رئيس جامعة المنيا يشهد حفل ختام الأنشطة الطلابية لكلية التربية الرياضية    غدا.. نقابة الأطباء البيطريين تحتفل بيوم الطبيب بدار الأوبرا المصرية    ماذا قالت إسبانيا بعد قرار إسرائيل تجاه قنصليتها في القدس المحتلة؟    القاهرة الإخبارية: خسائر قطاع غزة تقارب 33 مليار دولار وتهدم 87 ألف وحدة سكنية    وزير الدفاع اللبناني: الدفاع عن الأرض سيبقى خيار الدولة اللبنانية    بوليتيكو: معظم دول الاتحاد الأوروبي لن تقدم على المساس بأصول روسيا المجمدة    الشناوي يثير الجدل قبل نهائي أفريقيا: معندناش مشاكل والصحافة المصرية تصنعها    نجم مانشستر يونايتد يعلن موقفه النهائي من الانتقال إلى السعودية    لاعب ليفربول السابق: صلاح قادر على تكرار إنجاز رونالدو    قرار عاجل من جوميز قبل مواجهة الاتحاد السكندري في الدوري    طلاب الدبلومات الفنية يؤدون امتحاني اللغة العربية والتربية الدينية غدا بدمياط    شقيقة فتاة التجمع: النيابة أحالت القضية لمحكمة الجنايات.. والقرار دليل على إدانة السائق    هل انتهت الموجة الحارة؟.. مفاجآت سارة من الأرصاد للمصريين    الجمعة أم السبت.. متى وقفة عيد الأضحى 2024 وأول أيام العيد الكبير؟    الفيلم المصرى رفعت عيني للسما يحصل على جائزة أفضل فيلم تسجيلي بمهرجان كان بدورته 77    أبرز رسائل التهنئة بعيد الأضحى 2024    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    هيئة الرعاية الصحية تشارك في مبادرة الاتحاد الأوروبي بشأن الأمن الصحي    الأهلى يكشف حقيقة حضور إنفانتينو نهائى أفريقيا أمام الترجى بالقاهرة    مجلس الشيوخ يناقش أموال الوقف ونقص الأئمة والخطباء ومقيمي الشعائر.. الأحد    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    التموين تستعد لعيد الأضحى بضخ كميات من اللحوم والضأن بتخفيضات 30%    مصرع وإصابة 3 أشخاص في الشرقية    بوليتيكو: واشنطن تدرس القيام بدور بارز في غزة بعد الحرب    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    وفاة شقيقة الفنانة لبنى عبد العزيز وتشييع جثمانها اليوم    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    بطولة عمرو يوسف.. فيلم شقو يقفز بإيراداته إلى 72.7 مليون جنيه    هل تراجعت جماهيرية غادة عبدالرازق في شباك تذاكر السينما؟.. شباك التذاكر يجيب    رئيس جامعة المنيا يشهد حفل ختام أنشطة كلية التربية الرياضية    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    قافلة الواعظات بالقليوبية: ديننا الحنيف قائم على التيسير ورفع الحرج    بالفيديو.. متصل: حلفت بالله كذبا للنجاة من مصيبة؟.. وأمين الفتوى يرد    3 وزراء يجتمعون لاستعراض استراتيجيات التوسع في شمول العمالة غير المنتظمة    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    الجيش الأمريكي يعتزم إجراء جزء من تدريبات واسعة النطاق في اليابان لأول مرة    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن منطقة هضبة الأهرام مساء اليوم    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    تعشق البطيخ؟- احذر تناوله في هذا الوقت    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    تعرف على مباريات اليوم في أمم إفريقيا للساق الواحدة بالقاهرة    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق سيوة - مطروح    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    انطلاق امتحانات الدبلومات الفنية غدا.. وكيل تعليم الوادى الجديد يوجه بتوفير أجواء مناسبة للطلاب    أخبار الأهلي : دفعة ثلاثية لكولر قبل مواجهة الترجي بالنهائي الأفريقي    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لخدمة أهالي قريتي الظافر وأبو ميلاد    الصحة العالمية: شركات التبغ تستهدف جيلا جديدا بهذه الحيل    «العدل الدولية» تحاصر الاحتلال الإسرائيلي اليوم.. 