رئيس الوزراء يهنئ «الرئيس السيسي» بمناسبة الاحتفال بعيد العمال    الرقابة النووية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الأيزو    الفريق أول محمد زكى: الاهتمام بأساليب التدريب القتالى وفقاً لأحدث النظم العسكرية    توجيهات الرئيس استراتيجية عمل الحكومة| الدولة تواجه ارتفاع الأسعار.. والمواطن يشعر بالتحسن    مصنع لمواسير حديد الزهر ب«اقتصادية القناة»    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    انعقاد جلسة مباحثات ثنائية بين مصر واستونيا    وزير الخارجية الفرنسي: سنطالب بفرض عقوبات جديدة ضد إيران    كاتب صحفي يبرز أهمية زيارة أمير الكويت لمصر    ريال مدريد يهاجم بايرن ميونخ ب«فينيسيوس ورودريجو وبيلينجهام»    الأهلى والزمالك وأفريقيا    الأهلي يتأهل لنهائي كأس مصر للسلة بفوز مثير على الجزيرة    حالة وحيدة تقرب محمد صلاح من الدوري السعودي    السيطر على حريق شب بإحدى «سيارات الإسعاف» المتهالكة بالقاهرة    العثور على جثة طالب ملقاة بالطريق الزراعي في المنيا    بعد أحداث الهرم.. تعليم الجيزة تطالب الشرطة بتأمين المدارس بدورية ثابتة    مصرع زوجين وإصابة طفليهما في حادث انقلاب سيارة بطريق سفاجا - قنا    3 أغاني ل حميد الشاعري ضمن أفضل 50 في القرن ال 21    بعد طرح البوستر الرسمي..التفاصيل الكاملة لفيلم«عنب» بطولة آيتن عامر    صبري فواز يقدم حفل ختام مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.. الليلة    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    نادين لبكي: فخورة باختياري عضو لجنة تحكيم بمهرجان كان السينمائي    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    بعد اعترف الشركة المصنعة له.. هل يسبب لقاح «أسترازينيكا» متلازمة جديدة لمن حصل عليه؟    قبل شم النسيم.. جمال شعبان يحذر هؤلاء من تناول الفسيخ والرنجة    بالفيديو.. خالد الجندي: هناك عرض يومي لأعمال الناس على الله    مفاجأة بأقوال عمال مصنع الفوم المحترق في مدينة بدر.. تفاصيل    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    النائب العام يقرر إضافة اختصاص حماية المسنين لمكتب حماية الطفل وذوي الإعاقة    كرة سلة – قمة الأهلي والزمالك.. إعلان مواعيد نصف نهائي دوري السوبر    موقف طارق حامد من المشاركة مع ضمك أمام الأهلي    طرد السفير الألماني من جامعة بيرزيت في الضفة الغربية    كتائب القسام تفجر جرافة إسرائيلية في بيت حانون ب شمال غزة    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    90 محاميا أمريكيا يطالبون بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم ل القطاع الخاص 2024    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    وزير المالية: مصر قادرة على جذب المزيد من التدفقات الاستثمارية    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    "دمرها ومش عاجبه".. حسين لبيب يوجه رسالة نارية لمجلس مرتضى منصور    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    وزير التموين يعلن تفاصيل طرح فرص استثمارية جديدة في التجارة الداخلية    اليوم.. محاكمة 7 متهمين باستعراض القوة والعنف بمنشأة القناطر    حزب الله يستهدف مستوطنة أفيفيم بالأسلحة المناسبة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليبيا تستدعي «السيسي»
نشر في التحرير يوم 28 - 08 - 2014


كتب: د. ياسر ثابت
«مصر تحت تصرف ليبيا فى كل ما يطلبه الشعب الليبى».
بهذه الكلمات، رسم الرئيس عبد الفتاح السيسى معالم العلاقة بين مصر وليبيا خلال المرحلة الراهنة، خصوصا فى ظل اهتمام مصر بتطورات الملف الليبى وتعقيدات الوضع الميدانى.
