نشرت صحيفة المصرى اليوم تقريرا فى ذكرى اربعين شهداء مذبحة بورسعيد تخليدا لذكرى شهداء كرة القدم المصرية ممن راحوا ضحية الغدر باستاد بورسعيد وقالت الصحيفة فى تقريرها "ردد أنس: «النادى الأهلى حتة منى خدوا عينى شوفوا بيها».. وغادر الصغير منزله متجهاً إلى المجموعة، مبتسماً مبتهجاً بشوشاً، غادر منزله متجها إلى الكيان، ومعه أحلام فتى لم يتخط الخامسة عشرة، فكر فى الموت للحظات، فكتب عن وصية تبرع فيها بعينيه إلى مصابى الثورة، ومضى ليلقى ربه مبتسماً مبتهجاً بشوشاً مردداً: «قول الحق خليك جرىء.. النادى الأهلى أحسن فريق».
أنشد مهاب صالح «عمرى ما أحب غير الأهلى ولا فى غيره يفرحنى»، وغادر منزله كعادته، مناضلا حارب فى الميدان لأوقات كثيرة وعديدة، وأنشد لناديه أغانى كثيرة وعديدة، ناضل ضد الظلم فى الميدان، وصرخ من داخله لصالح فريقه «النادى الأهلى فريق جبار».
ومثل أنس ومهاب غنى وأنشد محمود سليمان وكريم خزام ويوسف حمادة وعشرات غيرهم، غنوا معا «ويوم ما أبطل أشجع أكون ميت أكيد» وحملوا أدواتهم وذهبوا إلى أماكن تجمع الكيان، وأنشدوا معا «من تالتة شمال بنهز جبال وبأعلى صوت دايماً بنشجع الأبطال» وذهبوا معاً إلى بورسعيد. هناك كان فريقهم مهزوما ولكنهم لم يتوقفوا عن الغناء «أووووه أووه جمهور الأول حماه... أوووه أووه ع الحلوة والمرة معاه»، ومع مرور الوقت بدأ المشجعون الذين يعلمون جيداً معنى مباراة للأهلى فى بورسعيد، يتبادلون نظرات قلقة، ولكن صرخاتهم مازالت تتردد «أووه أووه ع الحلوة والمرة معاه» لم يخفت الصوت، ولم يصمت صوت الأغانى، حتى تحولت الأغانى إلى صرخات مرعوبة ممتزجة بدماء وآهات وجثامين شريفة.
فى ذكرى مرور 40 يوماً على المذبحة، ترسم «المصرى اليوم» ملامح شخصيات 5 من ضحايا المباراة الدامية، كما نعاهم رفاقهم على «يوتيوب» بأصوات أقاربهم الذين ودعوا الرجولة مع أنس، والبسمة مع كريم والإنسانية مع محمود والنضال مع مهاب والشجاعة مع يوسف.
البسمة كريم.. الكرة كانت بتخليه يضحك «ابتسامة تحاول تفسرها، فتقول شهيد» كلمات بسيطة، ولكنها دافئة، لم يستطع كاتبها صديق الشهيد كريم خزام أن يتجاهل فيها ابتسامته، علامته المميزة ورفيقته فى معظم صوره التذكارية هو مع السلامة يا ابتسامة راح يحفظها الزمن، ابتسامة بتحضنك مع الحياة، ابتسامة فيلسوف اكتشف سر الحياة، «ابتسامة تحاول تفسرها فتقول شهيد».
