الأقباط يؤدون صلوات الجمعة العظيمة بدير القديس متاؤس في الأقصر    وزارة العمل: توفير 3408 فرص عمل جديدة في 55 شركة خاصة    وأنت في مكانك، خطوات تجديد بطاقة الرقم القومي أونلاين    تنبيه مهم من بنك مصر للعملاء    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الجمعة في الأسواق (موقع رسمي)    مصر تدخل عصر رقمنة البيانات الحكومية    طريقة تشكيل لجان نظر التظلمات على قرارات رفض التصالح في مخالفات البناء    ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة (موقع رسمي)    ربط الوادي الجديد ب"الصعيد".. وزير الإسكان: تنفيذ محور "الخارجة - سوهاج" بطول 142 كم    سيناتور أمريكي يصف مظاهرات الجامعات الأمريكية الداعمة لفلسطين ب "فيتنام بايدن"    حرب غزة، رسائل مصرية قوية للعالم لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى    تايوان ترصد 26 طائرة و5 سفن صينية بمحيط الجزيرة    وزير الدفاع الأمريكي: القوات الروسية لا تستطيع الوصول لقواتنا في النيجر    غارات صاروخية لحزب الله على شمال إسرائيل    الأهلي يواجه سبورتنج في نهائي كأس السلة للسيدات    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    ضبط عاطل يدير مصنع حشيش في بدر وعنصرين إجراميين بحوزتهما مخدرات بالمنوفية    أمن القاهرة يكشف تفاصيل مقتل شاب على يد ممرضة ووالدها بالمقطم    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق مخزن ملابس بالعمرانية    ضبط أسماك وفسيخ غير صالح للاستهلاك الآدمي في البحيرة.. صور    «أم الدنيا».. أرض الأعياد    رحلة في العالم الروائي لأديب نوبل نجيب محفوظ بمعرض أبو ظبي للكتاب    بول والتر هاوزر ينضم ل طاقم عمل فيلم FANTASTIC FOUR    واعظ بالأزهر ل«صباح الخير يا مصر»: علينا استلهام قيم التربية لأطفالنا من السيرة النبوية    هل مسموح للأطفال تناول الرنجة والفسيخ؟ استشاري تغذية علاجية تجيب    ألونسو: قاتلنا أمام روما..وراضون عن النتيجة    الشارقة القرائي للطفل.. تقنيات تخفيف التوتر والتعبير عن المشاعر بالعلاج بالفن    حكم لبس النقاب للمرأة المحرمة.. دار الإفتاء تجيب    خريطة التحويلات المرورية بعد غلق شارع يوسف عباس بمدينة نصر    خالد الغندور عن أزمة حسام حسن مع صلاح: مفيش لعيب فوق النقد    تشكيل الهلال المتوقع أمام التعاون| ميتروفيتش يقود الهجوم    إشادة حزبية وبرلمانية بتأسيس اتحاد القبائل العربية.. سياسيون : خطوة لتوحيدهم خلف الرئيس.. وسيساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في سيناء    مستوطنون يهاجمون بلدة جنوب نابلس والقوات الإسرائيلية تشن حملة مداهمات واعتقالات    لأول مرة.. فريدة سيف النصر تغني على الهواء    اعتصام عشرات الطلاب أمام أكبر جامعة في المكسيك ضد العدوان الإسرائيلي على غزة    مواعيد مباريات الجمعة 3 مايو 2024 – مباراتان في الدوري.. بداية الجولة بإنجلترا ومحترفان مصريان    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    حكم وصف الدواء للناس من غير الأطباء.. دار الإفتاء تحذر    «التعليم»: امتحانات الثانوية العامة ستكون واضحة.. وتكشف مستويات الطلبة    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    إبراهيم سعيد يكشف كواليس الحديث مع أفشة بعد أزمته مع كولر    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان مسلسلات بابا جه وكامل العدد    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    موضوع خطبة الجمعة اليوم وأسماء المساجد المقرر افتتاحها.. اعرف التفاصيل    مواعيد صرف معاش تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة لشهر مايو 2024    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنمية بقوة الدفع الذاتى

بعد أن أرسلت مقالى السابق إلى جريدة «الشروق» لإعدادها للنشر، لفتت نظرى عدة مقالات لكتاب معنيين بشئون التنمية تحمل كلها دعاوى لاتباع مناهج متكاملة ومعبرة عن الخيارات الجماهيرية، لكى تكون جديرة بالتواصل وتلبية الطموحات الشعبية التى ثار الشعب من أجل انتشال المجتمع المصرى من الأنماط المشوهة التى تمخضت عنها ثورة الردة فى 15 مايو 1971، وجعلت العقد الأول من الألفية نذيرا بتداعى جميع أركان البنيان المجتمعى، ثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، بينما العالم من حولها ينشد تحقيقا لغايات تنموية حددت لها أهداف للعام 2015. وكان هذا أمرا متوقعا بعد أن ثبت إمكان تحقيق ما كان أقرب إلى المعجزة بإنهاء المرحلة الإنشائية لمشروع له موقعه البارز محليا وإقليميا وعالميا فى ثلث الزمن المقدر له بالمعدلات العادية، وساهم فى تخطى الوهدة العميقة التى كادت تفضى إلى اهتراء النسيج المجتمعى إلى الأبد.
