في يوم 18 سبتمبر من الشهر المقبل يستعد الاسكتلنديون لاتخاذ قرار تاريخي يتعلق بانفصالهم عن بريطانيا أو البقاء في كنفها من خلال إجراء استفتاء علي تقرير المصير، ففي عام 2012 وقع رئيس الوزراء البريطاني اتفاقا في اسكتلندا مع الزعيم القومي ورئيس الوزراء الاسكتلندي إليكس سالموند بمقر الحكومة الاسكتلندية حول استقلال اسكتلندا عن بريطانيا من عدمه عام 2014، ومن الناحية التاريخية فإن اسكتلندا مرتبطة منذ عام 1707م ببريطانيا العظمي، وتحظي منذ عام 1997 بحكم ذاتي واسع ضمن المملكة المتحدة التي تضم بريطانيا واويلز وأيرلندا الشمالية، ويذكر أن البرلمان الاسكتلندي من خلال الحكم الذاتي يتمتع بصلاحيات داخلية واسعة في مجال التربية والصحة والبيئة والعدل، ولكن المسائل المتعلقة بالشئون الخارجية والطاقة والضرائب والدفاع تبقي من صلاحية لندن، وقد جاءت موافقة انجلترا علي قبول إجراء الاستفتاء بعد ضغوط قوية من جانب الوزير إليكس سالموند الذي أصبح في موضع قوي منذ فوزه بأغلبية مطلقة في الانتخابات البرلمانية المحلية التي أجريت في اسكتلندا في شهر مايو من العام 2011 عن الحزب القومي الاسكتلندي، وبعدها تمت التسوية بين الطرفين لتجاوز الخلافات المهمة حول تنظيم الاقتراع الذي روعي فيه إشراك الشباب إلي سن 16 سنة بعد ميل الشباب إلي روح الاستقلال، وسوف ينص الاستفتاء صراحة علي سؤال يتعلق بخيار واحد للمواطن الاسكتلندي وهو تأييد أو رفض الاستقلال، في حين أن القوميون في اسكتلندا كانوا يطالبون الحكومة البريطانية بطرح سؤال حول الحصول علي حكم ذاتي واسع لكي يتجنبوا إمكانية فوز المعسكر الأخر المعارض للاستقلال داخل اسكتلندا. ورغم أن الكثير من الاسكتلنديين القوميين يحلمون بهذا اليوم ليتحقق حلمهم الطويل بالاستقلال الذي فشل رفاقهم من المجاهدين القدامي من تحقيقه، إلا أن بريطانيا تخشي من هذا الاستقلال لأنه حتما سوف يهدد المصالح البريطانية ويقلل من قوة بريطانيا أمام حلفائها، كما أن الاستقلال سوف يعطي ملكية الاحتياطي النفطي الكبير في بحر الشمال لاسكتلندا، وإمكانية دخول اسكتلندا الاتحاد الأوروبي وصكها لعملة خاصة بها بعيدة عن الجنيه الإسترليني مما سيضعف النفوذ البريطاني أمام القوي العظمي بالعالم، وقد ازداد القلق في لندن في الأسبوعين الأخيرين من شهر أغسطس الجاري بسبب تقلص الفارق بين المؤيدين والمعارضين لأن نسبة المترددين من الطبقات العمالية والشباب بدأت تميل إلي ترجيح كافة القوميين دعاة الاستقلال عما كانت عليه النسبة في الفترات السابقة، وبالرغم من ذلك فإن آخر استطلاعات للرأي أشارت إلي ترجيح كفة المؤيدين للبقاء مع انجلترا. وتعيش اسكتلندا هذه الأيام حالة من الشد والجذب بين رموز الحركة القومية ورموز الحركة المعارضة للاستقلال من خلال طرح سؤال هام للشعب الاسكتلندي وهو هل يمكن أن يصدق زعيمهم إليكس سالموند ويحقق لهم المستقبل الزاهر بالاستقلال، أم أنه من المصلحة العليا أن تبقي اسكتلندا في أحضان المملكة المتحدة بما تملكه من امتيازات محددة معروفة لشعبها سلفا، ولهذا يسعي رئيس الحكومة هذه الأيام إلي تكثيف حملاته الدعائية لشحذ الهمم لجلب الأصوات من خلال أطروحاته القومية والاقتصادية والازدهار الذي يمكن أن تشهده اسكتلندا بعيد عن القوانين البريطانية إذا ما تحقق الاستقلال السياسي والمالي، مقابل المعارضون بالاستقلال الذين يرفعون شعار ' من الأفضل أن نبقي معا ' وليصبح الانتصار أو الخسارة نحو تقرير المصير أمران لم يتم حسمهما بعد. إن تيار الوحدة مع انجلترا يسعي جاهدا إلي إقناع الناخب الاسكتلندي بمدي فداحة المخاطر التي يمكن أن تحدق باسكتلندا بعد الانفصال وبخاصة الوضع الاقتصادي والخدمي الذي يتمتع به المواطن الاسكتلندي في ظل تلك الوحدة مقابل التيار القومي الذي يدعو للاستقلال والتحدي ليظل الوضع بين التيارين سيجالا بين مؤيد ومعارض حتي تأتي لحظة الحسم التي سيقرر فيها أكثر من 4 مليون ناخب مصير اسكتلندا بالانفصال أو بالبقاء مع انجلترا ليصبح هذا القرار التاريخي أكبر قرار سياسي لاسكتلندا منذ ما يزيد عن 300 عام.