مصر اختارت سياستها ودبلوماسيتها بشأن ليبيا، وحسمت موقفها بتأييد الشرعية وهو مجلس النواب المنتخب عن طريق صناديق الاقتراع.
هذا الموقف نابع من حسابات دقيقة، تضع فى تقديرها وجود مصالح مشتركة ضخمة بين مصر وليبيا منها الروابط القبلية والأسرية وكذلك الحدود، إضافة إلى أن مصر وليبيا تعتبران كلا منهما عمقا استراتيجيا للأخرى.
وإذا كانت السلطات الليبية قد أثنت على الدعم المصرى متعدد الأوجه لهذا الجار العربى والإفريقى، خلال الأزمة التى تتعرض لها ليبيا حاليًّا، فإن ما يهمنا حقًّا أمران أساسيان: لماذا تحتاج مصر إلى ليبيا؟ ولماذا تحتاج ليبيا إلى مصر؟
خيط البداية
يمكن التقاط خيط البداية من المؤتمر الصحفى المشترك الذى عقده وزير الخارجية الليبى محمد عبد العزيز، ورئيس البرلمان المنتخب حديثًا عقيلة صالح عيسى، ورئيس أركان الجيش الليبى عبد الرزاق الناظورى، مع وزير الخارجية سامح شكرى فى القاهرة، بعد لقائهم الرئيس عبد الفتاح السيسى. توقف كثيرون عند تصريح قال فيه الناظورى إن ليبيا «ستبنى جيشًا قويا بمساعدة مصرية»، فى إشارة إلى وعد من السيسى بتدريب قوات الجيش الليبى، وتابع: «وُعدنا بإمدادات عسكرية من مصر». وأضاف: «نحن قادرون على بناء جيش قوى بالتعاون مع الشقيقة مصر، وبعدها سنعمل على جمع السلاح».
من جهته، بدا رئيس مجلس النواب الليبى، عقيلة صالح، مرتاحًا خلال المؤتمر الصحفى المشترك الذى عُقد فى القاهرة وهو يشير إلى أن الرئيس السيسى أكد أن مصر تؤيد وتقف مع الشعب الليبى لبناء مؤسساته من القوات المسلحة، وأجهزة الأمن. وأعرب عن تقديره لموقف الحكومة المصرية، خصوصا وزارة الخارجية لدعم ليبيا فى الموقف الدولى، وما تقوم به القوات المسلحة لحماية الحدود، ومنع التسلل إلى ليبيا وتهريب السلاح.
الشىء الأكيد أن مثل هذه التصريحات والسياسات إن دلَّّت على شىء فإنما تدل على أن مصر وليبيا كل منهما عمقٌ استراتيجى للأخرى، وأن ما يمس الأمن الليبى يمس الأمن المصرى أيضًا.
ليس خافيًا أن الأوضاع فى ليبيا تتطلب دعمًا كبيرًا من المجتمع الدولى ودورًا خاصًّا لدول الجوار، وفى مقدمتها مصر. وهناك إجماعٌ إقليمى على أن مزيدا من الصدام واستخدام القوة سيزيد من خطورة الوضع، ولا بد من مساعدة ليبيا على الخروج من الفوضى السياسية والأمنية الحالية، ومن المهم أيضًا دعم المؤسسات الشرعية المنتخبة.
حرب أهلية.. هذا ما نخشاه
المشهد الليبى مُحزن للغاية ومخيف، وقد ينتمى إلى حرب أهلية طويلة الأمد، خصوصا أن هناك دولاً تؤيدها قوى داخلية تريد إرجاع الدولة الليبية إلى قديم عهدها، حين كانت فيدرالية مكوَّنة من ثلاثة أقاليم (طرابلس، برقة، فزان).
بداية علينا تأكيد أن الوضع الأمنى المتدهور فى لييبا يهدد الجزائر ومصر بشكل مباشر وهو ما أعلنه محمود جبريل، الرئيس الأسبق للمكتب التنفيذى فى المجلس الوطنى الليبى. التهديد هنا ليس أمنيًّا فقط، ولكنه أيضًا وجودى؛ حيث إن التقسيم الذى سيحدث فى ليبيا سيكون له صداه وانعكاساته السلبية فى دول الجوار، وفى طليعتها مصر.