***
كان أول الإسهامات الجديرة بالاعتبار مقال لكاتب رائد فى سبر أغوار مجاهل التطور الحضارى العالمى والتنمية المنظورين، وهو دكتور السيد ياسين، نشرته جريدة الأهرام فى 13 الحالى بعنوان «الإدارة الحازمة للتنمية الجماهيرية»، اعتمد فيه على المواجهة بين «التنمية من أعلى والتنمية من أسفل»، وانعكاس ذلك على جدوى الأخذ بأيهما عند صياغة قرارات التنمية. أثيرت تلك المفاضلة فى سبعينات القرن الماضى ضمن مراجعات لجهود التنمية التى بذلت فى الستينات، فأفضت – على حد قول ماكنمارا مدير البنك الدولى، إلى شيوع الفقر المدقع أو ما أسماه الاقتصادى الفرنسى الشهير شارل بتلهايم «الذى عاش فترة من حياته فى مصر» «تنمية التخلف». وبغض النظر عن الاختلافات حول تفسير المغزى الدقيق لتلك المقارنة، فإن دلالة عنوان المقال ومحتواه يؤكدان المعنى الذى عبرت عنه فى مقالى السابق، والذى يمكن تلخيصه فى أنه قد «دقت ساعة العمل الجماهيرى» وعلينا ألا نفلت الفرصة.
ثم تبع ذلك مقال لأحد أساتذة التنمية فى مصر والوطن العربى، دكتور عبدالشفيع عيسى فى أهرام 17/8، رسم فيه الملامح الأساسية لنواة استراتيجية تنمية شاملة. ثم عاد الدكتور ياسين فى 20/8 فأبرز ضرورة التدقيق قيما يسمى مشروعات قومية كبرى، وضرورة إحكام مسار التنمية دون استنفاد الوقت فى الانشغال بأمور قد يكون لها وزنها فى الظروف العادية، ولكنها تحجب الرؤية عن قضايا تتعلق بإعادة قاطرة التنمية إلى مجراها الذى انحرفت بشدة عنه. فالقضية تتجاوز مجرد حزمة مشروعات أو الربط بين الأنشطة والقطاعات. لعل السبب فى الصيت المدوى للسد العالى كان وصفه بأنه المشروع القومى الذى أكسب ثورة يوليو موقعا لا يمحى من ذاكرة التاريخ، ولكنه لم يكن قوميا بمعنى أنه كان مشروعا عملاقا حظى باهتمام جميع المواطنين والمنشغلين بهموم التنمية فى العالم «إن إيجابا أو سلبا كالبنك الدولى وفوستر دلاس»، أذكر أنه عندما ضاق الإدراك الذهنى الضيق لحسنى مبارك بالدعوة لمشروع قومى أسعفه الجنزورى بمشروع توشكى، فكانت النكبة مضاعفة لأنه وفر ستارا لتكريس تزاوج السلطة بالمال. ولم يظهر سوى «المشروع القومى لجمع القمامة» على لوحات تحملها عربات جمع القمامة ثم تلقى بها فى شوارع رئيسية كعباس العقاد، الذى حظى بعناية المسئولين، عندما كانت تمر به «ست مصر الأولى» فى طريقها إلى الوفاء والأمل سالبة إياه ممن رأتها ضرة. سيدة الطرب العربى وكوكب الشرق، فى سياق بناء العائلة الحاكمة «كما كان يحلو لأخيها على تسميتها وتشبيهها بالأسرة السعودية».
خلال الأسبوع الماضى نشرت أيضا مقالات أخرى أخص بالذكر منهما مقال للأستاذ حلمى شعراوى، مؤسس مركز البحوث العربية والأفريقية، فى الاتحاد 18/8 بعنوان: «الصين وعولمة طريق الحرير»، وله علاقة وثيقة بموقع مصر من شبكات الترابط العالمى وما يعنيه هذا لمستقبل المرور عبر مصر بنيلها وقناتيها، والثانى للدكتور جلال أمين فى أهرام 17/8 يتساءل عما حدث فى العالم وانتهى إلى أن المطلوب يتجاوز مجرد إصلاح اقتصادى إلى ما يمكن اعتباره ثورة روحية. ومن هنا تأتى أهمية إعادة النظر بصورة شاملة إلى أسلوب الحياة، وتجاوز أبعاد الاقتصاد والتنمية حتى بمفهومها البشرى المستدام. وسأرجئ التفاصيل إلى مقالات تالية.
