تبدو قصة صعود وهبوط صناعة السيارات البريطانية مأساوية بعض الشئ. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، كانت بريطانيا أكبر دولة مصدرة للسيارات في العالم بصناعاتها من ماركات أوستن وموريس وMG وحاجوار ولاند روفر علاوة علي رولز رويس وبنتلي وقائمة طويلة لا حصر لها. ففي كندا مثلاً، كانت مبيعات سيارات أوستن A40 ضخمة حتي أن الشركة خططت لإقامة مصنع لها هناك لمواجهة الطلب المتزايد علي الموديل في أمريكا الشمالية. وفي منتصف عام 1948، اشترت شركة أوستن مبني للمصنع وقامت بتركيب معدات التجميع واستأجرت بعض العاملين. وخططت الشركة لأن يصل حجم العمالة فيها إلي 10 آلاف شخص. ولكن في العام التالي، انهارت خطط الشركة لعدة أسباب منها الاضطرابات الداخلية في شركة أوستن نفسها علاوة علي السياسات الجمركية الكندية وانهيار مبيعات أوستن مع نهاية أعوام ما بعد الحرب. وفي النهاية تحول مبني المصنع إلي مركز لاستيراد سيارات وقطع غيار سيارات أوستن وموريس. وعلي الرغم من الفشل في إنشاء مصنع لها في أمريكا الشمالية، تمتعت السيارات البريطانية بمكانة مرموقة في أمريكا الشمالية لبضعة سنوات. وفي قطاع السيارات الرياضية علي وجه التحديد كانت كفة الموديلات البريطانية هي الأرجح. ولكن واجهت السيارات البريطانية مشكلات عدة، فعلي ما يبدو لم تستجب صناعة السيارات البريطانية بشكل مناسب لاحتياجات عملاء أسواق أمريكا الشمالية فلم تكن السيارات البريطانية في بعض الأحيان ملائمة للبيئة هناك، كما عانت المصداقية الميكانيكية والكهربية لتلك السيارات بسبب الطقس القاسي والمسافات البعيدة في الوقت الذي لم يكن فيه الأمريكيون والكنديون مستعدين للاعتناء بشكل زائد بسياراتهم وتحمل عيوبها. في نفس الوقت أثيرت علامات استفهام حول جودة تجميع السيارات البريطانية. وقد ظهر ذلك بوضوح في بعض تقييمات المجلات الأمريكية للسيارات البريطانية في تلك الفترة منها تقييم لموديل جاجوار XK120 حيث اعترف صاحب التقييم بالأداء القوي للسيارة ولكنه لاحظ وجود عيوب في الدهان وبعض آثار الصدأ هنا وهناك كما لاحظ أن الفرامل كانت تسرب سوائل. ولكن علي الرغم من ظهور بعض العيوب وارتفاع حدة المنافسة من بعض الشركات الألمانية مثل فولكس فاجن والفرنسية مثل رينو، استمرت صناعة السيارات البريطانية في المقدمة لبعض الوقت. وتمثلت أعظم انجازات صناعة السيارات البريطانية في تلك الفترة في موديل أوستن سفن / موريس ميني ماينور الذي عرف فيما بعد بإسم "ميني". فهذا الموديل كان بمثابة السيارة التي حددت شكل موديلات المستقبل، كما صارت أسطورة لا تزال مستمرة حتي يومنا هذا. فتلك السيارة ذات المحرك العكسي ونظام الدفع الأمامي أمكنها استيعاب عدد من الأشخاص يفوق حجمها الفعلي. فرغم أن تلك السيارة لم يتجاوز طولها 3048 ملليمتر، كان تركيبها وعجلاتها المثبتة في أقصي الأطراف كفيلة بتوفير مساحات تكفي لأربع أشخاص مع حجم لا باس به من الأمتعة. وعلاوة علي كونها معجزة من حيث التصميم، تمتعت ميني بأداء جيد علي الطريق. بل وصارت تلك السيارة منافساً قوياً في سباقات السرعة عند تزويدها بمحركات قوية كما هو الحال في موديلات كوبر وكوبر S. وعلي الرغم من أن تلك السيارة حققت شهرة عالمية، غير أن شركة السيارات البريطانية التي تأسست في عام 1952 بأندماج أوستن وموريس، أدركت أن تلك السيارة غير كافية كي تحقق لها النجاح المأمول في الأسواق الأمريكية ولهذا خططت لطرح نسخة أكبر حجماً. وكانت تلك السيارة الكبيرة هي أوستن / موريس / إم جي 1100 برنسيس والتي تم تقديمها في عام 1963. كانت قاعدة عجلات السيارة البالغ طولها 2375 ملليمتر كفيلة بتوفير مساحات رحبة تكفي لأربع ركاب، كما وفر محرك السيارة بسعة 1098 سي سي أداءاً كافياً واقتصاد في استهلاك الوقود كما ساعد نظام التعليق المبتكر الذي ظهر في السيارة علي ضمان جلوس مريح للركاب. أعقب ذلك ظهور موديل 1800 ماكسي في عام 1969 الذي استخدمت فيه نفس وضعية محرك موديل 1100 . وكان للسيارة تصميماً داخلياً رائعاً ولكن لسوء الحظ كانت جودة الصناعة ومستوي التجهيزات حائلاً دون تمتع الموديل بالتقدير الذي يستحقه. تبدو المقارنة بين موديلي ميني وهوندا سيفيك القديمة مذهلة، فقد استغرق الأمر من هوندا 14 عاماً كي ترد علي موديل ميني الرائع، ولكن عندما فعلتها هوندا كانت قد أوضحت سبب الشعبية الطاغية لموديل ميني. فموديل هوندا سيفيك لعام 1973 تم تزويد بمحرك مثبت بوضع عكسي مجهز بكامات علوية وتقنيات متطورة وكان المحرك مصنوعاُ من الألومنيوم علي عكس محرك ميني القديم والمصنوع من الفولاذ. علاوة علي ذلك اهتمت هوندا حينذاك بجودة صناعة وأداء موديل سيفيك في جيله الأول ولذلك حقق الكثير من الشهرة. وتبدو أوجه التشابه بدرجة أوضح عندما قدمت هوندا موديل أكورد الذي كان بمثابة تطوير لموديل سيفيك الصغير وإعادة لسيناريو ميني / 1100 وسرعان ما صار موديل أكورد هو مثال السيارة الصغيرة في العالم حيث لبي متطلبات الباحث عن سيارة صغيرة علي درجة عالية من الجودة في تلك الفترة. ربما من سخرية القدر أن البريطانيون كانوا الأوائل من حيث التصميم المتطور للسيارات. وكان من الممكن مع تحسينات مستمرة أن تصبح سيارة مثل BMC 1100 أساس لصناعة سيارات مزدهرة. ولكن نتيجة لعوامل متعددة منها تشدد اتحادات عمال صناعة السيارات والرغبة الحكومية في تأميم الشركات وعدم الرغبة أو القدرة في التعامل بشكل مرن مع متطلبات سوق السيارات العالمي وهي عوامل اتفق عل تسميتها "المرض البريطاني" تدهورت أحوال صناعة السيارات البريطانية وتراجعت بمرور الوقت أمام الصناعات الأسيوية والألمانية والأمريكية حتي صارت اليوم أحد علامات الماضي، كغيرها في قصة صناعة السيارات التي لا تنتهي فصولها أبداً.