لكل الجثث نفس الغسل ما عدا الجثث المحروقة أو المتفحمة فلا تغسل بل تيمم بالتراب فقط، وذلك للوجه واليدين والأرجل وبعد ذلك تكفن الجثة مشرحة زينهم عالم فى خارجه الهدوء، ولكن عندما تخوض فيه نجده عالماً مليئا بالأسرار والخفايا، خاصة بعد حدوث ثورتين شهدتا وقوع العديد من الضحايا والشهداء، «الشيخ سعيد»، كما يلقبه الجميع هنا هو أقدم مغسل بالمشرحة، وكشف لنا اسرار سنوات عمله ال18 بالمشرحة ويقول إنه لم ير مثل احداث الثورة طوال حياته، وعن شهداء الثورة قال «كلهم كانوا ولاد ناس.. شهداء بجد»، موضحاً أن اغلب الجثامين التى قام بتغسيلها منذ اندلاع الثورة «وجوههم كان مرسوما عليها الهدوء والسعادة». ■ فى البداية ما هى الاجراءات التى تقوم بها وقت استلام الجثة؟ - هناك عدة خطوات، ففى البداية تتم «نحنحة» المتوفى من بقايا الطعام والبراز ثم يتم تشطيفه بالماء، وذلك بالقطن المبلل حتى لا يمس جسد المتوفى وهذه المرحلة اسمها رفع الجنابة، ثم بعد ذلك توضئته بالماء ثم مرحلة الغسل بالماء والصابون ونستخدم فيه «اللوف» وبعد ذلك غسل الجثة بالماء والكافور أو ماء الورد ثم تأتى مرحلة التكفين وبعدها يتم تطييب الكفن بالمسك أو الكافور حسب السنة. ■ هل كل الأموات تغسل وتكفن بهذه الطريقة؟ - أكيد كل الجثث نفس الغسل ما عدا الجثث المحروقة أو المتفحمة، فلا تغسل بل تيمم بالتراب فقط، وذلك للوجه واليدين والأرجل، وبعد ذلك تكفن الجثة ويتم رش الكافور أو ماء الورد على الكفن. ■ هل غسل الجثث التى خضعت للتشريح مثل غسل الجثث التى لم تشرح؟ - هو نفس الغسل لكن الجثث «المتشرحة» تحتاج إلى مياه كثيرة لغسلها من الدم الناتج عن عملية التشريح، حيث إن التشريح يكون بنشر طاقية، الرأس، ثم الفتح من أسفل الذقن إلى آخر البطن، وأخذ العينات لمعرفة سبب الوفاة ثم خياطة ما تم فتحه لتعود الجثة إلى وضعها الطبيعى. ■ هل اختلف العمل داخل المشرحة قبل الثورة عنه بعدها؟ - اختلف كليا لأن بعد الثورة ممكن نطلع يوميا من 8 إلى 12 جثة وممكن أكثر وهناك أيام كنا بنقعد 3 أيام نشتغل علشان نخرج الجثث التى كانت تتراكم بكثرة فى الثلاجات علشان نسلمها لذويهم، أما الجثث المجهولة فكان يتم وضعها فى الثلاجة لحين التعرف عليها وفى حالة استمرار ذلك تنظر قرار النيابة العامة لتغسيلهم وتكفينهم ودفنهم فى مقابر الصدقة. ■ رأيت مواقف كثيرة من خلال عملك فى المشرحة فما أغرب موقف تعرضت له؟ - كان هناك طفل صغير توفى فى حادث وحضرت جثته للمشرحة «وقتها مقدرتش اكفنه كان وشه «بيضحك» وأنا خرجت وخليت حد تانىa يقوم بتغسيله والدموع سبقتنى». ■ ما الصعوبات التى تواجهها فى عملك؟ - شىء واحد فقط وهو جهل المواطن بالطب الشرعى، فعندما يحضر أهل المتوفى الغسل ويفاجأون بأنه مفتوح البطن والرأس فيعتقدون أننا قمنا بسرقة أعضائه، فتبدأ محاولات التهجم علينا ونحن طبعا نضع أنفسنا مكان أهل المتوفى ونتحملهم إلى أبعد الحدود ونحاول أن نعرفهم معنى التشريح حتى يقتنعوا هذه التجاوزات زادت بعد الثورة لعدم وجود شرطة خارج المشرحة لتأمينها مثلما كان قبل الثورة. كما أن هناك واقعة تعرضت لها قبل الثورة كنت بغسل جثة وكان فيه مشاكل بين أهالى المجنى عليه ودخلوا عليا المغسلة ورفعوا السلاح فى وشى لمنعى من استكمال شغلى ولكن تم حل المشكلة و« استكمال الغسل». ■ ما الكوارث التى عاصرتها فى فترة عملك فى المشرحة؟ - حضرت كوارث عديدة منها طائرة شرم الشيخ والأشلاء التى جاءوا بها لأن كل الضحايا خرجوا من البحر بعد فترة والعبارة السلام 98 التى غرقت فى البحر الأحمر ولكن أكبر كارثة عاصرتها فى المشرحة كانت حادث حريق قطار الصعيد. ■ ماذا عن شهداء ثورتى 25 يناير و30 يونيو؟ - الله يرحمهم جميعا الواحد بيغسلهم ويخرج يبكى على دمهم وشبابهم اللى راح هدر وأن اكتر الناس اللى بتزعل عليهم اهاليهم لأن اللى «بيروح ضناه.. بيروح عقله « الله يكون فى عونهم». ومن العجائب التى حدثت لى أثناء تغسيلى أحد شهداء الثورة وكان تصنيفه من المجاهيل «غير المعروف هويتهم» ولكن أثناء تغسيلى له استنشقت رائحته وشعرت وكأنها مسك فى جسده وحتى الآن لم أستنشق هذه الرائحة الطيبة وأنا بغسل الميتين فى المشرحة». ■ ما هى اصعب المواقف التى تعرضت لها فى المشرحة خاصة بعد 30 يونيو والتعامل مع الشائعات؟ - المشرحة تعرضت لمحاولة الهجوم على الثلاجات بعد الشائعات بعدم تغسيل وتكفين الموتى وتزوير التقارير الطبية بنفى وجود أى إصابات بطلق نارى وصمموا على انهم يحضروا معانا التغسيل والتكفين من اجل التأكد من الاصابات والحصول على تقرير طبى بها. ■ كيف تجد معاملة الناس معاك فى خارج المشرحة واصعب المواقف التى تعرضت لها؟ - فى بداية عملى كان الموضوع صعب عليا لأن الناس مش عارفة يعنى ايه مهمة المغسل، خاصة انه يعمل فى المشرحة التى يختلف فيها العمل علي باقى المغاسل والناس فى الأول مكنتش ترضى تسلم عليا رغم أنى بجهز الناس لمثواهم الأخير. ■ كيف تتعامل مع عائلتك وزوجتك؟ - من حسن حظى ان زوجتى «أم عاطف» تقوم بالعمل فى المغسلة وتقوم بالتكفين فى مشرحة زينهم. وفى النهاية قال الشيخ «سعيد» إن أصعب شىء يواجهه فى المغسلة انه فى هذا المكان بيظهر عمل الإنسان الصالح من السىء ولكن احنا بنحافظ على أسرار الموتى وربنا يرحم الجميع ونتمنى يصلح حال البلد وهى ماشية فى الطريق الصحيح ويحفظ الشباب اللى ماتوا وراح دمهم.