كلّنا لقينا نفسنا فجأة سواء باختيارنا أو لأ، عمّالين نشتكى لبعض من إن الصف إتقسم ومصر حتقع فى النص. وفجأة كده وانا بتأمّل الحكاية دى قلت إنّى حاسس كده إن الكلام ده نفسُه بقى العفريت اللى احنا بنحضّرُه بأنفُسنا زى ما نكون عايزينه يعضّنا، حفرة من الحُفر اللى عمّالين نُحفرها واحنا بنتجاهل إنّها ممكن تقلب بجد وتبلعنا جميعا. سيبكو ممّن فى أيديهم الأمر دلوقتى، سيبكو من أصحاب المصالح العملاقة وسيبكو من المجلس العسكرى اللى ملخبطنا معاه ومخلّينا نضرب أخماس فى أسداس صُبح وليل، سيبكو من كل ده خولّيكو فينا إحنا، إحنا الشعب.. ببُص حواليّا فى كل حتة مابلاقيش ناس مش عايزين يبقوا كويسين، ومش عايزين بلدهم تبقى كويسة، كويسة بس، كفاية لأغلب الناس. كل الناس اللى حواليّا وحواليكو، عايزين ولادهم يبقوا مبسوطين، بيناموا متغطيين فى البرد، وبياكلوا وبيشربوا وبيجروا ورا بعض وهى أصواتهم بتتعالى بالضحِكات. كل الناس عايزين يطّمنوا على بُكره ومايبقوش خايفين منّه. كلّنا عايزين نفخر ببلدنا ونعيش فيها بسلام، عايزين بس نبقى كويّسين. مش الحاجات دى حاجات كلّنا عايزينها؟ ما احنا مُتوحّدين أهُه، فين الصف المشقوق! عشان فيه شوية مننا كارهين الثورة؟ طب ما يكرهوها، حقّهم، إزّاى ممكن تجبر حد إنّه يحب حاجة؟! وبعدين أصلا أصلا بقه أنا عندى قناعة شخصية إن مافيش ولا مصرى ماكانش عايز الثورة دى تحصل، ولا واحد فيهم كان بيحب حسنى مبارك فعلا، هُمّ بس كانوا عارفين حياتهم قبل الثورة، كانوا فاهمينها ومطّمنينلها؛ حتى لو كانت وحشة، كانوا عارفين وحاشتها. البنى آدم بيحس بالطُمأنينة لمّا يبقى فاهم محيطه وعارف تفاصيله كلّها. عارف ازّاى مايقعش فى مشكلة، عارف يعرف مين عشان ممكن يفيده ومين مايعرفوش، عارف مين ممكن يكسّبه ومين يخسّره، عارف، دنيتى وعارفها. لمّا ييجوا بقه ناس يبقوا عايزين يغيّروا كُل ده، عايزين الراجل المطّمّن ده يحس بإيه؟ بيخاف! حد بيغيّر العالم بتاعُه، مايخافش ازّاي! طبعا دى نظرية بس، ممكن أكون غلطان جدا؛ ممكن يكون فعلا فيه ناس بيحبوا حسنى مبارك وبيدوبوا فى دباديبه بل إنّهم بيحبّوه أكتر من مصر نفسها، إنشالّه يكون فيه ناس شايفينه إن هو نفسه كان مصر نفسها. كلّه جايز، بس أنا شخصيا مش شايف مكان لأى حرص على أى حد غير النفس فى المعادلة دى، الأنانى مايحبّوش إلّا الأنانى اللى زيّه، والحب بتاع الأنانية مابيختلطش بالحب من الأنواع التانية. بيحبّوا فيه إيه يعني؟ هُم طول عمرهم بس شايفينه قدّامهم، بيحبّوا نفسهم فى عالمُه، بيحبوا حياتهم زى ما كانت كده؛ سواء شافوا بقية الناس إنّهم عندهم ما يكفى لحُب الحياة أو ماعندهمش؛ هُمّ كانوا مبسوطين كده. حقّهم، كانوا مبسوطين. إزاى ممكن تطلب من حد مبسوط كده، مايبقاش مبسوط كده؟! وفى الحقيقة كمان الفكرة دى خلّيتنى أتأمّل ظاهرة واضحة جدا بين صفوف الثوّار أو الداعمين للثورة واللى بنسمّيهم أعداء الثورة. أنا دلوقتى راجل كنت مطّمن وعارف كل ما حولى وبعدين انت جيت وقرّرت إنّك حتحاول تغيّر اللى مطمّنّى ده، مش حبقى خايف وقلقان أنا؟ لازم أبقى خايف وقلقان؛ طب لمّا أروح بقه أتكلّم مع حد من الثوّار أو الداعمين للثورة، والاقيه بيزعّقلى، وبيقولّى إن انا مُضلَّل وفلول! حَحس بإيه تفتكروا؟ بالأمان؟ لأ طبعا، بخاف أكتر، بكره الثورة أكتر وبكره صانعيها وكل من إدّاها يد العون! أكيد ماحدّش منّنا غرضه يخلّى حد يكره الثورة أكتر، صح؟ ومع ذلك مُعظمنا وقع فى هذا الخطأ مرّة أو مئات. الكلام طبعا يسرى على الجانب الآخر من الحيطة «المزعومة»، واحد رافض الواقع اللى كان عايش فيه، وخايف وقلقان ومش مطّمّن وقرر يثور على المشاعر دى أوّلا، ويدوّر على المتسبب فيها ويستبيع وينزل الشارع يعلن إنّه حينقلب على نمط الحياة ده، مهما كان التمن ثانيا. حتقولّه إيه ده تفتكر؟ حتقولّه يحب الواقع اللى بيكرهه كُل تلك المراهية ازاي؟ حيحبّه ازاي؟ عايزه يؤمن باللى هُو كافر بيه ازّاى؟ ده مش صف مشقوق يا جماعة، دول ناس مُختلفين عن بعض، ظروفهم مختلفة وحياتهم مختلفة وأولويّاتهم مختلفة؛ لازم يبقوا مختلفين حوالين الموضوع المهم المصيرى ده، لإنّهم مختلفين. حلو كده؟ كل المطلوب إن كل الناس دول يقرّوا كلّهم بحقّهم جميعا فى الاختلاف، ويلعبوا أصحاب، زى ما الأهلاوية والزمالكاوية بيقعدوا يتكلّموا عن الكورة ويَكيلوا لبعض كيلا بس بيفضلوا أصحاب. أنا فاهم إن الفكرة من فرط بساطتها قد يتصور كتير من قارئيها إنّها ساذجة، بس أنا فعلا ببص حواليّا فى كل حتة والاقى إنها مش واضح خالص إنّها فكرة بسيطة ولا قريّبة! دى بعيدة جدا عن أغلب الناس. مش ساذجة ولا حاجة، جرّبوها بس. أنا مش بقول يالّا نمثّل إنّنا هناء وشيرين وناخد بعض بالحضن فى كل الأوقات؛ تعالوا نتخانق فى الحق ومالُه؟ بس من غير زعل، نتخانق على أفكارنا، من غير عداء. نعاند بعض حتّى بس من غير ما حد يبقى عايز يرمى التانى فى البحر. الصف مش مشقوق ولا حاجة، انتو بيتهيألكو، ركّزوا فى الصورة بس حتلاقوها وساخة مش كسر، حتلاقوا حد عايزنا نقتنع إننا متفرّقين عشان هو عايزنا متفرّقين. (ولأ طبعا مش قصدى على عمرو مُصطفى!).