طيبة التكنولوجية تُشارك في ورشة عمل لتعزيز قدرات وحدات مناهضة العنف ضد المرأة    «التنسيقية».. مصنع السياسة الوطنية    أسعار الريال السعودي في ختام تعاملات البنوك المصرية الجمعة 14 يونيو    مواعيد صلاة عيد الأضحى 2024 بمدن الوادى الجديد    «العمل»: تسليم شهادات تأهيل 40 متدربا على سوق العمل بالإسكندرية    العاهل الأردني يتوجه إلى إيطاليا للمشاركة في قمة مجموعة السبع    حزب الله يطلق عشرات الصواريخ على إسرائيل    جيش السودان: مقتل أحد قادة "الدعم السريع" في معركة "الفاشر"    سامسون يرحل عن الزمالك ويقرر شكوى النادي    وكيل أوقاف الغربية: 443 ساحة لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك    أول صورة للضحية.. حبس المتهمة بقتل ابن زوجها في القناطر الخيرية    فرقة الإسماعيلية للآلات الشعبية تتألق بمركز شباب الشيخ زايد    أبرزهم السقا.. نجوم ظهروا ضيوف شرف في أفلام عيد الأضحى    برامج وحفلات وأفلام ومسرحيات.. خريطة سهرات عيد الأضحى على «الفضائيات» (تقرير)    هل صيغة التكبيرات المشهورة عند المصريين بدعة؟.. المفتي يحسم الجدل    السعودية تستقبل ألف حاج من ذوي الجرحى والمصابين في غزة    لبنان يدين الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب البلاد    علي صبحي يكشف كواليس تحضيره لشخصية الكردي ب«ولاد رزق 3» (فيديو)    الحصاد الأسبوعي لأنشطة التنمية المحلية    عالم أزهري يوضح كيفية اغتنام يوم عرفة    حج 2024| النقل السعودية تطلق مبادرة «انسياب» لقياس حركة مرور حافلات الحجاج    رسميا.. كريستال بالاس يضم المغربي شادي رياض    تردد قناة الحج السعودية 2024.. بث مباشر للمناسك لمعايشة الأجواء    "ليس الأهلي".. حفيظ دراجي يكشف مفاجأة في مصير زين الدين بلعيد    الأمين العام لحلف الناتو: توصلنا لخطة كاملة لدعم أوكرانيا تمهيدا لقرارات أخرى سيتم اتخاذها في قمة واشنطن    القاهرة الإخبارية: مستشفيات غزة تعانى نقصًا حادًا فى وحدات الدم    طرق مختلفة للاستمتاع بعيد الأضحى.. «أفكار مميزة للاحتفال مع أطفالك»    تضامن الدقهلية: ندوة تثقيفية ومسرح تفاعلي ضمن فعاليات اليوم الوطني لمناهضة الختان    بجمال وسحر شواطئها.. مطروح تستعد لاستقبال ضيوفها في عيد الأضحى    "الأوقاف": إمام مسجد السيدة زينب خطيبا لعيد الأضحى    هل صيام يوم عرفة يكفر ذنوب عامين؟.. توضح مهم من مفتي الجمهورية    الصحة: تقديم خدمة نقل الدم لمرضى الهيموفيليا والثلاسيميا في 14 وحدة علاجية بالمحافظات    أكلة العيد.. طريقة تحضير فتة لحمة الموزة بالخل والثوم    «التعاون الدولي» تصدر تقريرًا حول استراتيجية دعم التعاون الإنمائي بين بلدان الجنوب    «الإسكان»: إجراء التجارب النهائية لتشغيل محطة الرميلة 4 شرق مطروح لتحلية المياه    الفرق يتجاوز 30 دقيقة.. تعرف على موعد صلاة عيد الأضحى في محافظات مصر    إزالة مخالفات بناء بمدن 6 أكتوبر والشروق والشيخ زايد وبني سويف الجديدة|تفاصيل    وزير الري يوجه برفع درجة الاستعداد وتفعيل غرف الطوارئ بالمحافظات خلال العيد    مقام سيدنا إبراهيم والحجر الأسود في الفيلم الوثائقي «أيام الله الحج»    65% من الشواطئ جاهزة.. الإسكندرية تضع اللمسات النهائية لاستقبال عيد