من الانهيار، لا البنوك الأوروبية التى تعانى الآن. وإبان أزمة مالية طاحنة ضربت العالم فى 2008، ضخّت بريطانيا نحو 187 مليار جنيه إسترلينى فى البنوك الأسكتلندية، وهذا أكبر من الدخل القومى الأسكتلندى الذى يتراوح ما بين 122 إلى 126 مليار جنيه، ولو كانت اسكتلندا مستقلة وقت وقوع الأزمة المالية العالمية لأعلنت إفلاسها مثل أيسلندا، كما أن الاستقلال سيؤدى إلى نشوب معارك قانونية على ملكية آبار النفط والغاز بين البلدين. والآن إلى بريطانيا، الخسارة الكبرى لدى بريطانيا هى خسارة سياسية عسكرية، حيث يبرز التحدى الأكبر بالنسبة إلى بريطانيا، إذا انفصلت اسكتلندا، فى قواتها النووية التى تعتمد حاليا على القواعد الأسكتلندية فى عمليات الدعم والصيانة. لو أجاب الأسكتلنديون بكلمة «نعم» للانفصال خلال هذا الاستفتاء، سيشكّل هذا الضربة الأولى للتحالف البريطانى وبداية انهيار بريطانيا العظمى، لا سيما أن نجاح الأسكتلنديين فى نيل استقلالهم قد يدفع أيضا مقاطعة ويلز وأيرلندا الشمالية للانفصال، بحيث تبقى إنجلترا وحدها فى ظل التاج، كما سيعتبر ديفيد كاميرون آخر رئيس وزراء المملكة المتحدة، ويسجّل اسمه بالتاريخ السياسى البريطانى باعتباره رئيس الوزراء الذى فشل فى المحافظة على وحدة المملكة المتحدة. وقال شعيب عابدى، المدير فى شركة «آى سى إم كابيتال» البريطانية، ل«التحرير»، إن الانفصال قد يهوى بالجنيه الإسترلينى إلى معدّلات غير مسبوقة، حيث إن الأثرياء وصناديق التحوُّط وأصحاب الاستثمارات الضخمة بدؤوا فعليا بسحب استثماراتهم وأموالهم من المملكة المتحدة. وأضاف: «يعدّ هذا العام، حتى هذه اللحظة، هو العام الأسوأ بالنسبة إلى التدفقات النقدية من المملكة المتحدة، حيث سيقوم المستثمرون بسحب أموالهم لتجنّب أى تعقيدات تعقُب استقلال اسكتلندا».