3 سيناريوهات متوقعة    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    مقتل مُدرس على يد زوج إحدى طالباته بالمنوفية    إصابة 5 أشخاص إثر حادث اصطدام سيارة بسور محطة مترو فيصل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحمن الأبنودى ل«التحرير »: ما فعلناه كان «بروفة» لكن الثورة الحقيقية ستأتى بعد ثمانى سنوات
نشر في التحرير يوم 17 - 01 - 2012


حوار: محمد توفيق
هو استثناء لن تجد له قاعدة، فهو يجمع بين الفن والفلسفة، بين غاية التعقيد وقمة البساطة، بين ذكاء الفلاح وشهامة الصعيدى، بين قدر العظماء وطيبة البسطاء، فهو السهل الممتنع الذى ظن البعض -وبعض الظن إثم- أن تقليده سهل، وتكراره ممكن، لذلك تعرض للظلم كثيرا، رغم أنه كان واحدا ممن نقلوا الشعر من جلسات المثقفين إلى الميادين، ومن حوارات النخبة إلى أحاديث الملايين.. إنه الخال والشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، الذى ذهبت «التحرير» إليه فى قرية «الضبعة» بمحافظة الإسماعيلية، فى محاولة لقراءة ما جرى فى عام مضى على ثورة يناير، ونحن نقترب من الاحتفال بعيدها الأول، ونريد أن نضع أيدينا على مواطن قوتها، وسر عدم تحقق أهدافها إلى الآن.
■ نبدأ من آخر الأحداث.. ما تعليقك على عدم ترشح الدكتور البرادعى فى انتخابات الرئاسة؟
- الدكتور محمد البرادعى مواقفه واضحة وصريحة ومحترمة منذ اليوم الأول للثورة حتى الآن، وأؤيد ما فعله، وأود أن أهنئ هذا الرجل أنه نأى بنفسه عن الاشتراك فى «لعبة» نتائجها محسومة مسبقا، فهو يعلم أن ثمة اتفاقا بين الاتجاهات الإسلامية والمجلس العسكرى، وأن «الميت ميت من شعبان»، وأن الرئيس القادم متفق عليه ومعروف بالاسم والطول والعرض واللون، فهل كان البرادعى سيضع نفسه فى هذا الموقف الحرج وغير الجاد، الذى يخلو من سمات المنافسة الشريفة؟!
■ «لسه النظام مسقطش».. كنت أول من قالها ثم صارت أيقونة يرددها الثوار فى الميادين على الرغم من مرور عام كامل على الثورة.. فلماذا لم يسقط النظام إلى الآن ومتى سيسقط؟
- لا يجب أن ينافق بعضنا البعض، لأن ثمة مصائر تتحدد، وشهداء يتساقطون، ورؤى تتضارب، فلا بد من العودة إلى البداية، بمعنى أنه لا يمكن أن تقوم بثورة إلا من خلال حزب منظم كبير يضم جميع القوى الوطنية، ونحن قمنا بالثورة دون أرض، ومن يملكون الأرض استولوا على الثورة، لا نقول إنهم سرقوها، إنما هى سقطت فى أيديهم لدرجة أن هناك قوى كانت معادية للثورة، لم تجد الثورة غيرهم لتسقط فى «حِجرهم»، لذلك أرى أن الثورة الحقيقية لن تتحقق قبل ثمانى سنوات، وقد تصل إلى اثنى عشر عاما.
■ هل تعنى أن الثورة لم تقم بعد؟
- لا.. فالثورة التى حدثت ثورة وطنية ورائعة وعظيمة، ويجب أن نقف فى وجه كل من يشكك فى ذرة منها، لكنها ثورة رومانسية أشبه بالرقصة الثورية، تشبه ما كنت أقوله فى قصيدة «الجزر والمد»:
(رقصة الزار العظيمة لحد فكرناها ثورة
فرق بين رقصة وثورة
لا هى جاية فوق حصان
ولا فى لحظة زمان هتهب نبتة فى الغيطان
ولا رقصة برجل حافية فى مهرجان
دكها هادية تيجى هادية وصوتها دامى
تعدل الكداب وتقبض ع الحرامى
تعرف الناس مش كتل تعرف الناس بالوجوه وبالأسامى
تيجى فاتحة الصدر نادغة الصبر قابضة الجمر
تنصب محاكم الشعوب فى كل عصر)
إذن فالثورة علم كما تعلمناه، وهذه الثورة كانت مناقضة لكل علم سياسى عرفناه.
