- قانون مجلس النواب خالف المادة 102 من الدستور.. وحرم فئة من المصريين من حقوقهم دون جرم - سكوت المشرع الدستوري عن ذكر قيود على جنسية النائب يكشف وجود فرق بينه وبين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء - رأيان حول أثر عدم عرض النص على مجلس الدولة.. والأرجح جواز إدخال تعديلات بعد مراجعة قسم التشريع حصلت "الشروق" على حيثيات توصية هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا ببطلان حظر ازدواج جنسية المرشحين في الانتخابات البرلمانية. قالت الهيئة إن الشروط الرئيسية التى أوردها المشرع الدستورى، تتمثل فى أن يكون المترشح مصرى الجنسية، متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، حاصلاً على شهادة التعليم الأساسى على الأقل، وألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن خمس وعشرين سنة ميلادية. وتلك الشروط لا يجوز للمشرع العادى الخروج عليها أو تعديلها، للأسباب الآتية: 1- أفصح نص الدستور فى جلاء، ودون لبس عن ما تطلبه من شروط رئيسية فى المترشح لمجلس النواب، من بينها شرط الجنسية المصرية، وقد جاء النص واضحاً جلى المعنى قاطعاً فى الدلالة على المراد منه، فلا يجوز للقانون – وهو الأدنى مرتبة- الخروج عليه، أو تعديله، أو تقييده. 2- نص الدستور ورد مطلقاً فى شأن تحديد شرط جنسية المترشح، باشتراط أن يكون مصرياً، ولم يورد قيد على ذلك الشرط، ومن ثم فإنه يحمل على إطلاقه، فلا يجوز للمشرع العادى – كما فعل النص المطعون عليه- أن يقيد هذا الإطلاق باشتراطه فى المترشح أن يكون " متمتعاً بالجنسية المصرية منفردة" وإلا عد ذلك مخالفاً لصريح وإطلاق عبارة النص النص الدستورى، بأداة تشريعية أدنى. 3- أن المشرع الدستورى قصد إطلاق عبارة شرط الجنسية المصرية فى المترشح لمجلس النواب، ولم يقيده بأى شرط، على نحو ما فعل بالنسبة لرئيس الجمهورية (المادة 141) "بأن يكون مصرياً من أبوين مصريين، وألا يكون قد حمل، أو أى من والديه، أو زوجه جنسية دولة أخرى"، أو بشأن رئيس مجلس الوزراء (المادة 164) من "أن يكون مصرياً من أبوين مصريين، وألا يحمل هو أو زوجه جنسية دولة أخرى "أى أن اشتراط الانفراد بالجنسية المصرية لم يكن غائباً عن المشرع الدستورى، وأنه تدرج فى استلزامه على حسب المنصب المراد تنظيم الترشيح له. ومن اكتفى المشرع الدستورى فى الترشح لعضوية مجلس النواب أن يكون مصريًا، ولا يضيره بعد ذلك أن كان قد حصل على جنسية دولة أخرى بجوار جنسيته المصرية أم لا، ذلك أن الجنسية المصرية تكفي وحدها لترشحه، إعمالاً لقاعدة "السكوت عند الحاجة بيان" وسكوت المشرع الدستورى عن اشتراط الانفراد بالجنسية المصرية للمترشح، بيان عن عدم حاجته إلى هذا الشرط. 4- نص المادة (102) من الدستور لم يرد بها تفويض للقانون فى شأن وضع ضوابط للجنسية المصرية التى يشترط توافرها فى المترشح لمجلس النواب. 5- المشرع الدستورى أفصح صراحة عن المجال الذى يعمل فيه المشرع سلطته التقديرية فى شأن بيان الشروط الواجب توافرها فى المترشح لمجلس النواب، قاصراً ذلك – وعلى ما ورد بصدر الفقرة الثانية من المادة (102) من الدستور- على "شروط الترشح الأخرى"، وذلك اللفظ الأخير، لا ينصرف حتمًا إلى الشروط التى أوردها نص الفقرة الأولى من تلك المادة. وأكد التقرير أن قانون مجلس النواب خالف صريح نص المادة (102) من الدستور، بما أورده في البند (1) من المادة (8) من تقييد شرط الجنسية المصرية الواجب توافره فى المترشح، بأن يكون المرشح متمتعًا بالجنسية المصرية منفردة، مستبعدًا بذلك – وعن عمد- فئة من المصريين من حق الترشح لمجلس النواب. وأوضح أنه لا ينال من ذلك ما ذهبت إليه مذكرة هيئة قضايا الدولة ومن قبلها المذكرة الإيضاحية للقانون من أن الشخص الذى ينتمى إلى دولتين يكون متعدد الولاء، وأن المشرع يتطلب فيمن يرشح نفسه نيابة عن الشعب أن يكون غير مشرك فى ولائه – قانوناً – لمصر وطن آخر وذلك استناداً إلى القسم الذى