محافظ أسوان يكرم الحاصلين على المراكز الأولى بالدورات والبرامج التدريبية بسقارة    كل ما تريد معرفته عن صندوق إعانات الطوارئ للعمال    تراجع طفيف في أسعار الذهب مع تقلص التوقعات بخفض الفائدة في 2024    بايدن يلزم الصمت في مواجهة الحراك الطلابي الرافض للحرب على غزة    مسؤول أممي إعادة إعمار غزة يستغرق وقتًا طويلًا حتى 2040    إعلان عقوبات مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    تصفيات كأس العالم| فيفا يحدد مواعيد مباراتي منتخب مصر أمام بوركينا فاسو و غينيا    لتعريض حياة المواطنين للخطر.. القبض على شخصين لاستعراضهما بدراجتين ناريتين في القاهرة    "مشنقة داخل الغرفة".. ربة منزل تنهي حياتها في 15 مايو    الغربية تواصل حملاتها التفتيشية المفاجئة على الأسواق والمخابز والمطاعم    القناطر الخيرية تستعد لاستقبال المواطنين في شم النسيم    تعطل رحلات الطيران في مطار دبي من جديد بعد هطول أمطار غزيرة    "الفنون التشكيلية" يفتتح معرض "بنت مصرية" ل نادية قنديل بمتحف أحمد شوقى.. صور    كيف نحتفل بشم النسيم 2024؟    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    مؤتمر «مجمع اللغة العربية» يوصي بإضافة منهج ل أساسيات الذكاء الاصطناعي (تفاصيل)    تفاصيل موقف غريب جمع بين محمد رشدي وبليغ حمدي في بيروت وما علاقته ب «العندليب»؟    «اللهم يسر لي كل عسير واختر لي فإني لا أحسن التدبير».. أجمل دعاء يوم الجمعة    إطلاق المرحلة الثانية من مسابقة النوابغ للقرآن الكريم في جنوب سيناء 25 يوليو    تمديد استقبال تحويلات مبادرة "سيارات المصريين بالخارج".. المهندس خالد سعد يكشف التفاصيل    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    عاجل.. هيئة الرقابة المالية تقرر مد مدة تقديم القوائم المالية حتى نهاية مايو المقبل    الأوقاف تعلن افتتاح 19 مسجدًا.. غدًا الجمعة    محافظ شمال سيناء: رفح الجديدة صممت لاستيعاب 75 ألف نسمة «من الجيل الرابع» (تفاصيل)    الداخلية تضبط 12 ألف قضية تسول في شهر    أردوغان يعلق على التظاهرات الطلابية بالجامعات الأمريكية لدعم غزة    أول رد من الكرملين على اتهام أمريكي باستخدام «أسلحة كيميائية» في أوكرانيا    وزير البترول ينعى رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشيوخ    ميقاتي يحذر من تحول لبنان لبلد عبور من سوريا إلى أوروبا    منحة السفارة اليابانية MEXT لعام 2025 لطلاب الجامعات.. تعرف على التفاصيل    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    كاف يحدد موعد مباراتي مصر أمام بوركينا فاسو وغينيا في تصفيات كأس العالم    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    صحة الإسكندرية: فحص 1540 مريضًا في قافلة "حياة كريمة" ببرج العرب    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    جرثومة المعدة.. إليك أفضل الطرق الطبيعية والفعالة للعلاج    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    واشنطن تطالب روسيا والصين بعدم منح السيطرة للذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية    الإمارات: مهرجان الشارقة القرائي للطفل يطلق مدينة للروبوتات    ارتفاع حصيلة قتلى انهيار جزء من طريق سريع في الصين إلى 48 شخصا    أب يذبح ابنته في أسيوط بعد تعاطيه المخدرات    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    «التنمية الحضرية»: تطوير رأس البر يتوافق مع التصميم العمراني للمدينة    كولر يعالج أخطاء الأهلي قبل مواجهة الجونة في الدوري    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    لمواليد 2 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    بنزيما يتلقى العلاج إلى ريال مدريد    إعلامي: الخطيب طلب من «بيبو» تغليظ عقوبة أفشة لإعادة الانضباط في الأهلي    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    التضامن: انخفاض مشاهد التدخين في دراما رمضان إلى 2.4 %    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«لجنة التأليف والترجمة والنشر» نموذج جاد للعمل الجمعي بين المثقفين
نشر في القاهرة يوم 02 - 11 - 2010

«لجنة التأليف والترجمة والنشر» نشأت بسيطة وتطورت وعرفت روح عصرها ونزعاته، وطبيعة بيئتها وميسمها، وأصدرت كتبًا كثيرة تحلي معظمها بالأسلوب العلمي، والبحث في الحقائق، وتحليل الأفكار وانتحال المعلومات، واستشفاف بواطن الموضوعات، وتناول القضايا بجدية، وتجلية كثير من الغوامض، وغير ذلك مما يجدد الذهن، وينشط النفس.
