سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أشهر «مغسل» فى مشرحة زينهم: جرائم القتل كانت «عزيزة».. وحاليا نستقبل 5 جثث على الأقل يومياً «الصعيدى» من عالمه المخيف: نقلت السيدة المذبوحة مع أطفالها الأربعة إلى «الثلاجة».. ورفضت «تجهيز» القتلة بعد إعدامهم
تحولت «مشرحة زينهم» مؤخرا، إلى محطة مهمة فى سلسلة الأحداث الدموية التى تشهدها مصر بين آن وآخر، وتحديدا فى عهد ما بعد ثورة 25 يناير وما تلاها من أحداث دموية تفجرت فى مظاهرات خلع مبارك مرورا بموقعة الجمل وأحداث ماسبيرو ومجلس الوزراء والعباسية وغيرها، بخلاف ما نتج عن ماكينة الفوضى فى ربوع مصر. مشرحة زينهم عالم غامض ومخيف لكنها كجزء من مصلحة الطب الشرعى، تبقى شاهدا على المرحلة الحالية ومحمد الصعيدى، 38 سنة، هو أشهر مغسل فى المشرحة، «الوطن» التقته كى يبدد هذا الغموض، ويغوص بنا فى هذا العالم المخيف. * منذ متى تعمل بالمشرحة؟ - عملت فى هذه المهنة منذ 23 سنة وكان عمرى وقتها 15 عاما، وبدأت مع الحاج سيد الذى علمنى أصول المهنة، وبعد ذلك كانت هناك جثة مجهولة لذكر، مطلوب أن نجهزها، أى نغسلها ونكفنها، فطلب منى الحاج سيد أن أجهزها، فقمت بتجهيزها، وكانت بالنسبة لى شهادة التخرج، ومن وقتها وأنا أعمل فى هذه المهنة. * ولماذا تعتبر الجثة المجهولة شهادة تخرجك؟ - لأن الجثة المجهولة ليس لها أسرة تقف عليها أثناء الغسل، مما يجعلنى أعمل وأنا مرتبك. * هل غسل الجثث التى خضعت للتشريح مثل غسل الجثث التى لم تشرح؟ - هو نفس الغسل، لكن الجثث «المتشرحه» تحتاج إلى مياه كثيرة لغسلها من الدم الناتج عن عملية التشريح، حيث إن التشريح يكون بنشر طاقية، الرأس، ثم الفتح من أسفل الذقن إلى آخر البطن، وأخذ العينات لمعرفة سبب الوفاة ثم خياطة ما تم فتحه لتعود الجثة إلى وضعها الطبيعى. * كيف يغسل الميت ويكفن؟ - هناك عدة خطوات، ففى البداية يتم «نحنحة» المتوفى من بقايا الطعام والبراز، ثم يتم تشطيفه بالماء، وذلك بالقطن المبلل حتى لا يمس جسد المتوفى، وهذه المرحلة اسمها رفع الجنابة، ثم بعد ذلك توضئته بالماء، ثم مرحلة الغسل بالماء والصابون، ونستخدم فيه «اللوف»، وبعد ذلك غسل الجثة بالماء والكافور أو ماء الورد، ثم تأتى مرحلة التكفين وبعدها يتم تطييب الكفن بالمسك أو الكافور حسب السنة. * هل كل الأموات تغسل وتكفن بهذه الطريقة؟ - أكيد كل الجثث نفس الغسل ما عدا الجثث المحروقة أو المتفحمة، فلا تغسل بل تيمم بالتراب فقط، وذلك للوجه واليدين والأرجل، وبعد ذلك تكفن الجثة ويتم رش الكافور أو ماء الورد على الكفن. * هل اختلف العمل داخل المشرحة قبل الثورة عنه بعدها؟ - اختلف كليا لأن قبل الثورة لما كان الشغل «مقطع بعضه «كنا نطلع 5 جثث أما بعد الثورة فممكن نطلع يوميا من 8 إلى 12 جثة وممكن أكثر، لكن مش ممكن أقل من كده، هذا بخلاف أن قبل الثورة كانت حالات القتل قليلة و«عزيزة» يعنى بمعدل حالة كل كام يوم لكن دلوقتى مفيش يوم بيعدى إلا لما يدخل المشرحة مش أقل من 4 أو 5 حالات قتل. وفى أيام بيكون فى أكثر من كده. * طبعا كل جثة وراءها جريمة. فما الجرائم التى اختفت وبدأت تظهر مرة أخرى؟ - لا توجد، ولكن فيه ظاهرة من بعد الثورة ظهرت وكل يوم فى زيادة، وهى قتل الأزواج لزوجاتهن، ونظرا لأن المشرحة تخدم 3 محافظات، فلقد لمست هذه الظاهرة ولكن كل الحالات من القاهرة والجيزة تقريبا. وبالنسبة للظواهر التى اختفت فهى قتل الأبناء للآباء. * رأيت مواقف كثيرة من خلال عملك فى المشرحة فما أغرب موقف تعرضت له؟ - من 8 سنين حدثت جريمة قتل هزت مصر من شمالها إلى جنوبها، عندما قام 3 عمال بذبح سيدة وأبنائها الأربعة وجاءوا المشرحة، وقمت بنقلهم من سيارة الإسعاف إلى ثلاجة المشرحة، وكان من بينهم طفل عمره 3 سنوات، وبمجرد أن حملته من سيارة الإسعاف متجها إلى الثلاجة وجدت رعشة فى جسدى، وأغمى علىَّ ولحسن الحظ كان سائق سيارة الإسعاف قريبا منى فأمسك الطفل قبل السقوط على الأرض. وبعد عدة شهور وأثناء عملنا وجدنا سيارة الإسعاف تحضر لنا 3 جثث من السجن تم تنفيذ حكم الإعدام فيهم. والمفاجأة أنهم كانوا المجرمين الذين قتلوا السيدة وأبناءها، وتم تشريحهم، وبعد ذلك طلبوا منى أن أغسلهم وأجهزهم فرفضت، وحضر مغسل من خارج المشرحة. * ما الصعوبات التى تواجهها فى عملك؟ - شىء واحد فقط، وهو جهل المواطن بالطب الشرعى، فعندما يحضر أهل المتوفى الغسل ويفاجأون بأنه مفتوح البطن والرأس فيعتقدون أننا قمنا بسرقة أعضائه، فتبدأ «قلة الأدب» ونحن طبعا نضع أنفسنا مكان أهل المتوفى ونتحملهم إلى أبعد الحدود، ونحاول أن نعرفهم معنى التشريح حتى يقتنعوا، هذه التجاوزات زادت بعد الثورة لعدم وجود شرطة خارج المشرحة لتأمينها مثلما كان قبل الثورة. * ما الكوارث التى عاصرتها فى فترة عملك فى المشرحة؟ - حضرت كوارث عديدة ومنها طائرة شرم الشيخ والأشلاء التى جاءوا بها، لأن كل الضحايا خرجوا من البحر بعد فترة، والعبارة السلام 98 التى غرقت فى البحر الأحمر، ولكن أكبر كارثة عاصرتها فى المشرحة كانت حادث حريق قطار الصعيد. * هل رأيت شيئا لا تزال تذكره؟ - وجدت أما متفحمة وابنها فى حضنها متفحم أيضا. * هل وقف عملك فى طريق زواجك؟ - لا، لأن حماتى كانت تغسل النساء فى كثير من الأحيان لله، دون أخذ أجر، وبالتالى فهى تفهم طبيعة عملى وتقدره.