شاب فى العام الأول له بالجامعة الألمانية، حبه للنادى الأهلى كان هو ما يحركه لحضور المباريات ليشجع بأعلى صوت ويصرخ: «عمرى ما أحب غير الأهلى.. ولا فى غيره يفرحنى.. دايماً معاه ولآخر الكون..عمرى علشان الأهلى يهون». كان ذلك هو ما يرسم الابتسامة على وجهه خاصة إذا انتهت المباراة بالفوز. «الكورة هى اللى كانت بتخليه يضحك» تحكى والدته عن علاقته ب«الساحرة المستديرة» وعن أصدقائه المشجعين من الألتراس: «كان بيسافر كتير مع أصحابه بالمجموعة، كان بيحبهم وبيحبوه وبيحبوا الكورة والتشجيع، عمرى ما هنسى ابتسامته وهو راجع من الماتشات، لما كان يكون فرحان نبقى كلنا فرحانين. تتذكر الأم يوم الأربعاء الأسود وهى تتلقى مكالمة من أحد أصدقاء كريم ويؤكد لها أنه استشهد فى الأحداث. « كانت لحظات صعبة جداً سافرنا على الفور إلى بورسعيد ولم نعثر عليه هناك بالمستشفيات كنا نمنى أنفسنا أن أصدقاءه أخطأوا، عدنا إلى القاهرة وانتظرنا فى المطار الطائرة العسكرية التى كانت تنقل المصابين ولم نجده أيضا، كان أملنا الأخير داخل محطة القطار انتظرنا وسط الشباب حتى جاءت لحظة الوصول ولم نجده ضمن المصابين حتى عثرنا عليه فى نهاية اليوم داخل المشرحة».
كريم هو الابن الوحيد داخل أسرته الذى رحل وترك شقيقته الصغرى تتذكر حنيته معه طوال 15 عاما قضوها سويا مع والديهم، تقول فى فيديو يتداوله العديد من النشطاء على المواقع الإلكترونية: «إنت كنت طيب أوى وحنين أوى أخ حلو أوى مقعدتش معايا غير 15 سنة بس هى أفضل سنوات فى حياتى ومش هنقدر ننساك ومفيش حد زيك ومش هعيش من غير أخويا.. وجه اليوم وخلاص مش هشوفك تانى».
رحل كريم وترك أسرته تتذكر ابتساماته وضحكاته وبعض الصور التذكارية التى تحمل ابتساماته أيضاً
الشجاعة يوسف.. ضحى بحياته لإنقاذ أصدقائه لم يمنعه ابنه الذى مازال حتى الآن جنينا لم يأت إلى الحياة من الوقوف أمام بوابة الموت لكى ينقذ أصدقاءه يوم الحادث، ربما تذكره للحظات، ربما تجمد الوقت، وحلم به كثيراً، وربما سرقته من خاطرته عن ابنه الجنين صرخات زملائه الذين كانوا معه، فقبل انتهاء المباراة بدقائق، خرج الشهيد العريس يوسف حمادة من المدرج، وفور انتهاء المباراة ومشاهدته جماهير بورسعيد وهى تنزل أرض الملعب فى اتجاه جماهير الأهلى عاد إلى أصدقائه لكى يقف بجوارهم فى مواجهة الموت. حاول الدخول إلى المدرج مرة ثانية، لكن بوابة الدخول كانت مغلقة بالفعل، اللحظات تمر وهو يحاول أن يجد مدخلاً، لكن فجأة شاهد المئات من جماهير الأهلى تتكدس داخل كردون والبوابة تمنعهم من الخروج.
اللحظات تمر، حتى وهو يحاول كسر البوابة باستخدام حجر كبير، لكن دون فائدة، أصوات الاستغاثة التى كانت تأتى من خلف البوابة كانت تحركه وتجعله يضرب بقوة على البوابة حتى انتهى الأمر، ينجح فى كسر البوابة وإنقاذ المئات من أصدقائه، لكنه يفشل فى الهروب من أمام البوابة، وهى تنكسر وتسقط عليه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة فداءً لأصدقائه.
قصة بطولته رواها أصدقاؤه إلى أسرته وهم يبلغونهم الخبر ويؤكدون لهم أن شجاعة «حمادة» كانت هى السبب فى إنقاذ المئات، القصة لم يروها أصدقاؤه فقط، لكن النائب أشرف ثابت، عن حزب النور ووكيل مجلس الشعب، الذى كان رئيساً للجنة تقصى الحقائق التى شكلت للبحث فى أسباب الحادث جعلته يروى القصة داخل المجلس وهو يتلو تقرير اللجنة على النواب ويحكى عن الدور البطولى الذى قام به «حمادة»، ويؤكد أنه كان بإمكانه الهروب، لكن استشهد فداءً لأصدقائه.