وإذا كان لبعض الناس خوارق وكرامات، كما يقال، فإن أعضاء هذه اللجنة لهم خوارق وكرامات، تمثلت في هذه الهياكل الثقافية الضخمة التي خلفوها لنا، وشادوها بقروشهم القليلة، وبكد القرائح، وبالجلد والمكابدة.
كوكبة من الأصدقاء المتعلمين المتخرجين في المدارس العليا الحديثة، كان يحدوهم الأمل في التقدم والإصلاح، دون أن يعبئوا بأنفسهم، أو بمصالحهم الشخصية، ورأوا أن ينهضوا بالمجتمع من نواح مختلفة، فثابروا لتحقيق ذلك، وكانوا يلتقون في أماكن مختلفة، ويتدارسون ما يرونه مفيدًا لأمتهم، وشكلوا لجانًا تبحث في كل مجال، وسرعان ما تبددت أحلامهم فيما كانوا يطمحون إليه، باستثناء «لجنة التأليف والترجمة والنشر» ولأنهم مجموعة من الأفراد، فقد سميت «لجنة» لا جمعية.
ويذكر أحمد أمين في سيرته الذاتية «حياتي» وفي مقال له بمجلة الرسالة (5/11/1934) أن أعضاء هذه اللجنة التي تكونت سنة 1914، كانوا من متخرجي مدرسة المعلمين العليا، ومدرسة الحقوق ومنهم محمد أحمد الغمراوي، وأحمد عبدالسلام الكرداني ومحمد عبدالواحد خلاف، وأحمد زكي (الدكتور أحمد زكي) وحسن مختار رسمي، ويوسف الجندي، ومحمد فريد أبوحديد، وهؤلاء هم أعضاء «اللجنة» الأوائل، ثم انضم إليهم بعد ذلك محمد كامل سليم، وأمين مرسي قنديل، وعبدالحميد العبادي، محمد بدران، ومحمد صبري أبوعلم، وأحمد أمين.
ويتضح من هذا أن أحمد أمين لم يكن من الأعضاء المؤسسين الأوائل، ولا هو الذي سعي في تأليف اللجنة، وقد ازداد عدد هؤلاء الأعضاء فيما بعد حتي صارت وكأنها حزب ثقافي نشط وفعال.
كانوا يجتمعون في منزل أحدهم، ولما كان عددهم كبيرًا بالنسبة لمنزل، قد كانوا يلتقون في مسجد، أو في قهوة معزولة روادها قلائل ليتباحثوا بحرية. وفي «زاوية البقلي» اتفقوا علي تكوين «لجنة التأليف والترجمة والنشر». وأملوا في أن تكون لهم «مكتبة ومطبعة ومدرسة نموذجية ومجلة وأن تكون لهم كتب في مختلف العلوم والفنون تناسب جمهور المتعلمين في جميع مراحل التعليم». وهذا يعني أن تفكيرهم كان منصرفًا أولاً إلي النهوض بالعملية التعليمية، وثانيًا إلي الارتقاء بالمجتمع وتثقيفه بمجلة، وغشيان كل هذه الميادين صعب، وبخاصة أنه ليس عندهم ثروة أو سلطة، ومع ذلك مضوا في طريقهم، وكلفوا حسن مختار رسمي بإعداد قانون لهذه «اللجنة».