■ وما تفسيرك لما جرى فى ثورة يناير؟
- ثورة يناير كانت هبة من السماء أكثر منها عمل جماهيرى، بالطبع كانت الناس قد ضاقت وبلغت الروح الحلقوم، والشعب لم يكن لديه سبيل آخر سوى الثورة، فبمجرد أن رأى الثوار نزلوا إلى الميدان، انهمر الناس كفيضان النيل القديم، ولم يذهب إلى بيته إلا حين اعتقد أن الرقص قد انتهى، ولم تكن الرقصة قد انتهت.
■ هل ترى أن الثوار قد أخطؤوا حين عادوا إلى منازلهم بعد التنحى؟
- نعم.. ولا بد أن يقف الثوار وقفة متواضعة مع النفس ومع الوعى تليق بالعلماء، لأننا حركنا مصر من أولها إلى آخرها ولم نأخذ من كراسى انتخابها شيئا.. لا أقول إنه يورثنا الخجل، لكنه يجعلنا أكثر قدرة على النظر إلى المستقبل، وإننا لم نصنع الثورة، ونبحث عن أحزاب نقيمها فى أيام قليلة، يعنى لن نضع العربة أمام الحصان كما يقولون، دائما كان لا بد أن يظهر الحزب الجماهيرى الضخم الذى حرك كل ثورات العالم، وتبعته الجماهير، ووثقت به وأعطته قيادتها للمستقبل، أما نحن فقد قمنا بالثورة ورحنا نبحث لها عن أطر نملؤها، حتى إخواننا وأصدقاؤنا الذين نجحوا فى الانتخابات حققوا ذلك بقوة الوجود على الشاشة والظهور الإعلامى، ونبت بينهم وبين الناس بعض الثقة، وهى ظاهرة فريدة أيضا، فعادة الناس تنتخب من هو معها على تراب الأرض والواقع ومن صاحبها طويلا فى نضالاتها وعذاباتها، لكن لأن الثورة نفسها لعبت فيها الصدف التاريخية والمزاج المصرى العبقرى والظروف الموضوعية بالطبع، لكنها فى النهاية كلها تدلنا على ثمة شىء كبير مفقود هو الحلم، هذا من جانب.
■ وماذا عن الجانب الآخر؟
- الجانب الآخر أن الثوار فرحوا، خصوصا الرموز الظاهرة فيهم، قد فرحوا أكثر من اللازم، وآمنوا بأنفسهم وقدراتهم وعظمتهم أكثر من اللازم، ومن هول الفرحة والمفاجأة انعزلوا عنا كذلك أكثر من اللازم، وابتعدوا عن الجماهير، وسكنوا الشاشات والتكوينات الصغيرة بأكثر مما يجب، وصنعوا الائتلافات و«الاختلافات» بتلك الأعداد المهولة، التى ليس لها مثل فى التاريخ أكثر من اللازم، وبالتالى ابتعدوا عن الناس وعن الواقع وعن تراب الحياة وزخمها أكثر من اللازم، بينما هؤلاء الذين كانوا ضد الثورة وضد الخروج على الحاكم اختارهم الناس لتمثيلهم فى مجلس الشعب، فالناس التى خرجت بالملايين لتأييد ثورتنا، فى المحك الأساسى، اختاروا من يعرفون، وهذا يدل على أنه دون هذا الحزب الخارج من قلب الناس والمعايش لكل صغيرة وكبيرة فى حياتهم، فإننا قد نصنع الثورة كل يوم وسوف يستولى عليها الأغبياء والمتخلفون والمعادون، الذين لا صلة