داخل منزل الشهيد قبل شهرين من الحادث كانت الأفراح هى عنوان الأسرة فرحا بزواج «حمادة»، وقبل شهر أيضاً من الحادث كانت الأفراح مازالت تسيطر على المنزل بسبب خبر أن الزوجة حامل فى الشهر الأول، لكن الآن الأحزان هى التى تسيطر على المنزل الذى يجلس بداخله الأب بمفرده ومن حوله بعض صور الشهيد الخاصة بالفرح، ولا يردد سوى جملة واحدة لكل من يقترب منه «من قتل يُقتل ولو بعد حين، أنا راجل صعيدى وعايز حق ابنى
الرجولة أنس.. أوصى ب«عيونه» لمصابى الثورة «أنا أعلن وصيتى فى حالة وفاتى.. أنا عاوز الآتى: أولاً أن يتم لفى بعلم مصر، ثانياً أن يتم تشييع جنازتى من ميدان التحرير، ثالثاً أن يتم التبرع بقرنية عينيا لمصابى الثورة عين لشخص وعين لشخص آخر، رابعاً أن يتم التبرع بباقى أجزاء جسمى لمصابى الثورة».
عندما تقرأ السطور السابقة تعتقد فى البداية أنها وصية لرجل عجوز تعدى عمره السبعين عاما تعب من الحياة، ويئس منها، أدى خلالها دوره، وانتهى منها حلمه، ولكن عندما تعلم أنها وصية الشهيد أنس محيى الدين، الذى لم يتعد عمره ال 16 عاماً، فلك- مهما كان عمرك- أن تيأس من الحياة، وتتعب منها، لك أن تتأكد أن بلداً فيه أطفال فى عمر «أنس» يكتبون وصيتهم، بهذه الرقة والحكمة، هى بلاد لن تموت ثورتها، وسيظل فيها أصدقاء أنس يحتفون بذكراه ويكملون حلمه، حتى لو كتبوا فى فصله فوق صورته «ماتت الرجولة».
تقول «آية» شقيقة الشهيد إنه على الرغم من أنه أصغر منها فإنه كان يتصرف وكأنه الأكبر، لا يتركها تعبر الشارع بمفردها، لا يسمح لها بأن تخرج بمفردها ليلاً، وهو أيضا ما كان يفعله مع صديقاته البنات بالمدرسة.
صور تذكارية لا حصر لها وهو يحمل علم النادى الأهلى وأخرى مع مانويل جوزيه، مدرب النادى، وأخرى فى الاستاد وأخرى وهو يحمل إحدى الطبول الخاصة بضبط الإيقاع أثناء التشجيع تثبت بسهولة حبه للنادى وللفريق ولكرة القدم.
يروى أحد أصدقائه: يوم الحادث كنت أتابع المباراة فى التليفزيون وأعلم أن أنس فى الاستاد حتى جاءت لحظة نزول جماهير بورسعيد أرض الملعب حاولت الاطمئنان عليه ولكنه لم يرد، وبعد نصف ساعة تقريباً رد علىّ أحد الأشخاص وأكد لى أنه استشهد، لم أصدق ما حدث فى البداية وتخيلت أن مجهولاً سرق الهاتف، ونزلت بعدها إلى محطة القطار مع آلاف الشباب فى انتظار القطار الذى كان يحمل المصابين.. طال الانتظار وأنا أدعو أن يكون من بين المصابين ولكنى لم أجده وسط من حضروا فى القطار حتى اتصلت بأحد أصدقائنا وأكد لى أن جثمانه موجود بمشرحة زينهم».