وفي عام 1915 اجتمعوا في مدرسة إعدادية بحي العباسية بالقاهرة، وناقشوا المواد القانونية، وبعد تعديل وتنقيح أقروه، وانتخبوا أعضاء مجلس الإدارة، كما انتخبوا أحمد أمين رئيسًا له. وأخذوا في جمع الاشتراكات وقيمتها عشرة قروش، يدفعها العضو في الشهر، «ثم جعلت مالية اللجنة أسهما، كل سهم بجنيه واحد، وهذا بدء التكوين المالي» وهذه هي اللجنة.
بعد تكوين اللجنة، كان لابد لهؤلاء المتحمسين من الانتقال إلي العمل والتنفيذ، أي إلي التأليف والنشر، وبالفعل كلفت اللجنة أحمد زكي، وأحمد عبدالسلام الكرداني بتأليف كتاب في الكيمياء للمدارس الثانوية، وعهدت إلي محمد أحمد الغمراوي بتأليف كتاب في الطبيعة، وأشارت علي محمد كامل سليم ومحمد بدران بتأليف كتاب في الجغرافيا. وقد تم تأليف كتابين هما الأول والثالث. وواضح من هذا العرض أن اللجنة أسندت إلي كل مؤلف عمل كتاب في مجال تخصصه. أما اختيار الكتب المدرسية في البداية فكان القصد من رواجها، وكان لابد من التدرج الطبيعي، لأن الطريق طويل وشاق.
وكانت اللجنة لا تجيز طبع كتاب إلا بعد قراءته ونقده وتنقيحه، وأول كتاب طبع هو الكتاب الذي وضعه أحمد زكي والكرداني في الكيمياء، ويقع في جزءين، ومن أجل طبعه اقترضوا مالاً من أحدهم، وتوالي نشر الكتب ببطء، في البداية، ولما لم يكن عند الأعضاء مخزن لتخزين الكتب المطبوعة، فإنهم رأوا أن يخزن كل مؤلف كتابه في بيته، ويبيع منه ويقدم حسابًا للجنة، وظل الحال علي ذلك إلي أن اتفقوا مع مكتبة تُخزن الكتب وتبيعها نظير خصم كبير. وكان ولاؤهم لقضيتهم، واعتقادهم أنهم يؤدون واجبًا وطنيًّا من وراء نجاحهم في مهمتهم الصعبة.
وتوالت إصدارات اللجنة، ونشرت كتبًا كثيرة، مؤلفة ومترجمة، في مختلف مجالات المعرفة لأعضائها وغير أعضائها من مصر والدول العربية، وتناول الكتّاب، إصداراتها، وعرضوا مضامينها، وأحسنوا تقدير قيمتها، مما أدي إلي رواجها، وتعميم فوائدها بين ناشئة الجيل، وكبار المثقفين.
وقد تنقلت اللجنة في عدة أماكن، منها مقرها في شارع الكرداسي بعابدين، وهو المقر الذي كانت تصدر منه مجلة «الثقافة» ثم انتقلت إلي شارع أمين سامي المتفرع من شارع قصر العيني. وتوسعت في أنشطتها، وصار رئيسها أحمد أمين يعقد ندوة أسبوعية مساء كل خميس في مقرها، ويقول حسين أحمد أمين في تقديمه لكتاب «أحمد أمين» الصادر من مركز الدراسات العربية بالجامعة الأمريكية، إن والده كان «يجتمع بتوفيق الحكيم.. في اجتماع كل خميس في مقر لجنة التأليف والترجمة والنشر، حيث كانت تلتقي دائمًا نخبة من مفكري مصر وأدبائها ورجال التربية فيها» وهكذا كان يخف القراء وكبار الكتَّاب إلي هذه الندوة، مطالبين بحقوقهم الثقافية، فليس في الكتب كل شيء، ولا تجيب عن كل سؤال، والمطالعات الغزيرة تدفع إلي الاستفهام والاستفسار.
تكريم أحمد أمين
وكان أحمد أمين يُنتخب من قبل أعضاء اللجنة كل عام رئيسًا لمجلس إدارتها، وفي 12 من مارس 1935 أقيم حفل كبير لتكريمه بمناسبة انتخابه للمرة العشرين لرئاسة اللجنة، وأدبت بهذه المناسبة مأدبة كبري في مطعم «سان جيمس» حضرها لفيف من العلماء، والأدباء، منهم الشيخ محمد مصطفي المراغي «شيخ الجامع الأزهر» وعبدالعزيز فهمي باشا وأحمد لطفي السيد ومحمد كرد علي (وزير سوري ورئيس المجمع العلمي بدمشق) وطه حسين، وحسن حسني عبدالوهاب (أحد كبار علماء تونس) ود.محمد حسين هيكل، وليثمان (مستشرق) وفيشر (مستشرق) وعبدالرحمن عزام (أول أمين لجامعة الدول العربية فيما بعد) وعبدالقادر حمزة (صاحب جريدة البلاغ) ود.أحمد زكي ومحمود فهمي النقراشي وعبدالرازق السنهوري (وزير) وغيرهم.
