بدا واضحا من الحوارات التى يجريها الرئيس عدلى منصور مع ممثلى كل ألوان الطيف فى المجتمع المصرى أن هناك أغلبية ساحقة تؤيد إجراء الانتخابات الرئاسية أولا، وهو ما يتوقع أن يصدر به الرئيس إعلانا دستوريا مكملا، وبدا واضحا أيضا أن وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى هو الخيار المفضل لغالبية المصريين، فهم يرون فيه الشخصية القادرة على قيادة البلاد فى السنوات الأربع القادمة، ربما يكون الرجل قد حسم أمره، وربما يكون فى حاجة إلى نوع من الضغط الشعبى عبر خروج المصريين إلى الشوارع والميادين فى الخامس والعشرين من يناير القادم بأعداد كبيرة فى مشاهد قريبة مما جرى فى الثلاثين من يونيو - وفى الثالث والسادس والعشرين من يوليو الماضيين، فالخروج الكبير للمصريين فى الخامس والعشرين من يناير القادم هدفه الأول الاحتفال بذكرى ثورة جرت استعادتها بعد سرقتها من قِبل جماعة الإخوان، وهدفه الثانى هو الضغط على وزير الدفاع لحسم موقفه والترشح للرئاسة. وفى تقديرى أن خروج أعداد كبيرة من المصريين فى الخامس والعشرين من يناير القادم سوف يكون مهمًّا فى حسم وزير الدفاع لموقفه من الترشح للانتخابات الرئاسية، وأحسب أنه سوف يفعل ذلك. وإذا قرر وزير الدفاع الترشح فعلى القوى المدنية التوافق حول دعمه وعدم الدفع بمرشح يمثل هذه القوى لمنافسة وزير الدفاع. ولا يعنى ذلك الدعوة لعدم ترشح شخصيات مصرية على الموقع، بالعكس هى انتخابات حقيقية، ومن ثم فلا بد من تقدم عدد من المرشحين للمنافسة على المنصب. وإذا كان وزير الدفاع يحظى بأغلبية كبيرة فى الشارع المصرى فهو لا يحظى بإجماع، فلا يوجد من حظى أو سوف يحظى بالإجماع فى تاريخ البشرية، ومن ثم هناك قطاعات من المصريين سوف تصوت لمرشحين آخرين. يبقى التحدى الرئيسى أمام القوى المدنية وهو الإعداد الجيد للانتخابات البرلمانية القادمة، فرئيس الجمهورية قال إن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية سوف تجرى فى غضون ستة أشهر من إقرار الدستور، وإذا كانت الانتخابات الرئاسية يمكن أن تجرى فى مارس القادم أو مطلع أبريل فإن الانتخابات البرلمانية يمكن أن تجرى فى مايو أو يونيو، ومع مرور عام على خلع مرسى والإخوان نكون قد استكملنا بناء مؤسسات الدولة. المهم هنا أن تدرك الأحزاب المدنية قديمها وجديدها أن لا اتجاه سياسيا واحدا سوف يفوز بغالبية مقاعد البرلمان، وأن البرلمان القادم سوف يكون متنوعا ومتعددا، أى سوف توجد فيه كل الاتجاهات السياسية والفكرية، لذلك لا بد لكل تيار سياسى أو أيديولوجى أن يبادر بتشكيل ائتلاف انتخابى من القوى المختلفة الممثلة للتيار، فالخطورة هنا تتمثل فى خوض الأحزاب المختلفة للانتخابات البرلمانية منفردة، وبما أن التوجه هو إجراء النسبة الأكبر من الانتخابات وفق النظام الفردى فالمتوقع حدوث منافسات بين مرشحين من نفس التيار والمؤكد بين مرشحين للتيار المدنى من اتجاهات فكرية مختلفة، لذلك لا بد من تشكيل ائتلاف انتخابى من الأحزاب المنتمية لنفس التيار أو الاتجاه الفكرى، فلا بد من خوض الأحزاب الليبرالية الانتخابات بائتلاف واحد. ونفس الأمر بالنسبة لأحزاب اليسار والأحزاب الناصرية والقومية، كما يتوقع أن تخوض الأحزاب المنبثقة عن الحزب الوطنى «المنحل» الانتخابات بائتلاف واحد. وهنا نكون أمام ثلاثة أو أربعة ائتلافات انتخابية كبيرة يمكنها حصد أكثر من 80٪ من مقاعد البرلمان السابق، وهو احتمال يزداد إذا ما دخلت هذه الائتلافات فى تنسيق انتخابى على نحوٍ يجعلها تتوافق على المرشحين فى مختلف الدوائر أو أغلبها، وتفسح المجال أمام الشخصيات الوطنية لدخول البرلمان. أما بخصوص القوائم فلا مجال للتنسيق، لأن كلا منها سوف يحصل على المقاعد التى توازى نسبة حصولها على الأصوات. المهم هنا هو تحرك القوى المدنية فورًا وتشكيل كل تيار فكرى أو سياسى لائتلاف انتخابى، وعليها الدخول فى مفاوضات للتنسيق الانتخابى، فإذا ما فعلت ذلك فسوف تبعث برسالة ثقة واطمئنان للمجتمع المصرى وتحول دون تفتت وتمزق التيار المدنى مرة ثانية، وتمنع سيناريوهات تنطوى على مخاطر شديدة على التجربة الديمقراطية فى مصر، إذ تفتح شهية قوى قديمة على تشكيل حزب جديد بعد الانتخابات عى أنه سيكون حزب السلطة، ومن ثم يجمع الوجوه الانتهازية من كل الأحزاب والتيارات على نحو يعيد تجربة السادات، ويذكرنا بتجربة جمال مبارك حينما أراد تأسيس حزب جديد، «حزب المستقبل».