يشهد الجوار المباشر لمصر عنفًا متصاعدًا، خصوصا إلى الغرب حيث ليبيا، يرتبط بتفتت مؤسسات الدولة الوطنية وغياب احتكارها للقوة المسلحة الجبرية وبالصراع المستمر بين فصائل مناطقية وقبلية وأيديولوجية مختلفة وباختراق الجماعات الإرهابية للداخل الليبى ودورها المدمر وبانتشار السلاح.
رغم محورية الملف الفلسطينى بالنسبة إلى مصر، فإن الاختبار الليبى يكاد يكون ميدان الحسم للوزن الإقليمى المحتمل. ليبيا مسألة أمن قومى ووحدة مصير وأى انهيار نهائى محتمل لمشروع دولتها فإن مصر ستكون أول من يكتوى بناره.
مصر، بحكم اهتمامها بالتطورات الليبية، تحاول دعم الجهود الرامية إلى استقرار مؤسسات الدولة فى ليبيا، حتى إن وزير الخارجية سامح شكرى لم يتردد فى تأكيد دعم مصر شرعية مجلس النواب المنتخب أخيرًا فى ليبيا والحكومة التى من المفترض أن يشكلها.
يرتبط بهذه التصريحات النتائج التى تَمخَّض عنها الاجتماع الوزارى الرابع لدول جوار ليبيا، خصوصا المبادرة التى تبناها الاجتماع والخاصة باستعادة الأمن والاستقرار فى ليبيا، وبخاصة فى ما يتعلق باحترام وحدة وسيادة ليبيا، ورفض أى تدخل فى شؤونها الداخلية، والالتزام بالحوار الشامل ونبذ الإرهاب وبدء حوار بين الأطراف السياسية التى تنبذ العنف وصولاً إلى تحقيق الوفاق الوطنى والمصالحة ووضع دستور جديد للبلاد، وتنازل جميع الميليشيات والعناصر المسلحة عن حمل السلاح وعن اللجوء إلى العنف.
من مصلحة مصر أن تكون هناك دولة فى ليبيا وأن يتمكن برلمانها المنتخب من الاضطلاع بأدواره وأن تبنى جيشًا قادرًا على مواجهة الميليشيات.
تعلم القاهرة أن الخطوة المهمة التالية فى ليبيا هى تحرك البرلمان، المنبثق من انتخابات يونيو 2014، بهدف تشكيل حكومة دائمة تقود البلاد فى المرحلة المقبلة، بما يحقق تطلعات الشعب الليبى ويحفظ لليبيا وحدة أراضيها وسلامتها.
وتراقب القاهرة عملية جمع السلاح فى ليبيا، التى تتطلب فى المقابل إحداث توافق سياسى بين المجموعات المسلحة أولاً، يمهد لنزع سلاحها وحفظه أو التخلص منه. فحسب تقديرات أولية فإن «80%» من السلاح الذى دخل مصر ووجد طريقه إلى جماعات إرهابية تسرب عبر الحدود الليبية.
ضربات عسكرية مجهولة المصدر
الأمر ليس سهلاً فى كل الأحوال. فمنذ سقوط نظام العقيد معمر القذافى بعد 8 أشهر من مواجهات عسكرية دعمتها قوى غربية فى 2011، تغرق ليبيا فى الفوضى، ولم تتوصل السلطات إلى السيطرة على عشرات الميليشيات فى غياب قوات جيش وشرطة جيدة التدريب وموالية للحكومة.
هناك محاولات وربما مطالب بتدخل عسكرى مصرى فى الشأن الليبى، لكن القاهرة تتعامل مع هذه المسألة بحذر شديد، فهى من جهة تؤمن بأن ليبيا بكل ما تشهده من صراعات وقتال وميليشيات تمثل مصدر قلق وتوتر على الأمن فى مصر، ومن جهة أخرى ترفض التورط عسكريا فى الصراع الدائر هناك، إلا إذا لزم الأمر، وبتنسيق كامل مع الشرعية ومؤسسات الدولة فى ليبيا.