لهم بها فى كل يوم، بل إن الثورة قد تتحول إلى عمل رجعى لا حدود لرجعيته، وتسلم قيادتها لفئات معادية للثورة ومحافظة إلى أبعد الحدود، وهى بنت السلطات القديمة أيضا، وأنا حين أنظر حولى وأعرف الصلات الحميمية بين بعض خطباء المساجد وأمن الدولة، بل إن بعضهم كان يعرض الخطبة على ضباط أمن الدولة ويتقاضى أجر الخطبة منهم، فأى جريمة ارتكبناها وكيف تحولت الثورة إلى أسطورة وإلى لقمة سائغة فى أيدى من ليس لهم أى صلة بها وكيف ارتددنا لنرى ميدان الحرية العظيم، بعدما صار رمزا فى العالم كله، وهو تملؤه رايات السعودية ورايات العباسيين وبملابس غريبة ومظاهر عجيبة لدرجة أنك تظن أنك تعيش فى زمان آخر وبلاد أخرى.. أليس هذا من صنع ثورتنا أيضا؟
■ وماذا يجب أن نفعل الآن؟
- يجب أن نخلق الحزب العظيم الذى يخطط للثورة ويقودها ويمنع عنها كل هذه الجحافل، وعلى الثوار أن يتنبهوا إلى أن جزءا كبيرا من مقومات الثورة واستمرارها كان غائبا، وأن يتنبهوا إلى أن الفردية تمكن الجماعات، وإلى أن يتمكنوا من أن الفرعونية فى أن كل منا يعتقد أنه قائد هذه الثورة وفاعلها الأصلى، وبالتالى يتنافر مع الأقطاب الأخرى والرموز الأخرى، وحتى يذوب الفرد فى الكل، أمامنا من 8 إلى 12 سنة إذا أخذناها بصورة جدية، بذلك الثورة تقوم فعليا.
■ ما زلت يا «خال» تؤكد أن الثورة لم تقم.. فماذا تقصد؟
- ما فعلناه هو بروفة الثورة، وكانت أجمل ما يكون، لكن الثورة الحقيقية هى الثورة التى تستكمل جميع عناصر بنائها وقدرتها على القيادة، انظر إلى السلفيين ليس لهم صلة بالثورة، لكنهم منظمون، إذن الحزب مسألة أساسية فى تحقيق كل اللعبة النظرية، كذلك انظر إلى الإخوان وجهادهم الطويل عبر كل هذه السنوات، الذى حماهم من التفكك والانصراف والذبول، هو القدرة التنظيمية الموجودة لديهم، وهم يعلمون أكثر منا أنه لا ثورة بلا تنظيم، وأنه لا يمكنك الاستيلاء على السلطة من دون أن تمتلك حزبا قويا، نحن من أوائل الناس الذين قلنا ذلك ومن أوائل الناس الذين لم يلتزموا بذلك، وهو مرض يسارى قديم بمعنى أن كل التنظيمات اليسارية السابقة كانت تتفكك فى حلبة الصراع الفردى والعبث، وأن الحزب الشيوعى حل نفسه مثلا ودخل فى الاتحاد الاشتراكى فى زمن الناصرية، وقد نال الإخوان المسلمون من العسف والظلم والإهلاك والإبادة ما كان يجعلهم ينصرفون عن الفكرة، وعلى الرغم من ذلك استمروا أحيانا فوق الأرض، وأحيانا تحت الأرض، استمروا تنظيميا بالإطار الحزبى، الذى هو بمثابة الخرسانة الأصلية التى تحميك من الرياح المعادية، ونحن لم نفعل.