الأضحى المبارك    لجنة الاستثمار بغرفة القاهرة تعقد أولي اجتماعاتها لمناقشة خطة العمل    «هيئة الدواء»: 4 خدمات إلكترونية للإبلاغ عن نواقص الأدوية والمخالفات الصيدلية    فحص 694 مواطنا في قافلة متكاملة بجامعة المنوفية    نصائح للحفاظ على وزنك في عيد الأضحى.. احرص عليها    القبض على 8 أشخاص فى أمريكا على علاقة بداعش يثير مخاوف تجدد الهجمات الإرهابية    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الكبير بالمحلة    إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق فى الهرم    ماس كهربائي كلمة السر في اشتعال حريق بغية حمام في أوسيم    مصطفى فتحي يكشف حقيقة بكاءه في مباراة بيراميدز وسموحة    الجيش الأمريكى يعلن تدمير قاربى دورية وزورق مسير تابعة للحوثيين    تشكيل الاهلي أمام فاركو في الدوري المصري    حاتم صلاح: فكرة عصابة الماكس جذبتني منذ اللحظة الأولى    يورو 2024| عواجيز بطولة الأمم الأوروبية.. «بيبي» 41 عامًا ينفرد بالصدارة    محافظ شمال سيناء يعتمد درجات تنسيق القبول بالثانوي العام    إنبي: العروض الخارجية تحدد موقفنا من انتقال محمد حمدي للأهلي أو الزمالك    فرج عامر: واثقون في أحمد سامي.. وهذا سبب استبعاد أجايي أمام بيراميدز    حظك اليوم وتوقعات برجك 14 يونيو 2024.. «تحذير للأسد ونصائح مهمّة للحمل»    كتل هوائية ساخنة تضرب البلاد.. بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم الجمعة (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحمن الأبنودي ل «التحرير»: مبارك مازال يحكم.. ولا يجب الفصل بينه وبين المجلس العسكري (2)
نشر في التحرير يوم 18 - 01 - 2012


حوار: محمد توفيق
الخال عبد الرحمن الأبنودى كان واضحا، ولم يترك الباب مواربا. فقد بشرت كلماته بالثورة حين قال «وفجأة هبطت على الميدان من كل جهات المدن الخرسا ألوف شبان»، وواكبتها حين كتب «آن الأوان ترحلى يا دولة العواجيز»، وكانت ملهمة للثوار عندما أعلن «لسه النظام مسقطش»، وقد تحققت نبوءته بالفعل. فى الحلقة الثانية يستكمل خالنا الكبير وشاعرنا العظيم حديثه الكاشف لما يدور فى الكواليس وما يجرى على أرض الواقع.. وإلى نص الحوار..
■ هل ترى أن أداء المجلس العسكرى هو السبب فى وجود الثورة المضادة؟
- لا يجب الفصل بين المجلس العسكرى والسلطة الموجودة فعليا، وهى سلطة مبارك، فهذا الفصل مخل، فهما شىء واحد، فالموظف الذى ما زال يعوّق أوراقك، والرأسمالى الخبيث المستولى على الأراضى والمصانع، وكل من زين الباطل لسلطته، كل هؤلاء ما زالوا يحكمون، والمجلس العسكرى من ضمن السلطة السابقة، فلماذا مثلا لم يتغير من قيادات الداخلية أحد؟ ولماذا نركز النظر على المجلس العسكرى بينما هم يتبادلون الأدوار، وكل المؤامرات التى تحاك من تجمعات فى العباسية؟ وكل تلك الأفعال الفجة والمكشوفة وكل من يقف وراءها هو معادٍ للثورة، يطلع مجلس عسكرى أو داخلية أو حتى بلطجية، ولكن هذا يتم بفعل فاعل، «مافيش حاجة بتحصل لوحدها يا ابن عمى»، فالناس مثلا مش هتوقف مصالحها عشان تقف فى العباسية، والفاعل معلوم، فليس هناك لهو خفى أو طرف ثالث، هناك طرفان فقط الأول والثانى، «شوف الأول فين وشوف التانى فين، وادى الخط ما بين الاتنين بيفوت».
