القاعدة القانونية الشهيرة هى أن العقد شريعة المتعاقدين، ولقد أخلّت دار الأوبرا بتعاقدها، لا مع جمهورها ولكن مع مصر، حيث إنها لم تعترف حتى الآن بأن ثورة عظيمة قد مرت على المحروسة فى 25 يناير. هذا هو أول احتفال بالثورة تقيمه الدولة رسميا حيث ذهبت حصيلته لصالح أسر الشهداء ولكن باستثناء ذلك لم يكن فى ما رأيناه أى علاقة بالثورة، بل تستطيع أن تشم فيه روح الثورة المضادة، فهو يقدم أغنيات يفوح منها زمن المخلوع حتى لو لم يُذكر فيها اسمه مباشرة. بدأ الحفل بخطأ هندسى حال دون سماع صوت الفيلم التسجيلى الذى يتناول الثورة، وكان مقعدى فى نهاية الصالة قريبا من غرفة عرض شريط «الدى فى دى» حيث استمعت إلى الموظفة المسؤولة وهى تتساءل بغضب ولا تتلقى إجابة عن سر اختفاء الصوت؟! كان صوت المسؤولة يعلو كلما أوغل الفيلم فى المضى قدما إلى النهاية، وأتصور أن الكل استمع إلى احتجاجها حتى من يجلس فى المقاعد الأمامية، وواكب ذلك استهجان بين الجمهور، ولكن تقول لمين؟ ولأننى حسن النية قلت إن الأمر برمته مجرد سوء حظ وبتحصل فى أحسن الاحتفالات، رغم أننى كنت أستمع إلى جارى فى المقعد وهو يردد أنها ثورة مضادة تقودها دار الأوبرا المصرية، إلا أننى لم أفقد الثقة أبدا فى حسن نيتى. ثم جاء دور باليه «ثورة الشعب»، هذا هو عنوانه، إلا أن ما رأيته على المسرح أكد أنها ثورة المجلس العسكرى لأن الرقص الاستعراضى المصاحب حرص على إظهارها كأنها كذلك ونص. ملحوظة لا أزال احتفظ بحسن النية حتى تلك اللحظة حيث إننى قلت ربما كانت قناعة القائمين على هذا الاستعراض أن الشعب والجيش إيد واحدة وأن المجلس العسكرى هو الذى يحكم البلد وعليهم كجهة حكومية إبراز دوره فى ثورة كانت ثورة شعب أيّدها الجيش لا العكس، وقلت بتحصل فى أحسن الاستعراضات! صدقونى حسن النية لا يزال هو الذى يسيطر، قلت أنتظر حتى أرى ما يأتى من أغنيات.. جمال سلامة كان قبل الثورة هو الذى يستحوذ على القسط الأكبر مما تقدمه دار الأوبرا ولا يزال هو صاحب نصيب الأسد حتى الآن، وهكذا وجدت له أربع أغانٍ قدمها فى مناسبات متعددة فى عهد مبارك: «الله ع المستقبل» و«استيقظى يا أمتى» و«ثورة مصر» و«ادعوا لمصر»، فهل من المنطقى اختصار 50% من أغانينا الوطنية التى قُدمت عبر تاريخها فى جمال سلامة؟ ناهيك بسؤال: أين أغانى ثورة يناير؟ فلقد استمعنا إلى أغنيات أخرى تنتمى إلى زمن عبد الناصر مثل «حق بلادك»، ولم يضبط الإيقاع إلا فى الفقرة الأخيرة مع ريهام عبد الحكيم التى كانت تصاحب عمر خيرت وأعادت تقديم أغنية لطيفة «المصرى»، ثم أنهت الفقرة بأغنية «فيها حاجة حلوة»، هذه الأغنية قُدمت قبل الثورة بعامين إلا أنها كان بها سحر الثورة فاستعادها الجمهور مرتين. وبعد نهاية الحفل قلت: ما علاقة كل ذلك بالثورة؟ وفقدت حسن نيّاتى. هل فكر القائمون على الأوبرا فى الاستعانة بأى من مطربى الثورة: حمزة نمرة ورامى عصام وعزيز الشافعى وأحمد سعد؟ من الواضح أن الأوبرا تنفذ خطة لإرضاء المجلس العسكرى، وهى أن الناس عليها أن تنسى أن شيئا حدث فى 25 يناير، لهذا استبعدوا تماما مطربيها وشعراءها. لماذا لم يفكروا مثلا فى عبد الرحمن يوسف شاعر الثورة؟ ولماذا لم يدعُ أحد علاء عبد الفتاح أو أحمد حرارة أو نوارة نجم أو وائل غنيم وغيرهم لنراهم على المسرح؟ ملامح هؤلاء تشكّل ملامح الثورة! هذا الحفل لم يكن ينقصه سوى أن نرى على المسرح محمد ثروت يغنى «اخترناه اخترناه»، وشعبولا وهو يغنى «إن ماترشحتش انت أنا حانتخب جمال»! هل الأوبرا تعلم أن ثورة عظيمة قد مرت بمصر؟ أم أنهم من المؤكد لم يتم إبلاغهم رسميا بذلك! قدمت الأوبرا المصرية نغمة نشاز فى أول احتفال رسمى، لهذا أنتظر أن أرى احتفال الثورة الحقيقى الأربعاء القادم فى ميدان التحرير!