المعركة تدور فى المنطقة على كسب العقول والقلوب، وقد دخل معاذ برنين اسمه المسلم إلى قلب كل عربى، ونزل دمه لعنة على الظالمين، وأخرس ألسنة المتنطعين، وحسم تصميم الرأى العام العربى على قدسية الحرب ضد داعش والداعشيين، وجعلها واجبا دينيا، قبل أن تكون فرضا وطنيا وقوميا، وتذكروا جيدا يوم ظهور فيديو حرق معاذ، إنه بداية النهاية الكاسحة لداعش والداعشيين، ومن لف لفهم من المتنطعين المزورين لدين الإسلام. ليس الذى احترق هو معاذ الكساسبة، بل أرادوا حرق الإسلام نفسه، وتصوير المسلمين كجماعة من الهمج المتوحشين مصاصى الدماء عبدة النار، وليس من معنى آخر لقفص النار الذى وضع به الطيار الأردنى الشهيد فى رحلته الأخيرة إلى السماء. ولم يعد من معنى لوصف «داعش» بالتشدد الدينى، ولا بأنها جماعة من المتطرفين المغالين فى فهم الدين، فليس فى القصة دين من أصله، والإسلام دين الفطرة، وكل ما تنكره الفطرة الإنسانية، ينكره دين الإسلام، وليس من نفس إنسانية سليمة تستسيغ وحشية فيديو إعدام الكساسبة حرقا بالنار. نعم، المسألة ليست سوء فهم الإسلام، بل عداء وكيد للإسلام مع سابق الإصرار والترصد، ولا معنى لأحاديث سفيهة مبتذلة عن سوابق فى التاريخ الإسلامى، ولا نسبة وقائع مدسوسة للخليفة أبو بكر أو للإمام على أو لخالد بن الوليد، فلا شىء من ذلك حتى لو صح افتراضا يرمى بالتهمة على الإسلام نفسه، ولا شىء من ذلك يدخل فى باب الإيمان بدين الإسلام، فالإسلام ليس كهنوتا، ولا تفسيرات ولا تهيؤات، ولا فتاوى تنسب لابن تيمية أو غيره، فالإسلام إيمان وتسليم بالقرآن الكريم وسنة النبى الصحيحة المتواترة، ثم لا شىء بعد ذلك يعد دينا، ولا شبه دين، فلا مذاهب ولا فقهاء ولا شذوذ ينسب لغير أصحابه، وتاريخنا كتاريخ غيرنا فيه آلاف المفاخر وآلاف المخازى، والتاريخ ليس دينا، والإسلام الذى لا يجيز حرق شجرة، لايمكن أن يسيغ حرق الإنسان الذى هو بنيان الرب، والتعذيب بالنار من اختصاص الله تعالى وحده فى الآخرة الموعودة، وليس فى مقام الدنيا التى هى مزرعة الآخرة، وبتكافؤ الفرص فى اختبار إنسانى، ينتهى إلى الثواب أو إلى العقاب الأخروى. نعم، من العبث والسفه أن يناقش حرق الإنسان، وكأنه قضية خلاف دينى، بل هو الخلاف مع الدين، والمناهضة له، والخدمة الصريحة المباشرة لأعداء الإسلام، ولو بحث هؤلاء عن طريقة لهدم الإسلام، وحرق صورته، والتنفير منه، لما وجدوا أفضل من داعش والداعشيين، و«داعش» ليست مجرد جماعة من الشواذ الخوارج الساديين، بل «الدعشنة» هى أعلى مراحل تطور جماعات تسمى نفسها زورا بالحركة الإسلامية، فالدودة فى أصل الشجرة، وبذرة الدعشنة موجودة فى عقل كل جماعات اليمين الدينى الجهول، تنتظر الظروف المناخية المناسبة للازدهار، وإنبات شجرة العلقم، واستباحة القتل والتدمير والحرق للحرث والنسل، وإبادة المسلمين باسم الإسلام (!). وسوف يدخل اسم معاذ الكساسبة إلى التاريخ من أوسع أبوابه، وسوف ينزل دمه لعنة على رءوس داعش والداعشيين، صحيح أن حرق معاذ ليس أول جريمة من نوعها لداعش، وليست أول إهانة للإسلام، وربما لن تكون الأخيرة، فقد سبق لداعش أن ذبحت رهائن من الأمريكيين والأوروبيين واليابانيين، وصورت فيديوهات الذبح فى تفاخر جهول، وأساءت للإسلام بأكثر مما يفعل خصومه، وفى جرائم تنكرها الفطرة، كما ينكرها الدين، لكن الجدال مع ذلك كان يجد مجاله واسعا، ولو على سبيل اللجاج، ومن نوع تصوير الذبح كأنه وسيلة للانتقام والتشفى، ومن مواطنى دول اعتدت على ديار الإسلام والمسلمين، كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها، وقد حاربتنا هذه الدول، ودمرت بلادنا، وسرقت ثرواتنا، وزرعت كيان الاغتصاب الإسرائيلى بين ظهرانينا، وكل ذلك صحيح، ويجيز محاربة جيوشهم التى تحاربنا، لكنه لا يجيز قتل غير المحاربين من الرهائن المذبوحين، فحرمة الدم أشد عند الله من حرمة الكعبة، ومن قتل نفسا بغير نفس، فكأنما قتل الناس جميعا، وهذا هو الإسلام الذى يريد الداعشيون حرقه، ورميه فى بئر الضلالات، تماما كما