■ هل ترى أن الثورة لم تحقق أى نتيجة حقيقية على أرض الواقع؟
- وهل حققنا أى شىء غير بعض الأغانى زى «نزلت وقلت انا مش راجع» وخلاص كده، أين الحدث؟ ماذا تغير فى مصر، وأنا أتذكر مقولة عم عبد الناصر جارى الفلاح اللى راح انتخب عشان الغرامة 500 جنيه وهو لا يوجد فى واقعه أى 500 جنيه على الإطلاق، ولما قلتله انتخب عشان الثورة، فقال لى: «أنا اسمى عبد الناصر.. الثورة هتسمينى حسنين»، ثم قال لى: «يوم ما يزيد اللى بيدخلى قدحين غلة فى السنة يبقى إنتو عملتو ثورة».
■ عدد كبير من شباب الثورة تمت إحالتهم إلى النيابة العامة والعسكرية لاستجوابهم فى بعض القضايا.. فكيف ترى هذه الاستدعاءات فى هذا التوقيت؟
- هذا طبيعى، وسوف يظل ذلك الأمر مستمرا، فهل الثوار هم من صنعوا أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو؟ بالطبع لا، وهذا يدل على أن الطرف الثانى «حين يصبح طرفا ثالثا» هو من يفعل كل ذلك، فالطرف الثانى يقوم بدور واحد ما دامت الأمور هادئة، وبمجرد أن يحتدم الأمر يصبح الطرف الثانى ثالثا، ثم ينكر بعد كل حدث أنه يعلم شيئا عن الطرف الثالث، وأنه يبحث عنه قبل أن يعود ليرتدى قناع الطرف الثانى، فهى حالة شيزوفرينيا عجيبة.
■ كتبت أغنية «عدى النهار» قبل النكسة بعامين، وبعد الثورة كتبت «لسه النظام مسقطش».. كيف تفسر ذلك؟
- لو أنى لست صادقا فى محبة الوطن ومعاناتى من أجله، لا يعطينى الوطن نفسه فى قصائدى بأى حال من الأحوال، ومش من المهم أكون موجودا فى ميدان التحرير كى أكتب عن الثوار، وعن الذى يحدث الآن حولنا وسلوكيات المجلس العسكرى والداخلية وأصحاب اللحى وأصحاب المصالح وكل يشد الوطن ناحيته، إلا نحن الذين نرقص داخل الحلبة التى يحيط بها كل من يحمل حربته ويرقص حولنا، ولكن نحن نتجاهل هذا ونمارس رقصتنا العظيمة، كل هذا يجعلنى أقرأ للأمام وأحزن وأفرح وأنقبض ويصبح الحلم عسيرا وأكتبه وأحيانا يتساءل البعض: لماذا كتبت هذا الكلام فى ظرف معين؟ وإذ به يغطى فترة كاملة فى المستقبل، وأنا أحب أقول للشباب إن كل الأجزاء التى يقتطعونها وهم يعتقدون أننى موجهها إلى المجلس العسكرى أو إلى الشرطة وغيره، أنا كتبتها موجهة إلى نفس السلطة، لكن فى فترة سابقة، ومن الممكن أن ترى الشيخ عماد كما فى القصيدة -الأحزان العادية- وأنا ميت والشيخ الذى يقول لى إذا جاءك ملكان والضابط الذى يخرج من القبر ويقبض على الجثة ويطلب الأوراق ويمسح الأكفان، كل هذه الحالات لا تتطلب سوى لحظات صدق مع الوطن، ودائما أقول إن جدار السجن عندما تركن ظهرك عليه، كل ما تعرف قدرك الحقيقى وقدر صلابتك وقدر التصاقك بموضوعك قدر الكذب والصدق فى وعيك، فالشجاعة ليست صفة بيولوجية، فالشجاعة مكتسبات وعى وسلوك، فنحن تربينا على سلوكيات ليست سليمة، فأبى الشيخ الأبنودى كان بيضرب ويقهر وكان يجبرنى على الإتيان بسلوكيات أرفضها تماما وكان ممكنا أن أعتاد القهر وأصبح الفتى المطيع، ولكن هذا التمرد منذ البداية دفعت ثمنه غاليا هناك ودفعت ثمنه حين قدمت إلى القاهرة، وفى جيبى ثلاثة جنيهات وهى مغامرة مميتة إلى آخر الرحلة، فموال «عدى النهار» مثلا كتبته قبل النكسة بعامين كاملين، متوقعا أن حال البلد حينها لا يؤدى إلى مرسى صحيح إنما يؤدى إلى كارثة، والتنبؤ فى الشعر يختلف عن التنبؤ كرجل سياسى، فلحظة الشعر هى لحظة صفاء خالص على عكس رجال السياسة الذين قد يصيبون وقد يخطئون.