فى الأيام القليلة الماضية، تعرضت مصر لسلسلة تسريبات إعلامية منسوبة إلى مصادر مجهولة، تتحدث عن عمل عسكرى شاركت فيه مصر فى العمق الليبى. هكذا قرأنا العناوين التالية:
- «نيويورك تايمز»: مصر والإمارات شنَّتَا غارات جوية على طرابلس دون استشارة واشنطن.
- «رويترز»: مسؤولون أمريكيون: «مصر والإمارات شنَّتا سلسلتين من الغارات الجوية على الفصائل الإسلامية المسلحة فى العاصمة الليبية طرابلس.. البلدان استخدمتا طائرات متمركزة فى مصر».
- مسؤول أمريكى رفيع المستوى لهيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى»: «الولايات المتحدة لم تُستَشر بشأن الهجمات، وإنما فوجئت بها».
غير أن السلطات المصرية نفت ضلوعها فى الغارات، وبادر الرئيس السيسى بالقول خلال لقائه مع رؤساء تحرير الصحف المصرية: «لم نقم بأى عمل عسكرى خارج حدودنا حتى الآن، ولا توجد طائرة ولا أى قوات مصرية فى ليبيا ولم تقم أى طائرة مصرية بأى عمل عسكرى داخل الأراضى الليبية، فقواتنا داخل أراضينا».
مرة تلو الأخرى، ينفى وزير الخارجية سامح شكرى بشكل قاطع كل ما يتردد من تقارير مرسلة وأخرى فى وسائل إعلام متفرقة حول قيام القاهرة بأى عمل عسكرى داخل الأراضى الليبية.
أما مبعوث الأمين العام لجامعة الدول العربية، ناصر القدوة، فقد قال إن «الغارات الجوية على طرابلس نفّذتها أطراف غير عربية، مشيرًا إلى أن الطائرات أتت من جهة البحر المتوسط».
على أى حال، فإن الموقف الرسمى الليبى يتيح مساحة لطلب تدخل عسكرى إن لزم الأمر.
لا مشكلة فى التدخل الدولى!
هذا الموقف تبلور فى أكثر من مناسبة وعلى لسان أكثر من قيادة سياسية فى ليبيا. ومن ذلك ما قاله السفير الليبى فى القاهرة فايز جبريل فى وقت سابق، حين دعا المجتمع الدولى إلى مساعدة بلاده فى حماية حقول النفط والمطارات وسائر مرافق الدولة، وقال جبريل على هامش اجتماع لدول جوار ليبيا فى القاهرة إن بلاده عاجزة عن حماية مؤسساتها ومطاراتها ومواردها الطبيعية لا سيما الحقول النفطية.
وقال: «إن بلاده ليس لديها أى عقدة من التدخل الدولى»، مشيرًا إلى أن هدفهم فى ذلك هو حماية المواطنين الليبيين، الأمر الذى يعد جوهر القضية الآن فى ليبيا.
