لا أحب وصف «رجل الأعمال» الذى أصبح يطلق على كل من هب ودب، يجب التفرقة بين رجال الصناعة والبنائين المحترمين الذين يعملون فى ظروف صعبة ويستمرون فى خلق فرص عمل شريف وفتح بيوت وتحقيق تقدم حقيقى للبلاد. يجب التفرقة بين هؤلاء والسماسرة وناهبى أراضى الدولة، الذين بذلوا كل جهدهم -على مدى سنوات- لضرب الصناعة الوطنية وتعطيل كل الجهود المطلوبة لتطويرها. أتوقف اليوم أمام بعض الأخبار التى قد تتوه فى زحمة الأزمات التى نواجهها. الوجه الإيجابى الذى يجمع بين هذه الأخبار هو أننا ندرك أن الصناعة الوطنية هى مفتاح التقدم. وهو أمر فارق ونحن نخطط لمستقبلنا ونرسم طريقنا الاقتصادى. ** الخبر الأول عن مشروع قانون جديد لحماية المنتج المصرى، قال الوزير منير فخرى عبد النور، إن مجلس الوزراء سيبحثه فى اجتماعه القادم. المشروع الجديد يعطى الأولوية للمنتج المصرى المطابق للمواصفات فى عقود مشتريات الحكومة. كنا قد سمعنا تصريحات عديدة حول هذا الموضوع آخرها لرئيس الحكومة المهندس محلب، ولكن لم يكن إلزامًا للجهات الحكومية بإعطاء الأولوية للإنتاج المصرى، وكان التلاعب لصالح المستورد.. لأسباب نعرفها جميعا (!!) أو لفساد ما زال يسرح ويمرح بعد ثورتين، وبعد تضحيات جسيمة، ورغم كل الدعوات لاستيقاظ الضمير الوطنى. القانون الجديد سيجعل الأمر إلزاميا، وسيكون أهم عوامل مساندة الصناعة، وخلق فرص العمل، وجذب المزيد من الاستثمارات، وزيادة القدرة على المنافسة واستعادة البريق لشعار «صنع فى مصر» الذى ينبغى أن يبدأ بتعليم أطفالنا كيف يفخرون بما ينتجه آباؤهم، وكيف يعتزون بما تصنعه بلادهم. ** الخبر الثانى عن قرار المهندس محلب باستثناء مدينة المحلة من عملية تخفيف أحمال الكهرباء، حرصًا على استمرار الإنتاج فى هذه المدينة الصناعية الكبيرة. أتمنى أن يمتد القرار لكل المدن الصناعية، أو إلى الأحياء الصناعية فى المدن الكبيرة. إن تعطيل العمل بورشة صغيرة يعنى إغلاق أبواب الرزق أمام عائلات بأكملها. وعندما نكون فى أزمة مثل تلك التى نجتازها الآن، فينبغى أن تكون الأولوية لمصادر الإنتاج فى كل شىء وليس فى الكهرباء فقط. المياه للزراعة والصناعة والشرب قبل أن تكون لملاعب الجولف!! والموارد لتوفير رغيف الخبز قبل الكماليات!! واستيراد مستلزمات الإنتاج قبل استيراد مستحضرات التجميل!! ** خبر ثالث.. بل أخبار عديدة تتعلق بتطور العلاقات مع روسيا عقب زيارة الرئىس السيسى. التعاون يسير بخطوات واسعة فى المجالات كافة. والمحادثات ستبدأ قريبًا حول اتفاق التجارة الحرة بين مصر من جانب وروسيا وشركائها فى الاتحاد الجمركى الأوروآسيوى (كازاخستان وروسيا البيضاء). ربما يكون التركيز فى البداية على تلبية احتياجات روسيا من المنتجات الزراعية والغذائية بعد الحظر الذى فرضته أمريكا وأوروبا بسبب النزاع فى أوكرانيا، وفى المقابل تأمين احتياجاتنا من القمح الروسى، لكن الفرصة -بجانب ذلك- متاحة بلا حدود للتعاون الصناعى فى كل المجالات. وتجربتنا مع «الاتحاد السوفييتى» السابق فى الستينيات من القرن الماضى، وتجربة دول مثل الهند والصين وإيران مع روسيا اليوم هى أمثلة ناجحة على التعاون الجاد والمفيد لكل الأطراف فى صناعات مهمة مدنية وعسكرية، وأيضًا فى مجال الطاقة النووية السلمية. ولا أريد أن أقارن بين ما بنيناه من قلاع صناعية فى فترة التعاون مع موسكو، وما أهدرناه من فرص على مدى أربعين عامًا، بعد ذلك كان الهدف خلالها هو خنق الصناعة الوطنية المصرية، وبناء اقتصاد السمسرة والتوكيلات، لكن فقط علينا أن نتذكر أنه عندما يكون القرار المصرى مستقلا، فإن كل ما نصنعه فى ظل هذا الاستقلال يكون فخرًا لنا، ويكون خطوة فى بناء المستقبل الذى تستحقه مصر، والذى لن تبنيه إلا سواعد أبنائها!!