الدعاء عبادة دائمة غير مشروطة الزمان والمكان، ودون حدود لحجم ما يطلبه الإنسان من ربه.. وليس فى الدعاء شروط الدعاء إلا أن يجتهد المسلم فى تطهير كسبه فيجعله حلالا، ولا يدعو ب«إثم» أو «قطيعة رحم». وقد شرع الله «الدعاء» رحمة بجميع خلقه، حتى لا تثقل عليهم الهموم، كذلك حتى لا يظن أحد من الناس أن بعض الناس قد حال بينه وبين ما يريد.. فكل ما يحتاجه العبد هو شىء بسيط مملوك لرب العالمين حيث يقول: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) فالعاقل يطلب ممن يملك الخزائن الكبرى، وليس من الناس الذين قد يبخلون وقد يشحون. وقد ورد لفظ الدعاء وفعله فى القرآن الكريم أكثر من 200 مرة، فانظر إلى أنبياء الله ورسله قد تعرضوا إلى أشد أنواع البلاء، كما عرض الكافرون عليهم أن يتركوا تبليغ الدين فى مقابل منحهم عطايا ضخمة، ولكن الأنبياء عليهم السلام لا تضغط عليهم الاحتياجات، ولا يخافون من التهديد. فاستمروا لا يطلبون إلا منه. فانظر إلى نبى الله نوح ظل يدعو قومه قرابة 1000 سنة... فلما استغاث نوح بربه زالت الهموم وأسبابها، واندحر الكفر وأهله، فاقرأ قول الله تعالى (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ * وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَة فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ* فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ). وهاهم الأعداء جميعا يغرقون، وينجو هو ومن آمن معه فى السفينة. فلا تنس الدعاء مهما كانت الهموم شديدة والعداوات ثقيلة. وحينما رأى زكريا فاكهة الشتاء موجودة صيفا فى صومعة مريم وسألها فأجابته: ( هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ* هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّة طَيِّبَة إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء) فسرعان ما رزقه الله بولده يحيى. ونبى الله يونس حينما أحاطت به الأقدار وألقوه فى البحر فالتقطه الحوت، وفى هذه الشدة الشديدة دعا يونس ربه (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِى الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)، فكانت النتيجة (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِى الْمُؤْمِنِينَ). هكذا فإن المضطر ليس له ملجأ إلا باب الله، وقد وعد سبحانه بإجابة دعاء المضطر: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ..) -2- وقد أشار القرآن الكريم إشارات كثيرة لتعليم الدعاء، فها هو رب العباد يقول (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ) كما يعلمنا أهمية الإخلاص (الصدق مع الله) فيقول (..فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ..)، فهو يحب الدعاء لكل سبب (.. وَادْعُوهُ خَوْفا وَطَمَعا..). وقد توسطت آيات الصيام آية (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ..) ومناسبة نزول تلك الآية أن بعض الناس سألوا الرسول ج: «أربك قريب نناديه، أم بعيد فنناجيه؟» فنزلت هذه الآية. وحينما نتكلم عن «قرب الله» نتذكر أنه قد اتخذ لفظ «القريب» اسما له بين أسمائه الحسنى، فقال: (.. إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ)، فأعلن قربه من جميع العباد، والصالحين، والصائمين. فلا ننسى جميعا مائدة الدعاء طوال الشهر بل طوال العمر، وفى كل أحوالنا (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعا وَخُفْيَة..). وأسباب ودواعى الدعاء غير محدودة، بل متعددة الأبواب حيث يقول تعالى (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) فكل اسم من أسماء الله باب من أبواب الدعاء، فالغنى يغنيك، والقوى يحفظك من المتجبرين، والعليم يعلمك...إلخ.