وبعد تناول العشاء، افتتح الخطابة لطفي السيد ووصف أحمد أمين «بأنه مخلص في علمه وفي جهوده، لمحض الرغبة في العلم ونشر لوائه» وتناول كتابه «ضحي الإسلام» وقال: «إنه مثل حي لتفكير أحمد أمين، بل هو عنوان بعض الجهود القيمة التي يبذلها» وخطب شيخ الأزهر، وأثني علي أحمد أمين ثناء عريضًا وتناول أحمد زكي صفات أحمد أمين التي تجلت لأعضاء لجنة التأليف والترجمة والنشر في مدي عشرين عامًا «كانوا يجددون انتخابه لرئاسة اللجنة في مستهل كل عام، وبهذا انتخب عشرين مرة، ثم قال: إن الصفات التي تحلي بها أحمد أمين «كانت ولا تزال من أقوي العوامل في بناء اللجنة وفي حيويتها القوية حتي اليوم بما أدركته من الثمرات العلمية القيمة التي شعر بها كل مثقف، بل كل متعلم في مصر والبلاد العربية» وذكر عبدالرحمن عزام صفتين من صفات أحمد أمين هما: الإخلاص للعلم والدأب علي العمل وقال: «تمثلت هاتان الصفتان في أحمد أمين.. فوصلت بهما اللجنة إلي مركزها الحالي الذي تغبطها عليه الجماعات العلمية».
وخطب آخرون واختتم أحمد أمين الحفل بكلمة شكر فيها المحتفلين به وهذا قليل مما أوردته جريدة «البلاغ» في 13/3/1935.
وإذا كنا نثق بأقوال هؤلاء الخطباء، فإننا أكثر ثقة بأحمد زكي، لأنه أحد أعضاء اللجنة وصاحب البيت أدري بما فيه ويكشف هذا الحفل عن مكانة أحمد أمين، ودوره الإيجابي في اللجنة والحياة الثقافية وتأثيره في كبار الرجال، وتظهر أن بصيرته الإدارية لا تقل عن بصيرته الفكرية.
كتب وكتاب
وكتب اللجنة التي طلعت في الأفق الثقافي، بعديد أنواعها، التقي فيها العملي والمثالي ونظريات الفكر ومذاهب الفن ونتاج العواطف والعقول وحكت حضارات الشرق والغرب والقديم والجديد وتجاوزت فيها الشرائع الكتابية والوضعية وغير ذلك من أنشطة الذهن البشري وكل هذا أحدث استنارة وتحديثًا وعمل علي إنضاج العقول.
وليس في مقدورنا هنا أن نقدم قائمة وافية بالكتب التي أصدرتها اللجنة، ولا يتسع المجال للتعريف بها والإحاطة بمضامينها وحسبنا أن نورد أسماء بعضها وما يمثل اتجاهاتها من جوانب مختلفة.
ومما نذكره في هذه العجالة موسوعة أحمد أمين الإسلامية وبخاصة «ضحي الإسلام» و«ظهر الإسلام» التي درس فيها الحركة العقلية في تاريخ الإسلام والحياة الاجتماعية، إلي جانب عرضه للآداب والعلوم في مختلف الأزمنة والأمكنة وفي كل هذا كان يؤرخ ويحلل ويعلل لماذا نشأت المقامات في خراسان والموشحات في الأندلس والفلسفة في العراق.
وقد أخطأ أحمد أمين بتقسيمه تاريخ الإسلام إلي فجر وضحي وظهر، لأنه لو تواصل بحثه علي هذا النحو، كان سيتحدث عن غروب الإسلام، بينما الإسلام مازال مشرقًا، ويدخل فيه من أبناء الملل الأخري كثيرون، ورقعته تزداد ولا تنحسر.