***
ما أريد التركيز عليه هنا هو أن الحديث عن التنمية للمرحلة التى نعيشها الآن يتجاوز القوالب المألوفة التى تدور حول مشروعات، صغرت أو كبرت، منفردة أو مدرجة فى برامج. كما أنه يتجاوز المعالجة القطاعية، بأبعادها الفنية والاقتصادية. كما أنه يتعدى الحوار حول دور الفرد والقطاع الخاص بمجمله، والدولة وقطاعيها العام والمشترك. والأهم من ذلك كله ألا نقع أسرى فى قبضة المعالجة الكمية وما تعنيه من متاهات معدلات النمو والاستثمار ومصادر التمويل، وأنواع الروافد الخارجية المتمثلة فى معونة تقدمها الدول الأغنى إلى الدول محدودة الموارد المالية، أو القروض التى ذاق العالم النامى الأمرين منها فى الربع الأخير من القرن الماضى وما زال يرزح تحت أعبائها، أو الاستثمار الأجنبى المباشر الذى يحمل حقيبته على كتفه، لينتقى أعظم الفرص ربحية، فيمتص العائد الأوفر الذى تحتاجه الدول محدودة الموارد حاجة ماسة لاكتساب ما يعينها على التخلص من ضائقتها واكتساب حرية اختياراتها التنموية، بعيدة عن قبضة الترسانة العالمية التى تقودها الولايات المتحدة من خلال توافق واشنطن مع ربيبتها منظمة التجارة العالمية ومؤسسات بريتون وودز التى ترعى مصالح الأغنياء على حساب الفقراء من الدول ومن أبناء الدول.
كما أن الأمر يتجاوز ما تتوافق عليه الدول فى نطاق هيئة الأمم المتحدة، والتى ثبت المرة تلو المرة أنها تتجاهل توفير ما نادى به المغضوب عليه روستو من ضرورة الإعداد للمتطلبات الأولية للتنمية pre conditions تمهيدا لمرحلة الانطلاق اعتمادا على قوة الدفع الذاتى. لقد بدأت تلك الهيئة باعتماد أهداف للتنمية فيما أسمته «عقد التنمية الأول» فى عام 1960. فاكتشفت قصور هذا المنهج ووقوع العالم النامى «بعد أن كان يسمى المتخلف نتيجة وقوعه فريسة الاستعمار المباشر» فتجلت نواحى القصور فى السبعينات ألمحنا لبعضها أعلاه. ورغم جهاد مصر ورفيقاتها فى حركة عدم الانحياز لاعتماد نظام اقتصادى دولى جديد، فإن الرأسمالية العالمية أحالت الأمر إلى استعمار جديد، وعجزت استراتيجيات التنمية لباقى عقود القرن الماضى عن كبح جماح الانزلاق نحو صيغة ثالثة للاستعمار عمادها احتكارات المعرفة. فلجأت إلى اعتماد مجموعة من الغايات objectives للألفية حددت لها أهدافا targets للعام 2015، ليحل هذا العام وقد اتخذت شبكات العلاقات الدولية والإقليمية مناحى مغايرة، أصابت مصر والوطن العربى بكوارث لم يتبين بعد كيفية معالجتها. وكما أشار الدكتور عبدالشفيع، أعادت المحاولة مرة أخرى بوثيقة بعنوان «أهداف التنمية المستدامة 20152030»، محذرا – بحق من اكتفاء وزارة التخطيط بإعداد ورقة أو (رؤية) مناظرة مجاراة لما أسماه «الموضة الدولية».
إن التنمية هى عماد حركة المنظومة الوطنية التى تشمل مختلف مناحى حياة المجتمع، ولابد من معالجة شاملة، ليس فقط لكافة القطاعات والأنشطة، بل بتغطية جميع «الحيثيات» التى تؤمن سلامة القرارات المبنية عليها. إنها معالجة لا تقف عند «ماذا وكم» لتحدد كيف ومَن وأين ومع من فى العالم الخارجى. كما أن التمييز فيه لا يقتصر على الأجلين القصير والطويل، بل لابد من أن ينطلق من مرحلة إعادة بناء الدولة وشيكة الانهيار بكافة نواحى الحياة فيها، استعدادا لرسم مسار تكون فيه قادرة على مواصلة التقدم بقوى ذاتية وطيدة وليس بالجرى وراء من يبدى استعدادا للعون لنجده يتحول إلى نهب.
الأمر مطروح لحوار وطنى، وسأحاول – إن كان فى العمر ما يسمح – أن أساهم فيه فى مقالات تالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.