■ دائما يا خال تردد كلمة «فى حجرى» عند سؤالك عن قصيدة جديدة أو أعمال قادمة.. فما السبب فى ذلك؟
- لأنى لست من الشعراء الذين يقررون كتابة قصيدة جديدة، فلا أكتب قصيدة إلا عندما يغمرنى إحساس رهيب فى لحظة معينة، فأذهب إلى مكتبى لتسجيلها، فلست سوى «قنطرة» تعبر عليها القصيدة من ضمير الوطن إلى الناس، ولذلك لا تجدنى أتفاخر ولا أتباهى وعارف وضعى وقدرى وأحافظ طوال حياتى على هذه العلاقة النقية بينى وبين الشعر، وهناك من الشعراء من هجرهم الشعر بالربع قرن، أما أنا لو هجرنى الشعر سنتين وأنا فى السن دى أموت، فأنا عايش لأسترد محبة الناس وثقتهم وتعاملهم معى بصفتى عبد الرحمن الأبنودى الشاعر، لا لخفة دمى مثلا ولكن عشان القصيدة، فالقصيدة هى التى ترسم ملامحى وهى التى تعطينى قيمتى، فأنا لو مرت فترة دون قصيدة أموت فيها، ولذلك لا أحب أن أهاجم الناس أو أكتب تفاهات وأحمد ربنا إنى قادر على مواكبة الفترة وحب الناس.
■ كيف ترى مجلس الشعب القادم؟ وهل سيكون معبرا عن الشعب فعلا؟
- هذا ليس مجلس شعب، هذا مجلس الاتجاهات الدينية من الإخوان والسلفيين وقليل من الثوار وقليل من الفلول، وهذا لا ينفى أنه معبر عن الشعب الذى اختارهم، ولكن هل ستتقدم مصر بسبب مجلس الشعب أو أننا سنصبح ضمن الدول الكبرى؟ إن اقتصادنا سيتعافى مثلا، بالطبع لا، فعمر التجار والرأسماليين ما نظروا إلى مصر إلا بقدر استفادتهم، وبالنسبة إلى الإخوان فهم من دعائم الرأسمالية الآن فى مصر، فهذا ليس مجلس الشعب الذى جاءت به الثورة، بل جاءت به ظروف موضوعية موجودة فى مصر، وهذه الظروف قد تتغير غدا أو بعد غد.
■ وهل أنت متفائل بهذا الغد أم متشائم؟
- طول عمرى متفائل فى عز الظلمات، لكن أنا مثلا غير متفائل بعام 2012، المستقبل القريب أنا أراه رهيبا، لكن المستقبل البعيد فالمجد للشعوب، ولا بد للناس أن تنتصر، وهذه بلاد العمال والفلاحين والفقراء، وسوف يأخذون المكانة التى يستحقونها، ولكن السؤال: هل سيكون لدينا تعليم وصحة جيدين؟ أنا أظن أننا مفتقدينه.
■ ما تحليلك لحالة الإحباط التى أصابت المصريين بعد الثورة؟
- المصريون أناس طيبون اعتقدوا أن هذه الثورة سوف تفتح أبواب الجنة، ففتحت أبواب جهنم، وهى أجواء اعتادتها كل الثورات، ولكن غير المثقفين وذوى الفطرة لم يكونوا يتوقعون أن تلعب الداخلية هذه اللعبة مع البلطجية، وكذلك لم يكونوا يتخيلون أن المجلس العسكرى الذى جاء لحماية الثورة سوف يقف هذا الموقف من الثوار، واعتقدوا أنه من تانى أيام الثورة سوف تقل أسعار السلع ويعيشون فى حياة رغدة بمجرد التخلص من مبارك وحاشيته، ولم يحدث هذا «لإنه لسه النظام مسقطش» وأن هؤلاء المستفيدين من النظام السابق ما زالوا مستفيدين حتى الآن، والمتضررون من النظام السابق ما زالوا متضررين حتى الآن.