■ هل هذا هو السبب فى تحالف المجلس العسكرى مع الإخوان؟
- يجب أن لا نحزن ويجب أن لا نتعجب أن المجلس العسكرى لم يعمل لنا حسابا، لأنه يعلم أننا بلا تنظيم وكذلك قتل شهداءنا، وهو يعلم أنهم ليس لهم أهل، بمعنى أنه ليس لهم حزب كبير يأخذ حقوقهم ويعطيهم من التكريم، فنحن نحتفل بضعف، بعيون أحمد حرارة وبمغالبة المجلس العسكرى والتنظيمات الدينية وغيرها فى الدفاع عن علاء عبد الفتاح مثلا، ونحن الآن نستبسل فى إعادة الحق الإنسانى الأخلاقى إلى فتيات التحرير اللائى مزقت ثيابهن، واستبيحت كرامتهن بدعوى أنهن مهملات أو لو كان لهن أب محترم ما تركهن يشاركن فى مثل هذه الأحداث، كأنه علينا أن نترك الثورة لمواجهة هذه التفاصيل «العبيطة» وأبجديات السلوكيات الصغيرة التى كانت لا بد أن تذوب فى كيان الثورة منذ وقت مبكر، لكن ذلك لم يحدث، لأن المتجر الكبير الذى يضم بضاعتنا غير موجود، ونحن نضع بضاعتنا فى الشارع عرضة للأتربة والإهمال.
■ ومن المسؤول عن تكوين ذلك الحزب؟
- الطليعة الثورية طبعا هى من تقوم بعمل مواد ذلك الكيان الكبير، وأنا أرى الآن تلك الكيانات الصغيرة، ولا غبار عليها، لكن ثمة شيئا آخر اسمه الجبهة، لكن كيف يجتمعون جميعا، ونحن نرى هذا التنافر؟ كيف تكون هناك جبهة واحدة وقبضة واحدة تقف فى وجه من يتربصون بكم؟ لكن هذا التفرق والتشرذم والشتات هو الذى سوف يؤدى إلى أن تصير الثورة مجرد حلم، لكن إذا تنبهنا فعلينا أن نقطع وقتا طويلا لتشييد هذا الكيان، والآن مجرد سؤال: ماذا يلزمك بكلامى وماذا يلزمنى بكلامك؟ الإجابة: لا شىء، فنحن كلنا فى الهواء الطلق، لا مسؤولية ولا لائحة ولا قوانين ولا أى شىء يجبرك على أن تطيعنى أو أن يجبرنى على أن أستحى منك، لكن لو كان بيننا رباط حقيقى متين ما حدث لنا ذلك، فلماذا فقط البنات الثوريات هن اللاتى يستبحن؟ ولماذا الشباب الثورى فقط هو الذى يستشهد؟!
لم أر أحدا استشهد من التكوينات المبنية المستقرة تاريخيا، فهم قتلوا سيد بلال، لكن ذلك تم فى أمن الدولة، إنما فى الميدان دلنى على إخوانى واحد استشهد، فلو أن ذلك قد حدث كنا سنسمع من الجماعة لفظة «الشهداء» لا «القتلى» كما نسمع، وكذلك السلفيون فهم لم يخسروا «عشرة صاغ» مش هاقول قتلى ولا شهداء، وانهالت عليهم الهبات والأموال، فنحن صنعنا عيدا للإخوان والسلفيين.
■ ما السيناريوهات التى تتوقع أن تحدث فى 25 يناير القادم؟
- سوف يخرج الشباب، لكن لن يحدث أكثر مما حدث، لكن هذه ليست هى القضية، فعلينا أن نتمسك بذكرى 25 يناير، لأنها ذكرانا وثمرة نضالنا، أو بمعنى أكثر نضال هؤلاء الشباب الذين كانوا يخرجون بصورة دورية، ويضربون ويهانون أمام أعيننا إلى أن آمن الشعب أن ينطلق معهم ويحميهم، لذلك لا بد من الاحتفاظ بذكرى 25 يناير، لأنها ذكرى أن الشعب قادر على الثورة، وأنه إذا اندفع النهر فكل سدود الخوف والعرقلة والتآمر تسقط من الهواء قبل أن يصل إليها الفيضان، كل هذا أثبتته ثورة 25 يناير، وأثبتت أننا نستطيع أن يحب بعضنا البعض، وأن يموت بعضنا فى سبيل البعض، وأن من ماتوا كانوا يحمون آخرين، وقد