أتمت مصر الانتخابات الرئاسية على أفضل ما تكون الانتخابات، وفاز وزير الدفاع السابق بالمنصب وبنسبة غير مسبوقة فى الانتخابات الديمقراطية، ولم يتبق لنا سوى الانتخابات البرلمانية وتنتهى المرحلة الانتقالية، وقد احتفل المصريون فى الشوارع والميادين بفوز مرشحهم المفضل، واعتبروه انتصارًا ساحقًا على الجماعة وأنصارها، انتصارًا للدولة المصرية على دعاة الفوضى. وحقيقة فإن نتيجة الانتخابات الرئاسية جاءت صادمة للكثير من المحللين والمتابعين والسياسيين أيضا، والسبب هو حالة الضعف والوهن التى فى صفوف التيار المدنى عمومًا، وشق من التيار اليسارى والقومى ويسار الوسط تحديدًا، فهذا التيار الذى دعم حمدين صباحى وتمثل فى أحزاب الكرامة، الدستور والتحالف الشعبى وكتلة التيار الشعبى التى تجاوزت الأحزاب، مع قطاع من الشباب المسمى بالثورى، حصلت على أقل من ثلاثة أرباع المليون صوت، أو ما يوازى نحو 3٪ من جملة من شاركوا فى الانتخابات الرئاسية، فهذه النسبة المتدنية للغاية تكشف بوضوح عن حالة جزء من التيار المدنى فى الشارع المصرى. صحيح أن شقًّا مهمًّا من التفسير يتمثل فى طبيعة المرشح المنافس، عبد الفتاح السيسى الذى اكتسب سمات القائد الكاريزمى، إلا أن السؤال يظل هو تدنى أصوات حمدين صباحى من خمسة ملايين صوت فى الجولة الأولى فى الانتخابات الرئاسية السابقة إلى ثلاثة أرباع المليون صوت فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وفى هذا السياق تثور تساؤلات حول طبيعة أداء القوى المدنية فى الانتخابات البرلمانية القادمة، وهل لدى هذه الأحزاب القدرة على خوض الانتخابات وتحقيق نتائج جيدة أم لا؟ يمثل البرلمان القادم بوابة إنجاح رئيس أو إفشاله، فالبرلمان وبموجب الدستور الجديد هو صاحب القول الفصل فى تشكيل الحكومة، وهو الذى سيترجم مواد الدستور إلى قوانين. وحسب تشكيلة البرلمان الجديد وتوزيع مقاعده على التيارات السياسية والفكرية المختلفة يتحدد مستقبل الرئيس الجديد ونجاحه من عدمه، والأهم أن تتحدد الأوزان النسبية وترجح كفة واحدة من ثلاث قوى وتيارات سياسية وفكرية، فالقوى الرئيسية الموجودة على الساحة اليوم تتوزع ما بين قوى تمثل بقايا نظام ما قبل ثورة 25 يناير (بقايا الحزب الوطنى) وقوى الإسلام السياسى التى تمثل بقايا مرحلة حكم المرشد والجماعة وأخيرًا قوى الثلاثين من يونيو. ونجاح أى قوة من هذه القوى سوف يحدد توجهات مصر فى الفترة القادمة ومع من سيعمل الرئيس الجديد، فالأخير مضطر إلى التعاون مع التيار الغالب فى البرلمان، والبديل هو الدخول معه فى صدام يصيب البلاد بالشلل التام. هيمنة بقايا الحزب الوطنى على البرلمان القادم تعنى ببساطة عودة نظام ما قبل الخامس والعشرين من يناير ومن ثم فلا حديث عن ثورة أو تغيير. هيمنة تيار الإسلام السياسى يعنى العودة إلى مرحلة حكم المرشد والجماعة وهزيمة ثورة الثلاثين من يونيو. أما فوز التيار المدنى بغالبية مقاعد البرلمان فسوف يعنى نجاح ثورتى الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو وبدء تطبيق شعارات الثورتين، من عيش، وحرية، وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية (شعارات 25 يناير) ومصر دولة ديمقراطية مدنية حديثة قائمة على المواطنة وحكم القانون (ثورة الثلاثين من يونيو). السؤال هنا: من سيفوز بغالبية مقاعد البرلمان القادم؟ وإلى أين تتجه مصر؟ ومع من سيتحالف رئيس مصر الجديد؟ ذلك ما سوف نجيب عنه غدًا، إن شاء الله.