وينقسم كتاب "نظرية الدوائر الثلاث.. قراءة معاصرة بعد نصف قرن" الذي كتبه د.حسن حنفي رئيس قسم الفلسفة الأسبق بكلية الآداب في جامعة القاهرة إلي جزءين.. حيث تناول الجزء الأول منهما الذي حمل عنوان: مصر تتحدث عن نفسها الفترة الأولي من ثورة يوليو، حين كانت لا تزال مصر علي أداء دورها الدولي والإقليمي، وقبل أن تتحول إلي ثورة مضادة ويتسلط الحكم، وتعكف مصر علي ذاتها لمداواة جراحها وصراعاتها الداخلية من أجل استمرار النظام السياسي بصرف النظر عن قضايا مصر الوطنية، ومشروعها القومي، وخيالها السياسي، ثم يبدأ تفتيتها من الداخل، بين حكومة ومعارضة، وبين أجنحة المعارضة، سلفيين وعلمانيين، مسلمين وأقباط، وفي الوقت ذاته تظهر بؤرة جديدة في الوطن العربي في الخليج للقيام بدور مصر، وتقفز إسرائيل فوق مصر لتحل محلها كبؤرة جديدة للتحديث في مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير. أما الجزء الثاني من الكتاب - الذي أصدرته دار العين للنشر - وعنوانه "مصر والعرب والعالم" فهو محاولة لتقديم بعض الأفكار التي تساعد علي إحياء دور مصر في محيطها العربي والإسلامي، الإفريقي والآسيوي، بدلاً من أن تحل إسرائيل محلها وجعل نفسها بؤرة الدوائر الثلاث، وأداة تحديث لمحيطها العربي والإفريقي والآسيوي، ويقول الكتاب: إسرائيل دولة بلا حدود.. فحدودها مدي ما يستطيع أن يصل إليه جيش الدفاع الإسرائيلي، ومصالحها، وأمنها القومي. ويجيب الكتاب عن أسئلة من قبيل: كيف تتعامل مصر مع نظام العالم الجديد، العالم ذي القطب الواحد، العولمة، حوار الحضارات، العالم قرية واحدة، ثورة الاتصالات؟ كيف تضع جداول أعمالها الخاص بها، استكمال حركات التحرر الوطني، التنمية الشاملة، توحيد مجالها الحيوي، والحفاظ علي أمنها القومي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتجنيد الجماهير بدلاً من جدول الأعمال الخارجي المفروض عليها، الشرق أوسطية والمتوسطية؟ الجزء الثاني من كتاب "نظرية الدوائر الثلاث.. مصر والعرب والعالم.. قراءة معاصرة بعد نصف قرن" يقع في "223 صفحة" وهو عبارة عن مجموعة مقالات قام الكاتب بنشرها منذ ثلاث سنوات في صحف عربية عديدة. ومن خلال متابعة فصول الكتاب ومقالاته المتعددة ،يمكن استنتاج عدة ملاحظات مهمة أولاها: أن الكتاب يبدو من عنوانه كأنه سيتحدث عن مصر باعتبارها مركز الدوائر الثلاث، وهو ما تحقق بالفصل الأول "مصر والعالم".. حيث تعرض فيه الكاتب لعوامل تقلص دور مصر وتفريطها في استقلالها الوطني والانكفاء علي ذاتها، الذي بدأ بعد معاهدة السلام 9791، وقد ساق المؤلف عدداً من العوامل التي أدت لتراجع هذا الدور، ففي مقال بعنوان "هل فقد العرب زمام المبادرة؟"