صدمة لم نزل نعيش أثرها في القاهرة، وهي خواء الوسط الفني من قامة فنان كبير مثل الشيخ حسني، واليوم بعد مرور عامين على رحيل محمود عبد العزيزفي الثالث عشر من نوفمبر عام 2016، لم يزل مقعده شاغرا، دليلا على خسارة السينما برحيله. ترك محمود عبد العزيز إرثا سينمائيا وتلفزيونيا هائلا، لينضم إلى كوكبة الراحلين الرائعين، الذين ظهروا معا، وحفروا طريقا شقوه معا، أو بالتجاور في بعض الأحيان، والمميز لإرث محمود عبد العزيز، تنوعه، فهو من لعب أدوار الفتى الوسيم، والحبيب العاشق، المخلص لزوجته، كما في فيلمه حتى آخر العمر، كما لعب دور الشاب العابث زير النساء كما في فيلمه "البنات عايزه إيه" وهو العاطل، ابن الأعيان، في فيلمه "يا عزيزي كلنا لصوص" وهو أيضا البلطجي، صاحب الحانة، في فيلمه الشهير "أبناء وقتلة".
جسد محمود عبد العزيز أدوار المرحلة بامتياز، ففي السبعينات، ومع شيوع النمط الاستهلاكي، وصعود موجات سقوط المخدرات في فخ تجار المخدرات، والهيروين، جسد دور "شيخون" في "أبناء وقتلة" الذي كان على خلاف مع زوجته الراقصة، فاكترى عليها قاتلا، ثم تخلص منه بعد ذلك، وتحول ليكون تاجر سلاح، يتخلص من شريكه في المحل، ويتحول إلى مورد سلاح لمطاريد الجبل، والمجرمين، أما دوره الأشهر "رأفت الهجان" الذي ختمه بخاتمه الخاص، فكان "رأفت الهجان" العميل المصري الذي خدم مصر، وجلب لها أسرار أعدائها، وهو العمل الفني الذي جعل أجيال يفتتنون بأدائه، وينما بدأ بث المسلسل بأجزائه في الثمانينات، كانت إطلاله على الشاشة الصغيرة آسرة لقلوب المصريين، وخاصة هؤلاء الذين كانوا يفكرون في السفر للخارج وهو الحلم الذي كان يراود أجيال، بينما تصعد نماذج الاقتصاديين الإسلاميين الذين يستحوذون على تحويشة عمر المصريين، فكان أداء محمود عبد العزيز مثالا لحلول أخرى أمام الشباب المصري الحالم بتغيير واقعه.
وكان تأثير محمود عبد العزيز السينمائي كبيرا بقدر تأثيره في الشاشة الصغيرة، ونتذكر هنا فيلمه " سيداتي آنساتي" عام 1989، الذي كان فيلما عائليا شاهدته في السينما أسر مصرية دون حرج، وضحكت على الموظف الذي يتزوج أربع نساء، فكرن في حل لمشكلة عنوستهن، وهي إحدى المشاكل التي ضربت المجتمع المصري منذ أمد بعيد، والكوميديا السوداء التي تتمثل في حل مأساتهن بالاقتران من رجل واحد، وعقد قران واحد لهن، وربما تكون هذه هي أولى أفكار حفلات عقد القران الجماعي. برع محمود عبد العزيز في دوره الأشهر "الشيخ حسني" في فيلم "الكيت كات" المأخوذ عن رواية مالك الحزين للروائي الكبير الراحل إبراهيم أصلان، وهو العمل الذي قاد أجيال إلى قراءة الرواية، والتعرف على أصلان، في زمن الفيلم، وهو العمل السينمائي الذي للمرة الأولى اتخذ من فضاء مدينة إمبابة مسرحا سينمائيا للمرة الأولى، وكانت إمبابة قد تصدرت الصحافة المصرية في ذلك الزمن بوصفها معقلا للإسلاميين والمتطرفين، وجمهورية منفصلة لأوكارهم. أكثر أعماله التي خاطبت الوجدان والمجتمع المصري، كان دوره في فيلم "الدنيا على جناح يمامة" سائق التاكسي الشهم، الطيب، الذي يعاون سيدة على إنقاذ حبيبها من محبسه في مستشفى الأمراض العقلية، وكذلك فيلمه الاجتماعي المهم "الشقة من حق الزوجة" التي جسد فيها ببراعة واقتدار دور الموظف المصري المطحون، المعذب بين متطلبات زيجته وضغط الحياة الاقتصادي، ويحتفظ هذا الفيلم بمجموعة من أشهر إيفيهات محمود عبد العزيز، التي جسدت خفة ظله السينمائية.