رغم أن مصر يمتد تاريخها فى التجربة السياسية إلى آلاف السنين قبل الميلاد، باعتبارها من الدول الأم التى عرفت نظاما سياسيا، فإنها ما زالت إلى اليوم تعيش عصر ما قبل الدولة فى ظل عدم وجود قانون ينظم أو يحكم العلاقات بين البشر مما كان سائدا فى عصر ما قبل الدولة، «القوى يأكل الضعيف»، ومن هنا جاءت فكرة قيام الدولة. فى بداية الأمر قامت الدولة على التراضى بين البشر بمعنى أن كل واحد يتنازل عن جزء من حريته فى سبيل تحقيق الحرية للجموع، على أن يتمثل هؤلاء فى شخص آخر يكون هو الحاكم والحامى والفاصل فى النزاع، ثم بدأ الإنسان يطور فكرة الدولة بالشكل الواضح التى عليه الآن، بأن يكون هناك سلطة هى الوحيدة التى تحتكر العنف وقادرة على ردع طرف دون آخر، وأزعم أن مصر عاشت تلك الفترة عن جدارة واستحقاق قبل الثورة وعاشتها خلال الشهور الماضية، والآن ندخل مرحلة أخرى أو بمعنى أدق صراعا آخر على أرض مصر وضعتنا فيه جميع القوى السياسية الموجودة على الساحة السياسية سواء كانوا إسلاميين أو ليبراليين أو غيرهم، وأصبحنا أمام نظريتين للمفكرين والفيلسوفين توماس هوبز وجون لوك، ونظريتهما فى الانتقال من المجتمع غير المنظم إلى المجتمع القائم على العقد الاجتماعى.. هوبز يريد حكومة مطلقة قائمة على حكم الفرد أو مجموعة من الأفراد، حكومة قامت على أساس تنازل الأفراد بموجب عقد أبرم بين الناس، ولا يكون الحاكم طرفا فيه ولا يحق للأفراد بعد هذا التنازل إلغاء السيادة عن الحاكم بأى حال من الأحوال إلا فى حالة عدم قدرة الحاكم على حمايتهم، فنظام الملكية هو الأفضل عند هوبز لأنه أفضل من النظام الديمقراطى المتقلب نتيجة تعدد اختلاف الآراء فيه، لذلك وجدنا هوبز قد وضع حقوقا مطلقة للحاكم يجب على الرعية الالتزام بها.. أما لوك فهو من أنصار الليبرالية، وضع مبدأ الفصل بين السلطات وجعل السلطة مقيدة بحكم الأغلبية القائم على الرضا، والمجتمع عنده هو الأهم لأن الناس يستطيعون تغيير السلطة إذا لم تستطع الدولة المحافظة على حقوقهم وملكياتهم، لكن لوك نادى أيضا بعدم التعدى على حقوق الناس باسم الدين وعلى الحاكم أيضا أن لا يحكم باسم الدين أو يجبر الناس على اعتناق دين معين فالناس يمتلكون الحرية فى اختيار معتقداتهم. بقى أن نعلم أن توماس هوبز من مواليد 1588 وجون لوك من مواليد 1632، أى أنهما يتحدثان منذ أكثر من أربعة قرون، كانت تسير فيها أوروبا على طريق حسم نظريتها فى السياسة والمجتمع، بينما ما زلنا اليوم نرصف فى التخبط والعشواء. ........................................... بعد عناء يوم طويل وشاق ذهبت إلى المنزل لأخذ قسط من الراحة وبعد أن تناولت وجبة العشاء سمعت طرق الباب بشدة، وكالمعتاد فى تلك الأوقات الصعبة قلت «خير اللهم اجعله خير»، وهمست مين، فقال لى افتح «مباحث» استر يا رب إيه فى إيه مخاطبا أولادى من تشاجر مع الجيران أو ارتكب مصيبة، لم أر سوى نظرات زائغة منهم فى ملابسهم السوداء، واتجهت بخطوات ثقيلة نحو الباب وفتحته وإذا بى أشاهد ضابطا و3 مجندين يلقون القبض علىّ بتهمة هروبى من الإدلاء بصوتى الانتخابى لأنى لم أدفع ال500 جنيه غرامة.. هذا المشهد يا سادة تذكرته وأنا أسمع من المستشار عبد المعز إبراهيم رئيس اللجنة العليا للانتخابات أنه أرسل كشوف الذين لم يذهبوا للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات البرلمانية ل«جهنم».. أقصد للنيابة لتحصيل الغرامة وسيكون مصير الملايين الذين تخلفوا عن الذهاب إلى صناديق الانتخابات محصورا ما بين السجن وتحصيل الغرامة.