· زكريا عبدالعزيز: القاضي ليس مطالباً بتفسير تطبيق الرأفة علي بعض المتهمين دون آخرين والقضايا ليست «اسطمبة واحدة» · أحمد مكي: لا يمكن مساواة معتادي الإجرام بمن يقدم علي جريمة بالصدفة ومادة الرأفة موجودة منذ الملك فاروق المادة 17 من قانون العقوبات التي كشفت عنها حيثيات الحكم علي رجل الأعمال هشام طلعت مصطفي وضابط أمن الدولة السابق محسن السكري المتهمين بمقتل المطربة الراحلة سوزان تميم والتي كانت السبب في تخفيف الحكم علي المتهمين من الإعدام الي السجن 15 السنة للأول و28 سنة للثاني فتحت الباب أمام تساؤل فرض نفسه وهو لماذا لا تطبق تلك المادة في قضايا الإعدام أو المؤبد التي تمتلئ بها المحاكم؟ وهل يعتبر عدم استخدامها مع أحد المتهمين اخلالاً بحقه بعد أن كفل قانون العقوبات له ذلك. المادة تؤكد أنه يجوز في الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوي العمومية استحقاق رأفة القضاة بتبديل عقوبة الإعدام بعقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، وعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بعقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن وعقوبة الاشغال الشاقة المؤقتة بعقوبة السجن أو الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ستة أشهر وعقوبة السجن بعقوبة الحبس التي لا يجوز أن تنقص عن ثلاثة أشهر.. لتثبت تلك المادة من قانون العقوبات علي أن حق الرأفة قد يحول مسار القضية ويرجع ذلك للقاضي نفسه. المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادي القضاة السابق يري إن الحكم بالنقض في احدي القضايا يعني أن القاضي في دائرة الجنايات الجديدة ينظر القضية من البداية دون أي اعتبارات للحكم السابق وهو ما حدث بالفعل في قضية هشام طلعت مصطفي التي استخدم فيها رئيس المحكمة نص المادة 17 من قانون العقوبات لاعتبارات رآها هو من خلال فحصه لأوراق القضية التي تداولت أمامه فاتخاذ القرار بالرأفة لا يلزم القاضي بتعليل ذلك وذكر الأسباب فكل قضية لها ظروفها وملابساتها التي يضعها القاضي في الاعتبار فمثلاً هناك من القضاة من يجد أن الدافع للجريمة هو استفزاز المجني عليه فمهما كان التشابه بين وقائع القضايا إلا أن ظروف كل متهم تختلف فالقضايا ليست «اسطمبة واحدة» والقاضي غير ملزم لذكر الأسباب فهي تترك له فقط فالعقوبة لا تقع علي المتهم بمفرده وإنما علي العائلة كلها ولذلك كفلت هذه المادة للقاضي الأخذ بكل العوامل المحيطة بالقضية وعدم أخذ القاضي بتلك المادة أو تنفيذها لا يعد إخلالاً بحق المتهم أو يضر به لأن اصدار الحكم لا يكون بين يوم وليلة وإنما يأخذ من القاضي الكثير حتي ينطق به دون أن يكون بداخله أي شك تجاه ذلك الحكم. الأمر متروك لتقدير المحكمة ولا يوجد أي إلزام علي القاضي للأخذ به إلا عقيدته واطمئنانه لصدور الحكم ، هذا ما أكده المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض قائلاً: إن المادة 17 من قانون العقوبات تم العمل بها منذ الملك فاروق وقد تم استخدامها في الكثير من القضايا بعد أن تأخذ بها هيئة المحكمة بالظروف والملابسات التي وقعت فيها الجريمة ليتم وضع ذلك كله أثناء الحكم فالقانون لا يلزم القاضي بتوقيع عقوبة معينة في القضايا وإنما ترك له حرية إصدار الأحكام طبقاً لما يتراءي له ومن معه من هيئة المحكمة فلا يمكن أن أساوي معتادي الإجرام بالمتهم الذي قام بجريمته بالصدفة ولذلك أعطت تلك المادة للقاضي مساحة يتحرك فيها طبقاً لما يري هو دون الزامه بتوضيح الأسباب ودون الزامه أيضاً باستخدام تلك المادة. ومن جانبه أكد المستشار هشام جنينة أن القانون لا يمكن أن يساوي بين معتاد الإجرام ومن وضعته الظروف لارتكاب تلك الواقعة ولكن هذا لا يعد مبرراً للرأفة ولكن أيضاً من حق القاضي أن يستخدم ما كفله له القانون من رأفة أولا طبقاً لما يراه هو دون الزامه بذلك وقد تم تطبيق تلك المادة في العديد من القضايا إلا أنها لم تكن تلقي اهتماماً من الرأي العام وبالتالي فهي ليست مجهلة أو بعيدة عن ذهن القاضي الذي يستخدم ضميره أثناء تداول القضية وبالتالي لا يتواني في استخدام تلك المادة إذا وجد من الملابسات والظروف النفسية فكيف يأخذ بها في قضية متهم فيها سفاح بارتكاب احدي الجرائم فالعدالة هنا تقتضي القصاص منه حرصاً علي المجتمع لكن طالما أن المتهم قد أحاطت به ظروف نفسية أو لم يكن هو بطبيعته مجرماً فالقاضي ينظر لكل هذه الأبعاد ويمحص في الأوراق جيداً وعندما يستقر في وجدانه أنه لم يكن مجرماً فيأخذ القاضي بالمادة 17 من قانون العقوبات وعدم استخدامها لا يعد إخلالاً بحق المتهم فقد تكون القضية تحمل ظروفاً والمتهم ليس من معتادي الإجرام ولكن القاضي يري أنه لا يحتاج لتخفيف العقاب. ويضيف المستشار هشام جنينة :إنه مثلا في قضايا الثأر بالصعيد يكون هناك أبعاد أخري للقضية ليس فقط ارتكاب الجريمة ويكون للقاضي الحق في الحكم علي المتهم بالإعدام ولكن نجد الكثير من القضاة يصدرون أحكاماً مخففة لأن قضية الثأر تحديداً تتم ليس بدافع القتل وإنما يكون وراءها شحن اجتماعي وعادات وتقاليد يتم غرسها منذ الصغر تحيط جميعها بالمتهم عند اقدامه علي ارتكاب الواقعة. ويري المستشار رفعت السيد رئيس نادي قضاة أسيوط أنه لا يمكن اجبار قاضي علي استخدام المادة «17» من قانون العقوبات التي تعطي له الحق في النزول بالعقوبة المقررة لأحد المتهمين، فالقاضي يطبق حق المجتمع في توقيع العقوبة ضد المتهم وهذا هو الشق الجنائي أما الشق المدني فيتعلق بأهل القتيل، وعدم استخدام القاضي للمادة أو الأخذ بها لا يعد تقصيراً يعاقب عليه وإنما الحكم يصدر في النهاية والقاضي مطمئن له ويتوافق مع ضميره بعد الأخذ بالكثير من الاعتبارات وبالتالي فلا يوجد ما يلزم القاضي بتطبيق تلك المادة أو ما يلزمه بذكر أسباب الأخذ بها في قضية دون الأخري.