حرقوا معاذ الأسير الأردنى المسلم بنار المجوس الدواعش، وهى ذات النار التى أراد الكافرون بها حرق سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء. وليس لداعش ولا لأشباهها قضية دينية ولا قضية وطنية، ودعك هنا من قضية الأوطان، فهى فى عرف الحركات المسماة بالإسلامية مجرد قبضات من تراب مدنس، وما من سند عند هؤلاء يثبت أولوية الأديان، بل دينها هو القتل من أجل القتل، وسرقة الأموال واحتجاز السبايا، وتصوير المسلمين كحيوانات غابة، وإحلال شريعة الغاب محل شريعة الإسلام، والانتقام من الدين لا الانتقام لأهله، وراقب ما جرى مثلا ما جرى لسنة العراق بعد ظهور خلافة داعش اللعينة، فقد ظلت رءوسهم تطير فى مذابح جماعات الغزو الإيرانى، ولم يضف إليها سوى مذابح الفناء بأيدى الداعشيين، والمصير نفسه يحدث فى سوريا للسنة قبل غيرهم، ودون أن تطلق رصاصة واحدة باتجاه كيان الاغتصاب الإسرائيلى، ولا أن يذبح إسرائيلى واحد، برغم أن «داعش» و«الداعشيين» ينتشرون بكثافة على حدود فلسطينالمحتلة، وعلى جبهات سوريا ولبنان والأردن وسيناء، وما من تفسير معقول ولا مقبول، سوى أن هؤلاء يعرفون الدور الموكل إليهم جيدا، فقد وجدوا للعب دور «إسرائيل الأخرى»، والتى تقتل العرب والمسلمين نيابة عن إسرائيل، وتوفيرا لمال وجهد ودم الإسرائيليين والصهاينة، وتدميرا لبلداننا بما يفوق ما فعلته أمريكا وإسرائيل، فقد دمروا بلادنا بأكثر مما تستطيعه قنابل إسرائيل الذرية. وقد يقال لك إن أمريكا تدير ما تسميه التحالف الدولى ضد «داعش»، وهذه عملية نصب وخديعة مفضوحة، فأمريكا لم تقل أبدا إنها تريد القضاء على «داعش»، وغارات طائراتها أشبه بزقزقات العصافير، وهدفها المعلن هو إضعاف داعش لا القضاء عليها، والمعنى صريح بغير التباس، فهى تضعف كل الأطراف لتستمر الحرب سجالا، وتمتد لسنوات طويلة، يهلك فيها ما تبقى من بشر وحجر، استنزافا لثروات المنطقة، وإلهاء لشعوبها عن أولوية الحرب ضد إسرائيل، وإنهاكا للجيوش وجماعات السلاح، وحتى تظل إسرائيل هى الملجأ والملاذ، وإلى أن ينمحى كل فرق بين ذقون الداعشيين وذقون حاخامات إسرائيل. نعم، الإرهاب ملة واحدة، وإن اختلفت الصور، وتنوعت فى الظاهر، من أمريكا إلى إسرائيل إلى داعش، وإلى الداعشيين من الجماعات التى تسمى نفسها زورا بالإسلامية، والمحصلة فى النهاية واحدة، وقد برعت «داعش» فى تصوير جرائمها وغزواتها الإرهابية، تعلمت من سينما «هوليوود» الأمريكية، وتفوقت عليها، وتصورت أن فيديوهات الذبح تثير الرعب، وتجلب المزيد من الأنصار لغواية القتل، وبدا لوقت، أن هذه الوسيلة عظيمة النجاح، لكن الاعتياد على مشاهدتها خفف من رهبتها، وقتل فعل الصدمة فيها، فأرادت داعش الانتقال لوسيلة غيرها، ودبرت حادث قتل معاذ الكساسبة بالحرق حيا داخل قفص حديدى، بدت داعش كأنها تنتج فيلما جديدا، يفوق فى رعبه كل ما سبق، وكانت هذه غلطة الشاطر، فالشىء الذى يزيد عن حده ينقلب إلى ضده، والضحية هذه المرة شاب مسلم، أنزل الله عليه سكينته لحظة احتراق جسده، وراح الشاب الوسيم المحترق يتمتم بالشهادتين، ويركع لله، ويشهده على جرائم المتوحشين، وهو ما يفسر الأثر العكسى تماما لفيلم حرق الكساسبة، فالمعركة تدور فى المنطقة على كسب العقول والقلوب، وقد دخل معاذ برنين اسمه المسلم إلى قلب كل عربى، ونزل دمه لعنة على الظالمين، وأخرس ألسنة المتنطعين، وحسم تصميم الرأى العام العربى على قدسية الحرب ضد داعش والداعشيين، وجعلها واجبا دينيا، قبل أن تكون فرضا وطنيا وقوميا، وتذكروا جيدا يوم ظهور فيديو حرق معاذ، إنه بداية النهاية الكاسحة لداعش والداعشيين، ومن لف لفهم من المتنطعين المزورين لدين الإسلام. يوم أحرق التونسى «البوعزيزى» نفسه، كانت شرارة الثورات العربية، كان «البوعزيزى» محبطا أسيرا لبؤسه، تماما كما كان معاذ أسيرا عاجزا لحظة احتراقه، وأضاء احتراق البوعزيزى قلوبنا وعقولنا، تماما كما يضيئها الآن فيديو حرق معاذ، وينفض الخبث عن صدورنا، ويستعجل ساعة النصر، ورد اعتبار الإسلام المهان حرقا.