■ قصائدك الثورية العظيمة جعلت البعض ينتقد موقفك من النظام السابق؟
- أنا منذ أن بدأت فى 56 أول قصائدى حتى الآن، لم أخن شعبى ولم أنافق السلطات على حساب الناس، ولم أمتدح حاكما سوى عبد الناصر، وكان ذلك منذ عامين فقط، بعد أن رحل وشبع رحيلا وبعد أن تقلب أمام أعيننا الرؤساء، فكان حقا علىّ أن أعطى للرجل الشريف الزعيم العظيم الذى حاول أن يبنى مصر وأن يقف بها فى قلب العالم أن يأخذ حقه، بغض النظر عن الأمور الشخصية، مثل أنى اعتقلت أو سجنت فى عهده، فنحن نعلم أن زمن عبد الناصر كان زمنا بلا ديمقراطية، وأحيانا حين أفكر ولا أبوح بهذا، وأقول كان من الممكن لثورة يوليو أن تصبح ثورة 25 يناير ويلقفها الناس الثوريون، وأن يضعها فى جيبه من هو ضد الثوار، وكان لا بد لعبد الناصر كى يحمى الثورة ويحقق بها مشروعه الثورى أن يتبع كل تلك الفئات بالطريقة القسرية التى حدثت، وقد يتهمنى البعض بأننى أبرر للجبابرة وأسود الظلم فى المجتمع، ولكنك ترى فى تجربة يناير كيف أنها سقطت فى جيوب من لم يصنعوها.
■ ألا ترى أن ما تقوله يسىء البعض استخدامه؟
- أرجو أن لا يتهمنى البعض أننى ضد الديمقراطية حين أقول إنه أحيانا يجب عليك أن تتخذ إجراءات قاسية ورادعة، حفاظا على مشروعك، فعبد الناصر بالمقارنة بكل هؤلاء هو الرجل الشريف الذى لو ضبطوا أنه سرق عشرة جنيهات لكانوا مزقوه تمزيقا، بينما ترى كيف يعامل اللصوص بأناقة وجمال، فأنا بينى وبين أى سلطة تأتى الوطن، ولذلك لا يوجد رئيس لم يخطب ودى، فعبد الناصر بعد أن استمع إلى قصيدة «عبد المنعم رياض» أمر بأنى أراعى، ولم يستطيعوا أن يقولوا له إننى غادرت المعتقل منذ شهرين فقط. والسادات معروف ماذا كان يريد أن يقدم لى فى نظير أن أصبح شاعر الملك. وأشار لى كثيرا من أن صلاح جاهين ده بتاع عبد الناصر، مما معناه لتكن أنت شاعرى. وحسنى مبارك ونظامه كانوا دائما هم الذين يمدون الحبال لى، وحين أمرض كان مبارك يهاتفنى أكثر من مرة وأنا مريض. وزكريا عزمى وأحيانا يرسل الناس لزيارتى، وأول سفرية لأمريكا كانت على حساب الدولة، وما بعد حين ذهبت إلى المستشفى الأمريكى فى فرنسا كان على حساب أحد أصدقائى الشعراء السعوديين، وهو الأمير عبد الرحمن بن مساعد، وهو شاعر عظيم وأحب شعره جدا وعلاقتنا علاقة شعر وليست علاقة إمارة، وأرسل طائرته الخاصة ونقلنى فى الحال، وهناك هاتفنى حسنى مبارك وزكريا عزمى ووزير الصحة الأسبق. وزارة الصحة استولت على الأموال التى كنت أضعها فى أمانات المستشفى، وتدخل فاروق حسنى لدى وزير الصحة كى يرد عليا مالى، كان رده -وزير الصحة- أن الفلوس دخلت فى الحسابات وأننى من الممكن أن أحصل على أدوية بهذا المبلغ، وكان 24 ألف يورو، وهكذا ذهب المال، فالدولة نصبت عليّا بينما يعتقد الناس فى الشارع أننى عولجت على حساب الدولة، وأنا أعالج الآن على حسابى فى المركز الطبى العالمى طوال هذه المدة، ولست الطفل المدلل للدولة كما يحب البعض أن يشى، ولست أنا المثقف الذى يذهب ليلعق حذاء السلطة، فدائما السلطة هى التى كانت تطلب رضائى وتطلب يدى، ودائما ما كنت منتميًا إلى الناس بصورة واضحة، وها هو ذا إنتاجى أمام الناس جميعا، حتى أحيانا إنهم يقولون ولكنه كان يصنع أوبريتات، نعم كنت أكتب الأوبريتات لأننى أمضيت ثلاث سنوات ونصف السنة فى حرب الاستنزاف للجنود الذين عاشوا سبع سنوات فى التراب وفى الجحور، وكتبت أوبريتاتى تمجيدا لهم ولعبد العاطى وزملائه، ولم أكتبها لحاكم ولم أتزلف بها لأحد.