النضال مهاب.. آخر كلماته: «دم اللى ماتوا لازم يرجع» «محاكمة عاجلة وعلنية وعادلة لكل رموز الفساد، لأن الناس اللى ماتت لازم دمهم يرجع» هذه بعض كلمات الشهيد مهاب صالح فى فيديو نادر لا يتعدى الدقيقة والنصف أثناء مشاركته فى مليونية «القصاص» بشهر يوليو الماضى، والتى كانت تطالب بالقصاص من قتلة الثوار فى محاكمة علنية على الهواء.
لقطات تذكارية أخرى للشهيد وهو فى ميدان التحرير أثناء اعتصام ال18 يوماً قبل خلع الرئيس السابق «مبارك» وأثناء مشاركته فى المسيرات والمليونيات جمعها أصدقاؤه فى ألبوم خاص ورفعوه على مواقع التواصل الاجتماعى تحت عنوان «مهاب وهو بيناضل من أجل حقوق الشهداء قبل أن يكون شهيد»، كما رفع أصدقاؤه بمجموعة ألتراس أهلاوى صورته على الصفحة الرسمية بموقع ال«فيس بوك» وكتبوا أسفلها «مهاب طالب فى هندسة القاهرة فى بكالوريوس كهرباء، كان ناقص كام شهر ويبقى مهندس ويزود عجلة الإنتاج اللى بيتكلموا عليها». « مهاب» شاب لا يتعدى من العمر ال24 عاما، وقف فى جميع المعارك، منذ بداية الثورة فى الصفوف الأولى، يقف بجسده فى مواجهة قوات الأمن المركزى والقوات المسلحة لا يتراجع ولا يخاف من رصاصهم أو قنابلهم وخرطوشهم.. يقول والده «إحنا عشنا طول عمرنا مكسورين.. بنخاف من أى تحرك سياسى..مش بندافع عن حقوقنا أو حقوق ولادنا لحد ما ولادنا كبروا وقرروا إنهم يجيبوا حقوقهم.. مهاب شارك فى كل الأحداث..الألتراس هما اللى حررونا وهما إلى كانوا نواة الشباب لنجاح الثورة.. الجيش والأمن المركزى ارتكبوا مذبحة بورسعيد علشان يكسروا الألتراس ويبعدوهم عن السياسة.. لكن حق ابنى مش هيضيع وهيرجع لأنى عارف أنه ليه صحاب كتير مش هيسكتوا وهيجيبوا حقه».
ويحكى أحد أصدقائه، الذى رفض ذكر اسمه، فى ألتراس أهلاوى «كان هو رمز النضال فى المجموعة، يطالبنا دائما بالاشتراك فى النزول فى المسيرات والمظاهرات والمعارك ضد الأمن طوال العام الماضى.. يوم الحادث كان يجلس بجوارى بالمدرج لحظة نزول جماهير بورسعيد لأرض الملعب ورفض الرجوع إلى الخلف وظل واقفا فى مكانه فى انتظار الموت حتى يدافع عن أصدقائه.
وبسبب أنه كان أحد رموز النضال أيضا داخل كلية هندسة القاهرة دخل أصدقاؤه بالكلية فى اعتصام مفتوح للمطالبة بحقه وقرروا تعليق الدراسة بالكلية حتى استجابت إدارة الكلية لهم، وقرروا إطلاق اسمه على أحد معامل الكيمياء مع البدء فى رفع دعوى قضائية، ضد المتهمين الحقيقيين فى مجزرة بورسعيد
الإنسانية محمود.. «صانع الحياة» الذى تنبأ بوفاته محمود سليمان 20 عاماً، أحد طلاب كلية هندسة الزقازيق، وأحد أعضاء مبادرة صناع الحياة لمحو الأمية، التى يشارك فى تأسيسها الداعية د. عمرو خالد، مضى فى طريقه إلى بورسعيد مرددا «ويوم ما أبطل أشجع أكون ميت أكيد»، ولم يتوقع أنه سيسافر إلى بورسعيد لتشجيع فريقه، ولن يعود.