«أفكار شاذة، تمس ثوابت الدين، وتنال من تراث الأئمة المجتهدين المتفق عليهم، وتسىء لعلماء الإسلام، وتعكر السلم الوطنى، وتثير الفتن». هذه هى لغة الممثل القانونى للأزهر فى بلاغه أمس الأول ضد إسلام بحيرى، مقدم البرنامج التليفزيونى «مع إسلام»، مطالبا بالتحقيق معه بتهمة ازدراء الدين الإسلامى. أكثر من جريمة دينية وإنسانية يرتكبها ممثل الأزهر فى العبارة القصيرة، وهو يحاول أن يعيد الاعتبار لمؤسسة تجاوزها الزمن، وقريبا تصبح متحفا يليق بضمه للقلعة. تعبيرات فضفاضة وخلافية على مر القرون: ثوابت الدين، الأئمة المجددون المتفق عليهم، علماء الإسلام. ونفير الجهاد الذى يطلقه الأزهر على برنامج تليفزيونى محدود الأثر، يثبت أن منارة الإسلام الوسطى توقفت عن التفكير، بعد أن توقفت عن التأثير الإيجابى فى حياة المصريين. صحيح، الأزهر الشريف لا يكفر أحدا ولا يهدر دم أحد، كما ورد فى البيان، لكنه الصانع الأول لبيئة التكفير، والمشعل الرسمى لحرائق الفتنة الطائفية، وراعى دفن العقول الصاعدة فى متاهة التراث، وشغلها بحل شفراته، على طريقة «الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع»، المقرر على طلاب الثانوية الأزهرية. يعلم الأزهر أبناءه عن طريق هذا الكتاب أن للمسلم أن يقتل الزانى وتارك الصلاة، «حتى وإن لم يأذن الإمام»، أى الحاكم. الأزهر يعلم أبناءه أن على المسلم ألا يقتل الحيات والعقارب فى دار الحرب، حتى يكثر نسلها، فيكثر أذاها للكفار. وفى نفس الكتاب، يعلم الأزهر تلاميذه كيف يحتقرون الأديان الأخرى، فالجزية تؤخذ من الكتابى «على وصف الذل والصغار، ويقال له: أعط الجزية يا عدو الله». ولابد أن يكون المسلم جالسا، وعدو الله مهانا واقفا. الأزهر لا يكتفى بتخريب عقول طلابه، بل يوسع دائرة التخريب لعموم الأمة، فى مجلة باسمه، يخصصها رئيس التحرير الطائفى محمد عمارة لشن أسوأ حملات الاحتقار والتهوين ضد الشيعة والمسيحيين والبهائيين، وكل من يخالف محمد عمارة. الوشيعة فى نقض عقائد الشيعة، ضلالة فصل الدين عن السياسة، الأزهر والشيعة، الخطوط العريضة لدين الشيعة، الصهيونية المسيحية، والتنصير الأمريكى حرب عالمية على الإسلام. هذه بضاعة محمد عمارة التى يبيعها مع مجلة الأزهر، منارة الإسلام الوسطى سابقا. المعركة بين البحيرى والأزهر لا تهم كثيرا من المسلمين، لأن الحديث عن انتقادات الدارقطنى للبخارى تبقى موضوعا مغلقا على الفصول الدراسية، لكن وجود مؤسسة تنفق عليها الدولة لتربى المتشددين، وتحارب الأديان الأخرى، وتطارد المذيعين والصحفيين، أصبح أمرا غير منطقى، ولابد من وضع حد له، بدلا من الغناء صباح كل يوم لمنارة الإسلام الوسطى، أكبر كذبة فى تاريخ مصر الحديث. كل المؤسسات التى تتحدث باسم الدين وتبيعه بالجملة والقطاعى مصيرها الزوال، من الرسمية التى يديرها موظفون، كما هو الحال فى الأزهر، إلى الأهلية على طريقة التكتلات السلفية والطالبانية. وقريبا يعود المسلمون إلى النبع الصافى الذى لا يعرف باطلا، إلى القرآن. فى كتابه فقه السيرة، يلخص الراحل محمد الغزالى أزمة المرجعية الإسلامية فى عبارة واحدة، «هجر المسلمون القرآن إلى الأحاديث، ثم هجروا الأحاديث إلى أقوال الأئمة، ثم هجروا أقوال الأئمة إلى أسلوب المقلدين، ثم هجروا المقلدين وتزمتهم إلى الجهال وتخبطهم». أصبح على كل مسلم الآن أن يقطع الرحلة العكسية، فيعود إلى كتابه المقدس الوحيد، لأننا الآن فى زمن «الجهال وتخبطهم».