، أكد أن المبادرة فقدت بسبب توقف الخيال السياسي باسم الواقعية وبدافع الحذر المبالغ فيه والبيروقراطية الوظيفية، إلي جانب توقف الطموح العربي وانتهاء المشاريع الكبري التي حملها العرب منذ فجر النهضة العربية. وفي بحث الكاتب عن الأسباب الداخلية لتراجع هذا الدور جاء مقال "الأوطان الطاردة"، وقد عرفها بأنها تلك المفككة التي فقدت القدرة علي الجذب والتي غاب مشروعها الوطني وانهارت تجارب حداثتها المتعددة.. أما مقال "الدولة الأمنية" فقد تعرض لنماذج الدولة في الشرق كالدولة "الشمولية" و"التسلطية" و"الرخوة" و"الريعية" وكان آخرها وأخطرها "الدولة الأمنية" التي تمثل قاسما مشتركا بين الكثير من الدول العربية، ويعرفها حسن حنفي بأنها تلك التي تحكمها أجهزة الأمن. وقد حذر الكاتب في المقال من عواقب تأخر هذا الإصلاح الذي سينتج وضعاً سياسياً مأزوما بين الدولة الأمنية والمعارضة الضعيفة وسيتوقف بسببه الحراك الاجتماعي الطبيعي وتظهر جماعات العنف السياسي وتعطي الفرصة للقوي الخارجية للتدخل في مشاريع المنطقة تحت اسم "الشرق الأوسط الكبير" أو "الشرق الأوسط الجديد". أما الباب الثاني "مصر والعالم" فلم يكن الكاتب موفقا في عنوانه، لأنه لم يربط بشكل ما أو بآخر بين مصر والعالم، بل إنه تحدث فيه بشكل عام حول: التنوير الأوروبي، حوار الحضارات، الإسلام في الغرب، الإسلام في آسيا، وما بعد الاستعمار، ففي مقال "نهاية التنوير الأوروبي" أكد الكاتب أن الغرب بدأ ينقلب علي نفسه بعدما أنتج فلسفة التنوير وهو ما يؤكده نقده للعقل وتحطمه لصالح اللامعقول وظهور التفاوت الشديد بين الأغنياء والفقراء وشيوع العدمية وإعلان موت المؤلف ونقد الحداثة وصعود اليمين الأوروبي وفقد أوروبا استقلالها بتبعيتها للولايات المتحدة. كما تعرض الكاتب للمؤتمرات الدولية حول الإسلام والمسلمين في مقال "المؤتمرات الدولية ما لها وما عليها".. مشيرا إلي أنها تزايدت بعد الثورة الإسلامية في إيران 9791 وبعد أحداث 11 سبتمبر، وهي تعقد بتمويل أمريكي بهدف جمع المعلومات حول هذه الموضوعات والتأثير في الرأي العام واختبار صحة النظريات عن طريق سماع آراء الناس فيها. والملاحظة الثانية -التي يمكن رصدها- تتعلق بتخوف الكاتب الدائم من الوجود الإسرائيلي في المنطقة العربية، وهو ما كلله في مقال "التطبيع جهارا" الذي يسوق فيه وقائع التطبيع علي المستوي الاقتصادي والسياسي أما المستوي الثقافي فقد أعرب عن قلقه من تحول الأقلية المطبعة إلي أكثرية. وبالمقابل يبدي الكاتب اهتماما بمسألة العلاقة مع إيران إذ يراهن علي أهمية اتخاذ موقف مغاير للموقف الرسمي للدولة الرافضة لاسترجاع العلاقة مع إيران، باعتبارها تمثل خطراً شيعياً يهدد الوحدة الوطنية، غير أن حسن حنفي ينفي هذا الخطر ويعتبر في أكثر من مقالة بالكتاب أن عودة العلاقات بين الجانبين ضرورة يفرضها الأمن القومي في مصر لمواجهة الكيان الإسرائيلي والهجمة الجديدة من الاستعمار علي الوطن العربي. كما انتقد في مقال "المشروع النهضوي العربي الجديد" عدم أخذ المشروع دول الجوار مثل إيران وتركيا باعتبارهما الامتداد الطبيعي للقومية العربية بدلا من المفهوم القومي القديم.