يؤديه عضو مجلس النواب. فمسألة الولاء متعلقة بالمشاعر والأحاسيس، ومحلها القلب، والأصل فى الوطني الولاء، ولا يفترض انعدام ولائه أو نقصانه إلا بدليل، ولا يجوز أن يكون هذا الدليل هو حمله جنسية أخرى، ذلك أن المادة (6) من الدستور نصت على أن "الجنسية حق لمن يولد لأب مصرى أو لأم مصرية " فلو تزوجت مصرية من أجنبى لكان الطفل نتاج تلك الزيجة حاملا لجنسيتين – إذا كانت جنسية الوالد تقوم على أساس الدم – منذ ميلاده ودون أى دخل لإرادته فى ذلك، وإذا كانت ولادته فى دولة تمنح الجنسية على أساس الإقليم لحاز على ثلاث جنسيات منذ ميلاده، فإذا ما نشأ وتربى فى وطن أمه، فهل يجوز أن نصمه بأنه مزدوج أو متعدد الولاءات للدول التى يحمل جنسيتها دونما إرادة منه، ويكون هذا تكئه لحرمانه من حقوقه السياسية؟ الإجابة كما أوردها التقرير أنه "لا يجوز عقاب المصرى مزدوج الجنسية بحرمانه من الحق فى الترشح، باعتباره أحد حقوقه السياسية – إلا إذا ارتكب جرماً وعوقب عليه بعقوبة أصلية وكان الحرمان من مباشرة حقوقه السياسية عقوبة تكميلية لها". بل أن من يرتكب جرماً يستحق عليه الحرمان من مباشرة حقوقه السياسية يستردها بمضى فترة من الزمن، أو إذا رد إليه اعبتاره، أما المواطن المصرى مزدوج الجنسية فأنه محروم أبدياً من هذا الحق ما لم يتنازل عن جنسيته الأخرى والتى حصل عليها طبقاً للقانون والدستور ولم يكن فى الحصول عليها أى جرم، بل ومن الممكن أن يكون قد حصل عليها دون إرادته. وأوضح التقرير أن المشرع وهو بصدد تنظيم حق الجنسية عرض لظاهرة من تجنس بجنسية أجنبية أخرى، وكان أمامه الخيار بين إسقاط الجنسية المصرية عنه أو استمرارها بجوار الجنسية الأجنبية – بشروط – وكان ما دفعه إلى ذلك ولاء المصرى لوطنه، وصعوبة تنازله عن جنسيته المصرية، فرأى المشرع مكافأته على هذا الولاء بأن استبقى له جنسيته المصرية دون أى اخلال أو مساس بحقوقه الدستورية أو القانونية ولا يجوز بعد ذلك معاقبة ذات الشخص بحرمانه من أى حق من حقوقه الدستورية بحجة ضعف ولائه أو انقسامه لحصوله -بموافقة الدولة- على جنسية دولة أخرى. وفى هذا الشأن قضت المحكمة الدستورية العليا بأن "الأصل فى النصوص الدستورية، أنها تفسر بافتراض تكاملها باعتبار أن كلاً منها لا ينعزل عن غيره، وإنما تجمعها تلك الوحدة العضوية التى تستخلص منها مراميها، ويتعين بالتالى التوفيق بينها، بما يزيل شبهة تعارضها ويكفل اتصال معانيها وتضاممها، وترابط توجهاتها وتساندها، ليكون ادعاء تماحيها لغواً، والقول بتآكلها بهتاناً". وعلى ذلك، فلابد من النظر إلى نصوص الدستور كوحدة واحدة فإذا تعارض تفسير لنص ما مع الأحكام الصريحة الواردة فى باقى النصوص، كان هذا التفسير ظاهر البطلان، إذ لا يجوز أن تفسر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية المقصودة منها، وهو الأمر الذى ينسحب على تفسير مادة القسم وذلك بالنظر إليها وفى إطار مواد الدستور الأخرى والتى أوضحنا بعضها، وسوف تزيد الوضوح فى الصفحات التالية، وهو الأمر الذى يقطع بيقين بخطأ التفسير الذى ذهبت إليه مذكرة هيئة قضايا الدولة بخصوص مادة القسم سالفة الذكر. واستند التقرير أيضا إلى نص المادة (4) من الدستور التي تنص على أن "السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات" قائلا: "لما كانت السيادة للشعب، يمارسها ويحميها، فمن ثم يكون هو السيد فى اختيار من يمثله ويراعى مصالحه، فإذا ما ارتأى أن مزدوج الجنسية هو الذى يحقق له تلك المصلحة، فتلك هى إرادته التى يجب أن تحترم ذلك أن نصيب المتزاحمين على مقاعد مجلس النواب عائد فى الأساس على إرادة هيئة الناخبين، ومحدداً على ضوء مقاييسها، ذلك أن تلك الهيئة هى التى تفرض من خلال أصواتها من يفوز بثقتها، ولا اعتبار بعد ذلك لقالة الولاء المنقوص. وأكد أن ممارسة المواطنين لحقوقهم السياسية، خاصة حقا الترشيح والانتخاب، تُعد أهم مظاهر وتطبيقات ممارسة السيادة الشعبية، سواء كان ذلك بصفتهم ناخبين