واهتمت اللجنة بكتب الفلسفة، ترجمة وتأليفًا، مثل كتاب «قصة الفلسفة الحديثة» لأحمد أمين وزكي نجيب محمود، و«تاريخ الفلسفة الغربية» لبرتراندرسل، والذي ترجمه زكي نجيب محمود، ويعرض فيه لأفكار كبار الفلاسفة، ويتمهر مؤلفه في ربط هذه الأفكار بعضها ببعض، و«تاريخ الفلسفة في الإسلام» وهو من تأليف ديبور، وترجمة د.محمد عبدالهادي أبوريدة، ويتناول تاريخ الفلسفة بإيجاز، ويبين الأطوار التي مرت بها، وأشهر الفلاسفة المسلمين، وكتاب «إبراهيم بن سيار النظام» وهو من تأليف أبوريدة، ويشرح فيه آراء النظام في الفلسفة الكلامية، ونشأة الفكر العقلي عند العرب، وكتاب «المدخل إلي الفلسفة» وهو من تأليف ازفلد كوليه، وترجمة د.أبوالعلا عفيفي، وهو عبارة عن مقدمة وافية، تعرف القارئ بالفلسفة، ومجالاتها، ومشكلاتها في متباين الأزمنة، وكتاب «محاورات أفلاطون» وهناك كتب أخري في هذا المجال.
ونذكر من كتب التاريخ «قصة الحضارة» الذي وضعه ول ديورانت، وترجمه عديدون منهم محمد بدران ود.زكي نجيب محمود والكتاب يتناول في أجزائه الكثيرة العلوم والآداب، والفنون التشكيلية، والموسيقي، والأخلاق، والإصلاح الديني في أوروبا.. وكتاب «جزيرة العرب في القرن العشرين» وهو من تأليف حافظ وهبة الوزير المفوض للمملكة العربية السعودية، ويتناول قضايا عديدة منها الحالة الاجتماعية لبلاد العرب، والدعوة الوهابية ونشأتها، وآل سعود وتاريخهم وغير ذلك، وكتاب «رسل الملوك ومن يصلح للرسالة والسفارة» وهو كتاب تراثي من تأليف ابن الفراء، وتحقيق صلاح الدين المنجد الذي ألحق به بحثًا عن الدبلوماسية في الإسلام. وكتاب «السودان في قرن» من تأليف مكي شبيكة المدرس بكلية غردون بالخرطوم، ويعرض تاريخ السودان من سنة 1819- 1919 وكتاب «فتح العرب لمصر» الذي ترجمه محمد فريد أبوحديد، وطبع أكثر من مرة.
وإلي جانب ذلك قامت اللجنة ببعث مجموعة من كتب التراث، وسهلت النظر فيها بالشروح، والتحقيقات، مثل كتاب «العقد الفريد» لابن عبدربه الذي حققه أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الإبياري، ويقع في عدة أجزاء. وكان أحمد أمين يفضل هذا الكتاب علي كتاب «الأغاني». و«ديوان المتنبي» الذي حققه عبدالوهاب عزام، و«شرح ديوان الحماسة» وهو شرح المرزوقي علي ديوان الحماسة لأبي تمام، الذي حققه شيخ المحققين عبدالسلام هارون، ووازن فيه بين شرح المرزوقي، وشرح التبريزي، وفسر الغامض من أبياته، وعرف بشعراء الحماسة، وعين الشعراء المجهولين الذين لم يذكر أبوتمام أسماءهم.
وإذا انتقلنا إلي كتب الأدب التي أصدرتها اللجنة، ألفيناها كثيرة، ونذكر منها «قصة الأدب في العالم» ويقع في ثلاثة أجزاء، وهو من تأليف أحمد أمين وزكي نجيب محمود، وعرضا فيه نماذج من الآداب العالمية القديمة والحديثة مثل الأدب الفرعوني، وآداب من الصين والهند وفارس، واليونان والرومان والإنجليز، إلي جانب الأدب العربي في العصور الوسطي، وكان أحمد أمين يري أن العرب أخطئوا عندما لم يترجموا الأدب إلي جانب الفلسفة، ولما كان أحمد أمين يرغب في أن يكون عندنا كتاب في الأدب اليوناني، وآخر في الأدب الروماني، وغيرهما في الأدب الألماني إلي آخره، وعندما لم توجد هذه الكتب رأي أن يقدم كتابًا شاملاً يعرض فيه لمختلف الآداب العالمية. وقد نهض العرب بعد هذا الكتاب، ووضعوا كتبًا في الآداب العالمية، وترجموا كثيرًا من النصوص الإبداعية، والأعمال النقدية والفنية.
