يحلم بالغناء فى الحرم النبوى، ويرفض أن يتحول فنه إلى سلعة فى سوق الحفلات الغنائية، ويتمنى أن يظل يغنى حتى آخر لحظة فى العمر، تلك هى بعض الأفكار التى تشغل نجم مصر الأسمر محمد منير، التى ترسم ملامح مشواره مع الفن الذى امتد لأكثر من ثلاثين عاما. قبل ساعات من الحفل الذى أحياه أمس الأول «الخميس» فى ساحة الأوبرا وحضره ما يقرب من خمسين ألف مشاهد، كان لنا معه لقاء عن تكريم الأوبرا له، وآرائه فى قضايا الفن، ومشروعاته وأحلامه للسنوات المقبلة. وكانت فكرة الغناء فى الحرم هى أكثر النقاط إثارة فى الحديث، سألناه عن أسباب إعلانه عن حلم الغناء فى الحرم النبوى فأجاب: «عندما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة بعد رحلة الهجرة، استقبله الأنصار فى المدينة بغناء «طلع البدر علينا»، فلماذا يحرمون الغناء اليوم فى نفس المكان؟ كنت قد طرحت فكرة الاحتفال بمولد النبى الكريم فى مهرجان دولى يجتمع فية نجوم الغناء من كل العالم الإسلامى فى المدينةالمنورة على الغناء فى حب رسول الله، والتغنى بمدائحه وخصاله وخلقه ومواقفه، ويكون ذلك فرصة لتقديم صورة حقيقية عن الإسلام ونبيه العظيم». وأضاف: «مثل هذا المهرجان سيكون له أثر كبير فى تصحيح صورة الإسلام أمام العالم، وإزالة آثار الصورة القاتمة التى يقدمها الإعلام الغربى الذى يربط الإسلام فيها بالتنظيمات والجماعات المسلحة التى تتخفى خلف الدين، وبالغناء نقول للعالم إن الإسلام ليس مجرد دين، وإنما هو حضارة إنسانية ومنهج حياة، وإن هدفه إسعاد البشر وليس قهرهم. ومثل هذا المهرجان يمكنه أن يقدم صورة للتسامح، بدلا من صور طالبان والقاعدة وغيرها من الصور التى تصدرت المشهد فى الإعلام العالمى. الشروق: الأدعية التى قدمتها فى رمضان هذا العام هل لها علاقة بهذه الرؤية؟ منير: عندما طرحت فكرة تقديم أدعية لتذاع فى شهر رمضان، جلست مع الشاعر نبيل خلف وتحدثنا بشأن هذا المشروع وكان هناك اتفاق على أن نقدم شيئا مختلفا عن النمط السائد فى مثل هذه الأعمال التى يتم ربطها بشكل مباشر بالدين، ولكننا أردنا أن نجعلها ترتبط أكثر بروح الدين وأخلاقياته، واخترنا أن تتناول كل الأشياء الجميلة التى يجب أن يتحلى بها الإنسان، وكيف يجب أن يتعامل الناس مع بعضهم البعض، لأن الدين فى النهاية سلوك وهو القانون الذى يحكم المعاملة بين البشر، ومن هنا رصدنا مشاعر إنسانية، ونجح الشاعر نبيل خلف فى التعبير عن هذه المشاعر، كذلك وضع لها الفنان وليد سعد صياغة موسيقية بحساسية شديدة، واجتهدنا فى تقديمها بشكل أتمنى أن يكون قد لاقى إعجاب الجمهور فى الشهر الكريم. الشروق: الحفلات التى تقدمها فى رمضان كل عام بالأوبرا أصبحت جزءا من البرنامج السنوى.. فكيف ترى التجربة بعد مرور عشر سنوات؟ منير: ليس لى فضل فى استمرار هذا البرنامج لمدة عشر سنوات، لكن الفضل لهذا الجمهور العظيم الذى اختار أن يقف إلى جوارى طوال سنوات عمرى، يدعمنى ويدفعنى نحو الاستمرار، ومواصلة الإبداع والبحث عن الجديد لأقدمه فى كل لقاء يجمعنى به، وأحب أن أقول هنا إن الأوبرا لم تفرضنى على أحد بهذه الحفلات سواء كانت فى رمضان أو غير رمضان، وإنما الجمهور هو الذى فرضنى على دار الأوبرا. الشروق: وماذا عن تكريمك من الأوبرا قبل الحفل؟ منير: هو شىء جميل طبعا، ولفتة طيبة من الدكتور عبدالمنعم كامل رئيس دار الأوبرا، ولكنى أرى أن التكريم الحقيقى لأى فنان هو تكريم الجمهور له، سواء بهذا الاهتمام الذى يحيطنى به، أو الحرص على حضور حفلاتى، وبسبب هذا التكريم الذى يمنحه لى جمهورى أشعر بمسئولية كبيرة، وأستعد لكل حفل كما لو كان أول حفل لى، وأذكر هنا أجمل لحظات عمرى عندما غنيت أمام مليون و330 ألف شخص تحت سفح الأهرامات. الشروق: كان لك الفضل فى اكتشاف ساحة الأوبرا كموقع لإقامة الحفلات الغنائية، ألا ترى أن هذه الساحة قد ضاقت بجمهورك وعليك البحث عن جديد؟ منير: عندما غنيت لأول مرة فى الأوبرا فى عام 1996، بحثنا عن مكان يمكنه استيعاب الجمهور، لأن المشكلة كانت أن أكبر مسارح الأوبرا سعته ألف مقعد، وفكرنا فى بناء مسرح للحفل يسع أربعة آلاف شخص باستخدام أخشاب مسرح أوبرا عايدة التى كانت مشونة فى الساحة، وبعد سنوات تجاوزنا هذه الأرقام بكثير، ولكنى مازلت حريصا على إقامة حفلات فى قلب القاهرة، وذلك لأننى المطرب الوحيد الذى يقيم حفلات جماهيرية فى القاهرة، بينما هجر كل المطربين إلى الساحل الشمالى مع انطلاق مشروعات الحفلات التجارية. وغياب الساحات التى تستقبل الحفلات والمهرجانات الغنائية يجعلنى أتساءل: هل يقف دور الشباب والرياضة عند حد تقديم 11 لاعبا للمنتخب القومى؟.. وهل يعقل أن ننفق كل هذه الملايين على 11 لاعبا ونسقط من حساباتنا إيجاد متنفس للشباب يتيح له الاستمتاع بالموسيقى والغناء والتعبير عن نفسه ومواهبه؟.. وهل لا تصلح ملاعب كرة القدم والاستادات لاستقبال الحفلات الجماهيرية؟. الشروق: رغم أنك صاحب رأى خاص فى الحفلات التجارية، إلا أنك قدمت حفلا فى الساحل الشمالى هذا العام فما السبب؟ منير: أنا أرفض أن أتحول إلى سلعة للبيع فى الحفلات التجارية، ولا يسعدنى أن أجد صورى على أفيشات الدعاية العملاقة لتروج لحفلاتى، أو السقوط فى مستنقع الأخبار المفبركة وغيرها من أساليب دفع حركة بيع التذاكر، وأنا قدمت حفل الساحل الشمالى بنفس المنطق الذى أقيم به حفلات الأوبرا وأى مكان آخر، وأذكر هنا أننى المطرب الوحيد الذى قدم حفلات جماهيرية فى معظم أقاليم مصر. الشروق: ترددت أخبار فى بعض المنتديات عن تفكيرك فى الاعتزال؟ منير: أنا مريض بالغناء، ولا أتصور أننى أعيش دون أن أغنى، وأتمنى أن يكون لدى القدرة على التواصل مع الناس عبر أغنياتى بعد خمسين عاما، ولهذا أقول إن الاعتزال فكرة غير واردة فى قاموس محمد منير. الشروق: وماذا عن أحلامك للخمسين سنة المقبلة؟ منير: نفسى أقوم برحلة على مركب فى النيل، من أمام السد العالى إلى كل أقاليم مصر، وتكون لها محطات فى المدن والقرى حيث نشارك الفنانين الشعبيين فيها الغناء بحفلات تنقلها وسائل الإعلام للعالم كله، بحيث نعرف الناس بتراثنا العظيم، فهذه الرحلة ستوثق تاريخ مصر بالغناء. الشروق: لكن مازال عندك مشروع لإقامة سلسلة حفلات على مسرح الأوبرا الكبير؟ منير: بالفعل كان هناك اتفاق مع الدكتور عبدالمنعم كامل رئيس الأوبرا على تقديم تجربة فنية أراها مشروعا فريدا من نوعه اسمه «الوطن والإنسان والحب»، حيث سنقيم ثلاثة حفلات فى ثلاثة أيام متتالية على المسرح الكبير، تتناول كل منها موضوعا من موضوعات هذا العنوان، فالحفل الأول سيقام تحت عنوان الإنسان ونقدم فيه الأعمال التى تعبر عن معنى كلمة الوطن، وفى الحفل الثانى نتناول الأغانى التى تتضمن حالة تعبر عن الإنسان والإنسانية، وفى اليوم الثالث نغنى للحياة بكل ما فيها، وسنستخدم فى العروض الثلاثة الآلات الموسيقية التقليدية، ونستغنى عن الآلات الكهربائية والإلكترونية، والاعتماد فقط على الدفوف والكمنجات والناى والعود والربابة وغيرها