ثلاثة اتهامات أساسية لاحقت «مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي» عند اقامته لأول مرة في العام الماضي، الاتهام الأول أنه نسخة قطرية من مهرجان ترايبكا الأمريكي، وأنه أول مهرجان في العالم يحمل اسمين «الدوحة ترايبكا» والاتهام الثاني أن مدته أربعة أيام فقط من بينهم يوميا الافتتاح والختام، وهذه حادثة غريبة في عالم المهرجانات وثالث الاتهامات أن الدافع لاقامته هو هذه «الغيرة» القطرية من وجود مهرجانين كبيرين في دولة الامارات المجاورة هما: دبي وأبوظبي.. وكان لهذه الاتهامات منطقها لأن قطر ليس لديها صناعة أفلام وأن الجوائز التي تم الاعلان عنها يمنحها «الجمهور» بعد استفتاء يعقب عرض الافلام، وهذه حادثة فريدة أيضا. ومعني هذه الاتهامات ببساطة أنه مهرجان بلا ملامح أو هوية، لذلك حرص المهرجان تحت إدارة مديرته«أماندا بالمر» أن تكون دورته الثانية التي أقيمت في الفترة من 2630 أكتوبر الماضي الرد علي الانتقادات أو الاتهامات بشكل عملي بتحديد ملامح وهوية لهذا المهرجان، فتم زيادة أيام انعقاده إلي خمسة أيام، واهتم بعمل برامج للدراسة والتدريب للشباب القطري من خلال ورش عمل يحضرها كبار المخرجين العالمين وذلك من خلال مبادرة الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني بتأسيس مؤسسة الدوحة للأفلام التي أصبحت مهمتها اقامة المهرجان من ناحية، وتدريب وتمويل وانتاج الافلام من ناحية أخري وقد شهد حفل الختام هذا العام عرض فيلمين قطرين مدة كل منهما دقيقة حيث فازا في مسابقة أفلام الدقيقة الوحدة. ومن خلال مؤسسة الدوحة للافلام بدأ تحديد ملامح وهوية المهرجان حيث تقرر اقامة مسابقتين للافلام العربية، الاولي للافلام الطويلة، والثانية للافلام القصيرة، وقيمة جائزتي المسابقة الاولي 200 ألف دولار، بنما قيمة جائزة المسابقة الثانية 10 آلاف دولار، وبتنظيم هاتين المسابقتين لم يعد مهرجان الدوحة نسخة من ترايبكا، وقد شارك في المهرجان 51 فيلما هي 10 أفلام عربية طويلة في المسابقة الاولي و9 أفلام قصيرة في المسابقةالثانية و32 فيلما أمريكيا أوروبيا في البانوراما وهذه تمثل أفضل ما أنتج هذا العام مثل فيلم «خارج عن القانون» لرشيد بوشارب الذي عرض في الافتتاح ونسخة طبق الاصل لعباس كيارستمي وعن الالهة والبشر لكزافية بوفوا، و«ميرال» لجوليان شنابل و«حرائق» لدينيس فيلنوف وغيرهم. ومن أجل تأكيد الهوية العربية للمهرجان رغم الشراكة الامريكية من خلال مهرجان ترايبكا، كان اختيار عادل إمام لتكريمه بوصفه النجم المصري والعربي الاكثر شعبية في السينما لأكثر من 25 سنة، واختيار رئيس لجنة التحكيم من الفنانيين العرب، فكانت يسرا هي رئيسة اللجنة في هذه الدورة، أيضا جاء الاحتفاء الخاص بالسينما المصرية في قرار «مؤسسة الدوحة للافلام» بدعم فيلم «حاوي» اخراج إبراهيم البطوط بتحويله من فيلم ديجيتال إلي شريط سينمائي «35 مللي»، وكان تتويج كل هذا بفوز «حاوي» بجائزة أحسن فيلم عربي، وهو عمل تدور كل أحداثه في الاسكندرية ويقدم نماذج بشرية تبدأ بأصدقاء السجن الثلاثة، مرورا بالعربجي الذي يعاني حصانه من مرض الشيخوخة الي الراقصة، ثم الفرقة الموسيقية وهكذا، والفيلم تجربة تستحق التأمل سواء في الشخصيات التي تقدمها، أو في أسلوب تقديمها فنيا. وقد نجح المهرجان في تقديم مجموعة متميزة بالفعل من الافلام في المسابقة العربية، فكان الفيلمان المغربيان: «الجامع» لداود أولاد السيد، الذي يدور في قرية صغيرة تم تصوير فيها فيلم «في انتظار بازوليني» وتم هدم الديكورات بعد التصوير فيما عادا ديكور «الجامع» حيث يتحول الي مسجد حقيقي، وبالتالي لايستطيع صاحب الارض استردادها.. والفيلم الثاني «ايتوتيتريت» لمحمد ابازي، واسم الفيلم هو اسم فتاة صغيرة تدور حولها الاحداث ومعناه نجمة الصباح في اللغة الامازيغية وهي تدفع حياتها ثمنا لرغبتها في التعلم مثل الاولاد ومن الافلام أيضا الفلسطيني «دون موبايل» لسامح زعبي، وهو عمل كوميدي لطيف يصور حياة وأحلام سكان قرية فلسطينية، عندما تصطدم بتحايل الإسرائيليين للحصول علي مزيد من الأرض.. ومن فسلطين أيضا «اسمي أحلام» وهو فيلم تسجيلي لفتاة تعاني من سرطان الدم، وتتابعها المخرجة ريما عيسي لمدة عام كامل في محاولات العلاج والشفاء حتي تموت وهو عمل شديد الانسانية والتأثير.. وهناك الفيلم العراقي «مسكن الفزاعات» الذي يدور في قالب في الفانتازيا والرمز حول شخصية الديكتاتور وتدور الاحداث في زمن الحرب العراقية الإيرانية.. ومن لبنان «تيتا ألف مرة» إخراج محمود قعبور وهو عمل جميل، وقد استحق جائزة الجمهور رغم أنه فيلم تسجيلي، ومدته 48 دقيقة فقط.. أما الفيلم السويدي «مرجلة» للمخرج جوزيف فارس وهو من أصل لبناني، وتقوم أحداثه علي الحياة الاسرية والجنسية، فقد كان في المسابقة العربية أيضا، وفاز بجائزة الاخراج «100 ألف دولار».. وتبقي جائزة الجمهور لاحسن فيلم روائي، وفاز بها الفيلم البريطاني «طالب الصف الاول» الذي عرض في حفل الختام. لقد نجح مهرجان الدوحة ترايبكا السينمائي في تطوير نفسه في فترة زمنية لم تتعد سنة واحدة، ووضع نواة اقامة حالة سينمائية في قطر لم يكن لها أي تواجد منذ عام وعدة أشهر.. ولاشك أن المهرجان سوف يصبح أداة لجذب الافلام العربية التي يبغي مخرجوها ومنتجوها الدعم والتمويل، إذا استمر في تحقيق برنامجه الطموح، وسوف يكون اضافة للسينما العربية التي تقوم علي أفكار وتقنيات مختلفة وغير تقليدية.