ومن الكتب الأدبية والنقدية واللغوية الأخري كتاب «قواعد النقد الأدبي» الذي وضعه ابركرومبي وترجمه د.محمد عوض محمد، وكتاب «في الأدب الجاهلي» لطه حسين، وهو تعديل لكتاب «في الشعر الجاهلي» الذي أحدث جدلاً عارمًا عام 1926، ومسرحية «فاوست» وهي من روائع جوتة، وترجمها محمد عوض محمد، وقدم لها طه حسين، وتتناول مشكلة الشر، وكتاب «الاشتقاق والتعريب» من تأليف عبدالقادر المغربي، ويدور الكلام فيه حول تكاثر ألفاظ اللغة بالاشتقاق والتعريب، وكتاب «دفاع عن الأدب» لجورج ديهامل، وترجمه وعلق عليه تعليقات كثيرة محمد مندور.
ومن كتب علم النفس «خلاصة علم النفس» للدكتور أحمد فؤاد الأهواني، وكتاب «الطفل في المدرسة الابتدائية» من تأليف سوزان ايزكس وترجمة محمد مختار المتولي، ويعني بالطفل ونشاطه الذهني، ووجوب الاهتمام بتربيته وهو في مرحلة التعليم الابتدائي، وكيفية قياس الفروق بين الأطفال والتعرف علي ميولهم وترقيتها، كما يتناول أخطاء الأطفال في التفكير، وكيفية تلافيها.
ولم تهمل اللجنة كتب العلوم، فقد أصدرت منها كتاب «من أسرار الفطرة» وهو في الطبيعة، من تأليف اندراد وترجمة محمد أحمد الغمراوي، وأحمد عبدالسلام الكرداني، وهما من أعضاء اللجنة القدامي، ومتخصصان في العلوم الطبيعية، وسبق أن اللجنة في بداية عهدها، قد كلفتهما بوضع كتابين في الكيمياء والطبيعة.
ومن الكتب الأخري كتاب «التثقيف الذاتي» لسلامة موسي، ويتناول قضايا عدة منها كيف يستطيع الإنسان أن يثقف نفسه بنفسه، ووسائل هذا التثقيف، وكتاب «فيض الخاطر» لأحمد أمين، وهو تسعة أجزاء، ويضم مقالات أحمد أمين المتناثرة، وكتاب «ساعات السحر» للدكتور أحمد زكي، ويعرض لموضوعات شتي في شئون الحياة، ويسجل فيه خواطره التي كانت تعن له وقت السحر، كذلك طبعت ديوان «حافظ إبراهيم» بتحقيق أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الإبياري، و«ديوان أحمد الزين» وغير ذلك كثير.
وكانت اللجنة متعاونة مع غيرها من لجان العلم، وتطبع كتب غيرها، مثل كتاب «تراث الإسلام» ويقع في جزءين، وهو فصول طويلة عن الأدب الإسلامي و الفلسفة والالهيات والعمارة الإسلامية وغيرها، وضعها أجانب وترجمها مصريون عديدون، وتكفلت بالكتاب «لجنة الجامعيين لنشر العلم».
وعلي غرار هذا يمكن التعرف علي مئات الكتب التي صدرت عن اللجنة، وعندما توفي أحمد أمين عام 1954، واصلت اللجنة رسالتها.
وقد ساهمت الكتب المترجمة في ازدهار حركة الترجمة العلمية، وأفرزت جيلاً جديدًا من المترجمين مثل محمد بدران وزكي نجيب محمود وعلي أدهم، وأطلعت القارئ علي كثير من كتب الغرب التي ترجمت لأول مرة، وقامت بدور في النهضة والاستنارة، إلي جانب أنها درس مهم في محاولة تعريب المصطلح الأجنبي، وتقريب المصطلح المستعصي علي التعريب إلي أن نهتدي إلي كلمة دقيقة تقابله، عدا فوائد الترجمة الأخري ومنها التعارف بين الشعوب.