ولفت جبريل إلى أن «أشكال التدخل الدولى حاليًّا كثيرة لحماية المقرات الخاصة بالمؤسسات الليبية، خصوصا أن ليبيا ليس لديها القدرة على حماية مؤسساتها ولا مطاراتها ولا مصادر الثروات فيها، خصوصا حقول النفط، فما قيمة الدولة والسلاح منتشر فى أيدى الجماعات المسلحة التى تهدد استقرار ليبيا؟». وقال: «إن ليبيا حصلت على استقلالها بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتالى فإننا نخاطب مجلس الأمن لا دولاً بعينها، وإن تعاوننا مع المجتمع الدولى لن يسبب لنا أى مشكلات أو عقد». فى تقديرنا أن هناك تفاهمات مصرية جزائرية بعدم التورط فى أتون الحرب والصراعات فى ليبيا بشكل مباشر، لكن البلدين يحاولان بطرق غير مباشرة السيطرة على الموقف داخل ليبيا. فى الآونة الأخيرة تداول البعض إعلاميًّا أخبارًا عن مصادر دبلوماسية وعسكرية بأن هناك فرصة تمنح الرئيس السيسى أو نظيره الجزائرى بوتفليقة، الحق فى شن حرب عسكرية بقوات عربية مشتركة، بموجب اتفاقية اعتمدها مجلس الدفاع المشترك للجامعة العربية (مؤسسة معنية أنشئت بموجب شروط معاهدة الدفاع العربى المشترك والتعاون الاقتصادى 1950) لتنسيق دفاع مشترك لجامعة الدول العربية. والاتفاقية المشار إليها تسمح لمصر والدول العربية بالتدخل العسكرى المباشر فى ليبيا، بهدف حماية أراضى الدولة وصيانة سلامتها الأمنية، وتشتمل الاتفاقية على 5 بنود جميعها تسمح بتحريك الجيوش العربية إلى ليبيا.
غير أن مصر تنفى بوضوح تحركها العسكرى فى العمق الليبى.. حتى الآن. لا تريد مصر أن تتدخل عسكريا فى ليبيا، غير أن أهم ما يشغلها على هذا الصعيد هو تأمين حدودها الغربية، وهذا يقتضى القضاء على الميليشيات القَبلية والسياسية هناك، التى لن تستقر الأحوال مع بقائها، حسب الرؤية المصرية.
المبادرة المصرية.. الهدف والرؤية
نلفت الأنظار هنا إلى أن المبادرة التى أعلنها وزير الخارجية سامح شكرى، والتى تهدف إلى نزع السلاح من القبائل والكتائب المسلحة مقابل الدمج فى العملية السياسية فى ليبيا، تهدف فى الأساس إلى تحقيق الاستقرار الأمنى، ولا تتدخل فى الشأن السياسى الداخلى.
من الواضح أن إطلاق المبادرة جاء بتنسيق مع رئيس البرلمان الليبى، عقيلة صالح عيسى، علمًا بأن هناك تفهمًا لجذور الأزمة؛ إذ إن أحد أسباب الوضع الشائك فى ليبيا هو استمرار تسليح القبائل، منذ عهد القذافى، وتواصل تسرب السلاح إلى أيدى رجال القبائل بعد نجاح الثورة الليبية.
ويعد ملف العمالة المصرية فى ليبيا من الملفات الشائكة، إذ تبدى القاهرة اهتمامها بمصير العمالة المصرية فى ليبيا وسلامتها الشخصية، خصوصا بعد مقتل وإعدام عدد منهم خلال الصراع المسلح هناك، فضلاً عن تعرض عدد آخر منهم لمضايقات ومطاردات وعمليات خطف. وتقدم الأزمة الداخلية الطاحنة فى ليبيا، والتى تتخذ طابعًا عسكريًّا فرصًا لدفع عناصر متنوعة سواء كانت من المتحاربين أو من المدنيين العزل إلى الحدود المصرية. هذا أمرٌ آخر تنظر إليه مصر بعين القلق. الشاهد أن الحدود المصرية - الليبية لم تكن أكثر التهابا مما هى عليه الآن؛ لأن وجود «الدولة» فى البلدين أمّن إلى حد بعيد حصار النزاعات بينهما، سواء الصراع الذى اتخذ طابعًا شبه عسكرى فى عهد الرئيس أنور السادات والعقيد معمر القذافى، ثم مماحكات القذافى نفسه مع نظام الرئيس حسنى مبارك من جهة والقيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس ياسر عرفات؛ إذ كانت الحدود كثيرًا ما تستيقظ على وقع التهديد بطرد المصريين والفلسطينيين إلى بوابات الحدود مع مصر.
أما الآن فإن المشكلة، وإن كانت تبدو ليبية حصرًا، حتى فى عمليات خطف السفراء وأعضاء البعثات وقتل عدد من المسيحيين المصريين وخطف سائقى شاحنات عبر الحدود، إلا أن المشكلة تؤرق القاهرة وتضع أعباء إضافية على لائحة المشكلات المصرية السياسية والأمنية والاقتصادية.
