الحرب الأهلية عام 1994 وتعدد الولاءات قضيا على الجيش إعادة الهيكلة كانت القشة التى قصمت ظهر البعير عبدالله صالح يمتلك نفوذًا كبيرًا داخل الحرس الجمهورى وقوات الأمن الخاصة.. وخبير: الجيش بلا قيم معنوية ولا يرتكز على مشروع حضارى تعرض الجيش اليمنى منذ منتصف تسعينيات القرن الماضى إلى هزّات شديدة، أفقدته قدرته على التأثير، وأدّى تراكمها دون معالجات إلى غياب شبه كامل لدور الجيش، فيما ازدهر نشاط الجماعات المسلحة، وعلى رأسها ميليشيا الحوثى وتنظيم القاعدة. فإلى جانب ما أصاب الجيش من تدهور إبان حرب صيف 1994 التى شنها نظام الرئيس السابق على عبدالله صالح، ضد الجنوب اليمنى المطالب بالانفصال، فقد كانت نتائج حسم صالح لتلك المعركة كارثية، إذْ تبعها إقصاء العسكريين الجنوبيين من وظائفهم، ودمج الألوية الجنوبية ضمن الألوية الشمالية لضمان ولائها، ومنع أى تمرد قد يحدث، حسب وكالة «الأناضول» التركية. كما عصفت بالجيش الذى تتوزع ألويته ما بين ألوية المشاة والمدرعات والقوات الخاصة وألوية الصواريخ وسلاح الجو والقوات البحرية، كارثة تعدد الولاءات، وإلى ما قبل 2011 كانت تتوزع غالبية هذه الألوية بين الحرس الجمهورى بقيادة العقيد أحمد، نجل الرئيس السابق صالح، والفرقة الأولى مدرعات بقيادة اللواء على محسن الأحمر. وفى 18 مارس من العام 2011، وفى ذروة الاحتجاجات الشعبية ضد نظام صالح، حدثت انشقاقات واسعة فى الجيش، أبرزها انضمام محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرعات بالجيش اليمنى إلى الثورة، معلنا تأييده ودعمه، وضباط وأفراد قواته لثورة الشباب السلمية ومطالبها، ما اعتبر بداية حقيقية لانقسام الجيش، إذْ بات هناك جيشان، جيش الثورة، وجيش نظام صالح الذى يستميت فى الدفاع عن النظام السابق، وعلى رأس هذا الجيش الحرس الجمهورى الذى يقوده نجله. وبقى تعدد الولاءات والقيادات، بحسب المتابعين، يمثّل إشكالية حقيقية حتى بعد تنحى صالح عن الحكم، وضغط «ثوار فبراير» باتجاه الهيكلة التى تعنى إقالة أقارب «صالح» من قيادة الجيش والأمن، وتوحيد الجيش وإنهاء انقسامه. لكن تنفيذ الرئيس عبد ربه منصور هادى لمشروع الهيكلة، اصطدم بعدة عراقيل، حالت دون استكمال مشروع إصلاح مؤسسة الجيش، كما كان مخططا له، بل إن قرارات «هادى» ذهبت باتجاه إبدال رجاله مكان رجال «صالح»، وهو ما أحبط مشروع الهيكلة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أصدر هادى قرارا جمهوريا بتعيين قائد جديد للواء الأول حماية رئاسية هو العميد «صالح الجعيملانى» المحسوب عليه ومن نفس محافظته «أبين» الجنوبية، بدلا عن العميد «عبدالرحمن الحليلى»، والأخير من القادة الشماليين البارزين. ووفق الرائد «حسن فرحان بن جلال»، مدير مركز التصنيع الحربى فى الحرس الجمهورى سابقا، فإن القيادات العسكرية الجديدة بعد 2011، همّشت دور القوات المسلحة وسلبتها حقوقها، حتى وصل الأمر إلى أن يتظاهر الجنود أمام بوابات معسكراتهم طلبا لهذه الحقوق المنهوبة؛ وهذا أحد الأسباب التى أصابت الوحدات العسكرية بالإحباط من أن القيادة السابقة، على علاّتها، هى أفضل بكثير من القيادة الحالية». وعلى ما يبدو، فإن الهيكلة التى أقرّها مؤتمر الحوار الوطنى كانت بمثابة «القشّة» التى قصمت ظهر الجيش اليمنى، الذى يعانى أصلا تمزّقا حادا، ليأتى بعدها تمدد المسلحين الحوثيين على وطن، ليس من المبالغة القول بأنه بلا جيش، حسب مراقبين. ووفق المراقبين، فإن الرئيس السابق صالح، لا يزال يحتفظ بنفوذه فى القوات المسلحة، خصوصا معسكرات «الحرس الجمهورى» التى كانت تحت إمرة نجله أحمد، وقوات الأمن الخاصة (الأمن المركزى سابقا) التى كان نجل شقيقه «طارق محمد صالح» يقودها، وهى اليوم بحسب الكثير من الشواهد، تتواطأ مع الحوثيين، إن لم تشاركهم المعارك ضد القبائل، فى أكثر من جبهة قتالية يخوضها الحوثيون. ويرى الخبير العسكرى والاستراتيجى اليمنى «عبدالله الحاضرى»، أن الإشكالية الحقيقية التى كان يعانى منها الجيش اليمنى، ولا يزال، هى أنه جيش بدون قيم معنوية ولا يرتكز على مشروع حضارى، ومن السهولة بمكان التحكم بعقيدته القتالية وفقا لطبيعة المستجدات الطارئة. وأضاف «الحاضرى»، فى حديث ل«الأناضول»، أنه«لم يكنْ لدى الجيش اليمنى أى هدف استراتيجى، أو مشروع حضارى، يحمى الأمة على غرار جيوش العالم، فقد كان يخضع لميول المسيطرين عليه على كل المستويات السياسية والمناطقية، وغيرها». واعتبر «الحاضرى» عملية الهيكله بمثابة «المؤامرة» على الجيش، إذْ أقصت القيادات الوطنية من خارطته، وجعلته مهيئا ليكون «بندقية للإيجار». ويبلغ تعداد القوات المسلحة اليمنية، حسب إحصاءات غير رسمية، نحو 100 ألف عنصر، منهم ستون ألفا فى طور الخدمة، وأربعون ألفا فى الاحتياط، ويبرز الحرس الجمهورى باعتباره قوة نوعية. إذ يمتلك 23 لواء موزعة على المدفعية والدبابات والمدرعات والمشاة الميكانيكا، والدفاع الجوى، وألوية الصواريخ، وقوات خاصة، وحرس رئاسى، وقوات مكافحة الإرهاب. وتقول هذه الإحصائيات إن اجمالى الإنفاق العسكرى بين الأعوام 1990 2008 بلغ نحو عشرين مليار دولار، وتعتبر روسيا مصدرا مهما لأسلحة الجيش. ويمتلك اليمن 665 قطعة مدفعية، و790 دبابة قتال، منها 110 دبابات حديثة، ألف آلية مدرعة من صنوف مختلفة، 4 زوارق صاروخية، 16 زورقا عاديا، و6 زوارق برمائية؛ إضافة إلى 44 طائرة تدريب وهجوم خفيفة، و70 طائرة نقل حديثة، و27 مروحية هجومية، وأكثر من عشرين مروحية متعددة المهام.