كتب اللجنة في الدول العربية
فهذه الكتب النفيسة التي ذكرنا بعض عناوينها عمت فوائدها علي عدد من الدول العربية، فقد أودعت اللجنة قدرًا منه في المكتبات مثل المكتبة العصرية ببغداد، بالوكالة العامة بالعراق، وتطلب من محمد حلمي، وفي فلسطين وشرق الأردن، كانت هذه الكتب تطلب من الوكالة العامة للجنة التأليف والترجمة والنشر.
ولم تقتصر خدمات أعضاء اللجنة علي لجنتهم، وإنما امتدت إلي مجلة «الرسالة» لتعينها وتعزز موقفها، ويقول أحمد حسن الزيات في «الرسالة» (أول سبتمبر 1952): «كان يظاهرني علي تفاؤلي الأولون من لجنة التأليف والترجمة والنشر، وكانوا بهذه المظاهرة نقطة الارتكاز ومبعث المدد».
الثقافة
ومن أهم أعمال اللجنة وإصداراتها مجلة «الثقافة» الأسبوعية التي ناقشت مجلة «الرسالة» أربع عشرة سنة، وظهر عددها الأول في 3 من يناير 1939، وصاحب امتيازها أحمد أمين، أما رئيس تحريرها فهو محمد عبدالواحد خلاف، ولاشك أن أحمد أمين هو المهيمن عليها، وهو الذي كتب افتتاحية عددها الأول قائلاً: «في الشرق كنوز لا يفنيها الانفاق.. جار عليها الزمن فدفن بعضها، فهي في حاجة إلي أيد عاملة.. وفي الغرب علم زاخر.. حالت بيننا وبينه حوائل، فهو مكتوب بلغة غير لغتنا.. هذه الكنوز الشرقية التي وصفنا، وهذه الثروة الغربية التي ذكرنا، لا يقوم بحقها.. كل المجلات العربية.. وقد أحسسنا المقدرة علي أن نشارك في هذا العمل الجليل.. فتقدمنا نعمل مع العاملين.. لا نشعر نحو إخوتنا أصحاب المجلات إلا شعور الفرق المختلفة في الجيش الواحد، لا نريد حربًا إلا حرب الآراء..» وهو بيان يكشف عن خطة المجلة في تناولها للموضوعات الشرقية والغربية، العلمية والأدبية، وهو ما نهضت به في سنوات صدورها.
وكانت المجلة معرضًا لآراء وأفكار توفيق الحكيم ومحمود تيمور وزكي نجيب محمود وأحمد عبدالسلام الكرداني وأحمد زكي وغيرهم. وعلي صفحاتها نقرأ لأحمد أمين سلسلة مقالات عنوانها «جناية الأدب الجاهلي علي الأدب العربي» سنة 1939، والتي رد عليها زكي مبارك بسلسلة مقالات في نفس العام بمجلة «الرسالة» تحت عنوان «جناية أحمد أمين علي الأدب العربي» واتهمه بأنه يقول ذلك لجذب ألوف القراء، وكتب طه حسين بضع مقالات عن الأدباء المعاصرين مثل توفيق الحكيم وقوت القلوب الدمرداشية وحسين فوزي، كما كتب بعض فصول «علي هامش السيرة» ولم يتمها، وكتب محمد مندور مقالات نقدية، وأثار قضية الهمس في الأدب، ودار بينه وبين العقاد سجال وجدال حول الهمس أثناء ضجيج الحرب العالمية الثانية، وكتب علي أدهم مقالات في الفكر السياسي والفلسفة والتاريخ، وكان شوقي ضيف مهمومًا بقضية النقد الأدبي، باحثًا عن نظرياته، أما محمد فريد أبوحديد فقد نشر قصصًا عربية قديمة مثل عنترة.
وهناك أسماء كثيرة، هذه الإشارات السريعة لا تغني عن دراسات مطولة عنها، وقد تولي تحريرها زكي نجيب محمود فترة، ومحمد فريد أبوحديد فترة أخري، وتواصل عطاؤها إلي أن صدر آخر أعدادها في 23 من فبراير عام 1953. ولكن اللجنة استمرت في نشر الكتب المؤلفة والمترجمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.