فعلى الضفة الأخرى من الحدود مع ليبيا دولة ضعيفة وميليشيات ومجموعات مسلحة وتيارات سياسية من مختلف الأنواع وتداخل مجتمعى وأعداد كبيرة من المصريين يعملون هناك يُقدَّرون ما بين 650 ألفًا ومليون مواطن، وأعداد ليست قليلة من الليبيين للدراسة والعلاج، أو التماسًا لأمان مفقود ربما يستجيرون منه ببعض أمان مصرى.
كل الطرق تؤدي إلى نتيجة واحدة
يرى سياسيون مطلعون على الملف الليبى مشكلات فى سيطرة مؤسسات الدولة الليبية كونها مفككة ومخترقة إجمالاً، كما أن مؤسسات الأمن هناك غير قادرة على مراقبة الحدود فى شكل كافٍ، وبالتالى إمكانية تهريب أسلحة أو بشر. وبالتالى فإن الحاجة إلى تعاون وتنسيق القاهرة وطرابلس بشكل مستمر وكفء، يهدف إلى منع تهريب الأسلحة أو تسلل البشر ضمن هجرات غير شرعية، فى ظل الخشية من تسلل عناصر من المتشددين الإسلاميين الذين يحملون السلاح أو تهريب الأسلحة نفسها إلى عناصر مماثلة فى مصر. وهذا يستدعى استحداث آليات لمراقبة هذه الحدود، إضافة إلى العنصر العسكرى العادى المتمثل فى سلاح الحدود؛ لأن تغطية حدود بهذا الطول لا تكفيها التغطية البشرية فحسب. إضافة إلى ذلك، فإن القاهرة معنية بالتنسيق المكثف مع طرابلس لتأمين العمالة المصرية فى الداخل الليبى أو لدى تحركها إلى الحدود الليبية سواء مع مصر أو مع تونس، كما حدث فى صيف 2014. من هذا المنطلق، نلمس حرصًا من جانب الدبلوماسية المصرية والأمن ورجال الاقتصاد على أن يكونوا قريبين من المشهد الليبى، لتجنب تكرار مشهد تفجر الموقف على الحدود والاستيقاظ على مشهد آلاف المصريين العائدين هاربين أو ضحايا أو آلاف المواطنين الليبيين الهاربين إلى مصر بصفة عامة أو إلى القبائل المصاهرة على الجانب المصرى من الحدود. وسط ضغوط متزايدة عليها وانقسامات شديدة تهدد بتقسيم البلاد، تثمن القيادة الليبية الحالية الدور الذى تلعبه مصر فى استتباب الأمن فى ليبيا ودول الجوار، وهى هنا تحاول أن تفتح الباب لما هو أكثر من التعاون الأمنى أو حتى العسكرى، لتمتد جسور هذه العلاقات اقتصاديا وتجاريا؛ لذا وجدنا دعوات صريحة للشركات ورجال الأعمال المصريين إلى الاستثمار فى ليبيا والمساهمة فى بناء الاقتصاد الليبى بعد استقرار الأوضاع. تدرك القاهرة أن استمرار التوتر الحدودى والصراع المسلح فوق الأراضى الليبية يمثل فى نهاية المطاف تعطيلاً لكل المصالح المصرية فى ليبيا، خصوصًا أن القاهرة ترغب فى إعادة التعاون مع ليبيا فى الملفات كافة، قبل ذلك، جاء إعلان محافظ البنك المركزى الليبى الصديق الكبير أن ليبيا أودعت مليارَى دولار فى البنك المركزى المصرى وأنها استقطعت من الاستثمارات الليبية فى مصر، ليصب فى هذا الاتجاه. دعونا هنا نتذكر أن استثمارات ليبيا فى مصر تبلغ إجمالاً نحو 10 مليارات دولار. الهدف طبعًا هو دعم الاقتصاد المصرى والموازنة العامة للدولة والاحتياطى النقدى الأجنبى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.