يتمتعون بالحق فى اختيار مرشحيهم، على ضوء اقتناعهم بقدرتهم على التعبير عن القضايا التى تعنيهم، أم كان بوصفهم مرشحين يتناضلون – وفق قواعد منصفة – من أجل الفوز بالمقاعد التى يتنافسون للحصول عليها، وهما حقان مترابطان ومكتملان، يتبادلان التأثير فيما بينهما. ومن ثم، كانت ممارسة المشرع لسلطته التقديرية فى تنظيم تلك الحقوق رهناً بالتقيد بالحدود والضوابط التى نصت عليها الوثيقة الدستورية، وتضحى كفالتها، وضمان حق كل مواطن فى ممارستها، وفق قواعد موضوعية – لا تنال من جوهرها، أو تنتقص منها، أو تؤثر فى بقائها، أو تتضمن عصفاً بها، أوإهداراً ومصادرة لها – التزاماً دستورياً على عاتق المشرع لا يملك منه فكاكاً، وإلا وقع ما يسنه، خروجاً عليها، فى حومة المخالفة الدستورية. وأشار التقرير إلى مبدأ المساواة أمام القانون الذى رددته الدساتير المصرية جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساساً للعدل والسلام الاجتماعى – غايته صون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التى لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة. وأضاف أنه طالما يجوز للدولة أن تتخذ بنفسها ما تراه ملائماً من التدابير، لتنظيم موضوع محدد، أو توقياً لشر تقدر ضرورة رده، فإن تطبيقها لمبدأ المساواة لا يجوز أن يكون كاشفاً عن نزواتها، ولا منبئاً عن اعتناقها لأوضاع جائرة تثير ضغائن أو أحقاد تنفلت بها ضوابط سلوكها، ولا عدواناً معبراً عن بأس سلطاتها، بل يكون موقفها اعتدالاً فى مجال تعاملها مع المواطنين، فلا تمايز بينهم إملاًء أو عسفاً. واستطرد بأن النص المطعون فيه، أقام تمييزاً غير مبرر بين فئة من المواطنين، وذلك بسماحه للمواطنين منفردى الجنسية بالترشح لعضوية مجلس النواب، وحرم فئة أخرى من هذا الحق، وهم المواطنون مزدوجى الجنسية، فى حين أن كلا الفئتين – طبقًا لقانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية – لهم كامل الحق فى مباشرة تلك الحقوق، بل إن المشرع ذاته أقر بتمتع مزدوجى الجنسية بكافة حقوقهم المدنية السياسية ومن ذلك حقى الترشح والانتخاب، إلا أنه بموجب النص المطعون عليه حال بينهم والترشح لعضوية مجلس النواب رغم أن هذين الحقين متكاملان، ويتبادلان التأثير فيما بينهما، وبوجه خاص من خلال القيود التى يفرضها المشرع على أيهما. (دستورية النص شكلاً) وفيما يتعلق بدراسة دستورية إصدار هذا النص بعد مراجعة القانون في قسم التشريع بمجلس الدولة، عرض التقرير رأيين ورجح "عدم التزام جهة الإدارة بالتعديلات التى يدخلها قسم التشريع بمجلس الدولة على مشروعات القوانين والقرارات". وذكر أنه "قد لا تحقق بعض هذه التعديلات الغاية التى توختها جهة الإدارة من إعداد مشروع القانون، فيكون من غير المقبول إلزامها بها، وأن ما أسنده الدستور لمجلس الدولة من مراجعة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية، لا يعنى فرض وصاية على جهة الإدارة فى هذا الشأن. وأكد أن "الإلزام بالتعديلات التى أدخلها مجلس الدولة على مشروعات القوانين، يتناقض مع كون السلطة التشريعية (مجلس النواب) هى المختصة وحدها بإقرار مشروعات القوانين وفقاً لنص المادة (101) من الدستور، وبطبيعة الحال فهى غير ملزمة بتلك التعديلات، إن شاءت أخذت بها، وإن رأت أعرضت عنها. غير أن التقرير عرض الرأي الثاني الذي يرى عدم جواز إدخال تعديلات على ما قام به مجلس الدولة من تعديلات على مشروع القانون، والذي يستند إلى أن التعديلات التى قام بها قسم التشريع بمجلس الدولة، المختص وحده بذلك إعمالاً للمادة (190) من الدستور، يحقق الغاية التى من أجلها ناط المشرع الدستورى به مباشرة ذلك الاختصاص. كما أن التعديلات التى يجريها قسم التشريع بمجلس الدولة على مشروعات القوانين والقرارات، تهدف إلى ضبط صياغتهما، ولتتوافق مع الأحكام الموضوعية للدستور، ومن ثم فإن عدم التزام جهة الإدارة بتلك التعديلات، قد يؤدى إلى عوار في مشروع القانون.