■ ما أكثر شىء يدعوك للقلق خلال الفترة الحالية؟
- هو قلق مشروع، وهو مثل القلق الموجود لدى الجميع، قلق الناس فى القرى، وقلق الفلاحين على لقمة عيشهم، وقلقى من التصريحات الغبية الصادرة عن السلفيين، والتمسك القشرى بالدين ومن يريدون أن يرتدّوا بمصر إلى الظلمات الساحقة، وأحب أن أوضح أن أوروبا لم تعرف التقدم إلا بعد أن تخطت العصور الوسطى وهشمت سطوة الكنيسة وتسلطها على قوانين الحياة وحركة تقدم البشر باسم الحلال والحرام، فعرفت الآلة والكهرباء، أما نحن المتقدمين المتحضرين فلم نمر بالعصور الوسطى، فقررنا أن نبدأ الرحلة من أولها مرة أخرى، وأن نبدأ بالعصور الوسطى أولا، ثم ننتهى إلى ما انتهت إليه أوروبا.
■ هل تتوقع صداما بين الإخوان والسلفيين فى مجلس الشعب؟
- صدامات الأحباء.. لا أعتقد وجود صدام قوى، فالعداء الصادر من صبحى صالح واتهاماته لبعض المفكرين بالكفر والإلحاد، يتساوى مع عتاة السلفيين، فالفروق ليست كبيرة، ولكن الدور الذى يقوم به الدكتور أحمد الطيب بوثيقته الأولى ووثيقته الآن، والتى نحلم بأن تتسلل إلى الدستور، هو دور شديد التقدم والوعى والخوف على الدين الإسلامى بقدر خوفه على مصر، وهذه هى المسؤولية عند الرجال العظام الذين لا يبتغون سوى وجه الله، وأنا أشعر أن الشيخ أحمد الطيب تربى معى فى نفس المدرسة الفكرية، وهذا الرجل لا يتهم من يفكرون بأنهم ملحدون وكفرة وعلمانيون بالمعنى المسىء إلى العلم، وأنا طبعا إذا خُيّرت بين العلم والدجل والشعوذة و«الدهولة» سوف أختار العلم، مهما كان الثمن الذى من الممكن أن أدفعه.
■ ما نصيحتك لمن يدير شؤون البلاد؟
- يخطئ الحاكم الذى يعتقد أنه يفهم الشعب المصرى، فالشعب المصرى أول من اخترع القناع فى الدنيا، ودائما أضرب المثل بالفلاح الجعان إذا مر عليك وعزمته على الأكل يقول لك مش قادر أبلع لقمة واحدة، وهو يقتله الجوع، فهذا شعب حمى نفسه من كل الاحتلالات والإبادات التى مرت به، فتحصن ضد الأفندية، وأنا أول ما حضرت إلى سكنى الجديد كنت أجلس مع بعض الفلاحين، فلا يتكلمون وأتحدث أنا فقط، أما الآن فهم يتكلمون وأنا أسمعهم لكن الارتداد العجيب للناس -من وجهة نظر الثوار- سببه أنهم شعروا أن الموضوع ليس باليسير فانسحبوا وتركوك أنت فى الميدان، وهم يعلمون ماذا يحدث، لذلك مسؤوليتنا كثوار تجاه الفلاح والعامل بعد الثورة، أن نجذبه إليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.