رأيت صورة بنتنا «عزة هلال» ذات الرداء الأحمر، فهذه الفتاة اندفعت هى وصديق قبطى لإنقاذ فتاة مسلمة فى الميدان، وكم الضرب الذى رأيناه على الوجه بالأحذية الميرى، انظر إلى سميرة إبراهيم وزميلاتها السبع، وهذا العار الذى ألحقه الجنود بالقوات المسلحة، الذى نسف تلك الفكرة المضيئة عن الجيش المصرى، الذى لم يحدث فى تاريخه أن استدار لمقاتلة المصريين بهذه الطريقة الخسيسة مع أبناء مصر فى الشوارع، لأن المجلس العسكرى جزء من النظام السابق، ولأن النظام لسه ماسقطش، فما زال يدافع عن كياناته الاقتصادية ووجوده فى الحكم وإلى آخره، يعنى هذا العسكرى الذى كان يضرب بقدمه هذه البنت لم يكن يدرك أنه يدافع عن مصالح آخرين، وأنه يضربها ضد مصالحه هو، وأن هذه البنت إنما خرجت من أجله وأجل أمه وإخوته ومن أجل تغيير واقعه، وأنا أذكر أحد الثوار القدامى الذى وقع فى يد بعض الجنود الذين قاموا بتوجيه أسلحتهم تجاهه فقال لهم: «أيها الجنود الأغبياء إننى أموت من أجلكم، لكنهم ضربوه»، ويحدث ذلك حين تكون القيادة فى يد الكارهين والمتآمرين على الشعب المصرى.
■ هل ترى أن ما يفعله المجلس العسكرى خلال الفترة الانتقالية هو نوع من الغباء السياسى أم المؤامرة؟
- ليس هناك من هو غبى أمام مصلحته، فأنت تذهب إلى البقال فتراه سمينا وجلبابه ملطخا بالزيت، لكن انظر إليه وهو يسرق التموين ويلعب ألاعيب فى غاية الذكاء ما دام الأمر يخص مصالحه، وأنا أرى أن الذى لا يدرك مصلحته هو نحن، لأنه ليست لنا قاعدة اقتصادية ندافع عنها، لكننا ندافع عن أفكار، إنما الآخر الذى يملك 40 أو 50 مليونا يعلم عن ماذا يدافع، وهذا هو الفارق، لذلك تجد فى النضالات العمالية إنها حين تهب تكتسح، لأن العامل ينطلق من قاعدة اقتصادية محددة، وهى ال150 جنيها راتبه، وكذلك صاحب المصنع حين يأتى ببلطجية فهو يدافع عن موقعه ونفوذه، فنحن الوحيدون الذين ندافع لوجه الله، فأنت تخرج عن فكرك ووعيك وضميرك وشرفك الذى يفرض عليك الخروج حتى الموت دون أساس اقتصادى أو منفعة خاصة، لذلك لا يوجد ذلك الغبى فى الصراع، ففى أثناء الصراعات، حتى الأغبياء يتحولون إلى أذكياء دفاعا عن مصالحهم.
■ إذن هناك مؤامرة على الثورة؟
- طبعا، الجميع تآمر على الثورة بالفعل، فكل الفرق التى لم تكن مؤمنة بها تآمرت عليها، الجنود الذين قتلوا الشباب، والشرطة المتخاذلة، والإخوان الذين لا يتحركون إلا وفقا لمصالحهم، والسلفيون الذين هم ضد وجودنا فى الحياة، لا فى ميدان التحرير فقط، حتى تخاذلنا وتفرقنا نفسه تآمر على الثورة، وعدم تواضعنا بأن نبدأ من جديد نوع من التآمر على الثورة.
■ إذن مَن مع الثورة؟
- الشرفاء من شباب مصر، الذين صنعوا نهرها الثورى الأصيل الممتد حتى بطول التاريخ وحتى الآن، هذا النبض الذى يعطى الثورة فى كل جيل ونحن فخورون أننا عشنا لنرى أن جيلنا أيضا تطهر مع هؤلاء الشباب فى ما صنع، لذلك الشعر المتدفق منى بهذه الطريقة ما هو إلا رد فعل، ورد جميل لهؤلاء الثوار الذين حققوا لنا كام شهر من التنفس الحر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.