قبل ثلاثة أيام من الاستفتاء في "القرم" حول الانضمام إلى روسيا والانفصال عن أوكرانيا، حض رئيس الوزراء الأوكراني الذي استُقبل في البيت الأبيض، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الحوار قبل أن يلقي خطابًا الخميس أمام الأممالمتحدة. من جهته أعرب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن دعمه الواضح لأوكرانيا لدى استقباله أرسيني ياتسينيوك الأربعاء في البيت الأبيض، موجها تحذيرًا إلى بوتين. ولدى خروجه من البيت الأبيض أدلى المسؤول الأوكراني أمام كاميرات الصحافيين بكلمة مؤثرة استعاد فيها خطابًا شهيرًا ألقاه الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان في برلين. وناشد فيه الزعيم السوفياتي آنذاك ميخائيل جورباتشيوف، فدعا ياتسينيوك الرئيس الروسي بوتين قائلا : "أدعوك إلى إسقاط هذا الجدار، جدار الحرب، جدار الترهيب والعدوان العسكري، دعنا نتحدث". ويحضر ياتسينيوك الخميس إلى مقر الأممالمتحدة في نيويورك حيث يلقي خطابًا خلال جلسة عامة لمجلس الأمن غداة لقاءاته في واشنطن مع الرئيس الأميركي والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، وأعضاء في الكونغرس. وفي وقت ترفض موسكو الاعتراف بشرعية الحكومة في كييف، قال أوباما بعدما استقبل ياتسينيوك في المكتب البيضاوي حيث يستقبل رؤساء الدول والحكومات الأجنبية، نواصل القول للحكومة الروسية أنها إذا واصلت النهج الحالي فسنكون مجبرين على فرض ثمن لقيام روسيا بانتهاك القانون الدولي في أوكرانيا. من جهته، قال ياتسينيوك متحدثًا بالإنجليزية في البيت الأبيض، إننا نكافح من أجل حريتنا، من أجل استقلالنا، من أجل سيادتنا. ولن نستسلم أبدا". وأكد أن أوكرانيا جزء من العالم الغربي، وستبقى كذلك، علمًا بأن الأزمة اندلعت جراء رفض الرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش، الموافقة على التوقيع على اتفاق تقارب مع الاتحاد الأوروبي. وأكد رئيس الوزراء من جهة أخرى أن بلاده ستظل صديقا وشريكا لروسيا رغم أنها تقيم علاقات أقوى مع غرب أوروبا. ولكن قبل ثلاثة أيام فقط من الاستفتاء المقرر الأحد حول مستقبل شبه الجزيرة التي يعيش فيها مليوني نسمة بينهم أقلية تتارية، وأخرى ناطقة بالأوكرانية، يبدو انتقال هذه المنطقة نحو روسيا محتوما. فالقرم باتت مقطوعة بشكل شبه تام عن بقية أنحاء أوكرانيا مع سيطرة القوات الروسية على النقاط الاستراتيجية فيها. وبات كل شيئ جاهزًا لانشقاق القرم بشكل سريع عن أوكرانيا بعدما أعلن "رئيس الوزراء" فيها سيرغي أكسيونوف نفسه "قائدا للجيش" وعدم تمكن سكانها الناطقين غالبيتهم بالروسية من التقاط سوى قنوات التلفزة الروسية. ويقوم مسلحون بتفتيش أي مسافر يصل إلى سيمفروبول قادما من الشمال ولا يسمح سوى للطائرات القادمة من موسكو بالهبوط فيها. غير أن تصريحات الرئيس الأوكراني الانتقالي أولكسندر تورتشينوف لوكالة فرانس برس ، توحي بأن كييف تقبلت فكرة التخلي عن القرم لروسيا، وباتت تقلق على احتمال حصول عملية عسكرية على حدودها الشرقية، في المنطقة التي يسكنها العديد من الأوكرانيين من أصل روسي. وقال تورتشينوف قائد القوات الأوكرانية لوكالة فرانس برس "لا يمكننا خوض عملية عسكرية في القرم لأنه لن يعود هناك قوات على الحدود ولن تكون أوكرانيا محمية وهذا ما يراهن عليه الجنود الروس". وأضاف، "عند الحدود الشرقيةلأوكرانيا تنتشر وحدات كبيرة من المدرعات". وفي هذا السياق، أعلن نائب وزير الدفاع الروسي كما نقلت عنه وكالة إيتار تاس أن روسيا أجازت لأوكرانيا القيام بطلعة استطلاعية فوق أراضيها للتأكد من عدم إجراء أي مناورة عسكرية للقوات الروسية تهدد أمن أوكرانيا. ولا يزال الجدار مسدودًا بين الروس والغربيين رغم تكثف المشاورات الدبلوماسية في الأيام ال10 الأخيرة بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ، ونظيره الروسي سيرغي لافروف اللذين سيلتقيان مجددا الجمعة في لندن. وحذر قادة دول مجموعة السبع الأربعاء بأن استفتاء في القرم حول التحاقها بروسيا لن تكون له أي قيمة قانونية ، وطالبوا موسكو بوقف دعمها فورا لعملية كهذه لن يكون لها أي قوة معنوية. ومن جهتهم، يسرع الأوروبيون وتيرة تقاربهم مع كييف ، وأعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن الجانب السياسي في اتفاق الشراكة مع أوكرانيا يمكن أن يوقع خلال القمة المقبلة للاتحاد الأوروبي المقررة في 20 و21 مارس. وفي مؤتمر صحافي في وارسو، كررت ميركل ورئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك أن الاتحاد الأوروبي مستعد لبدء المرحلة الثانية من العقوبات بحق شخصيات روسية ، وأوكرانية تعتبر مسؤولة عن الأزمة ، وقد يتم تجميد أموالها ومنع منحها تاشيرات دخول، ما لم يتم نزع فتيل التصعيد. وقالت ميركل ، نأمل بنزع فتيل التصعيد، ولكن إذا لم يحصل ذلك فإن وزراء الخارجية الأوروبيين سيبحثون الإثنين المرحلة الثانية من العقوبات التي ستشمل تجميد أموال شخصيات روسية وأوكرانية تعتبر مسؤولة عن الأزمة وحرمانها من الحصول على تأشيرات. وفي مقابلة تنشرها صحيفة "باساور نويي برس" الألمانية الخميس، أكدت ميركل من جهة أخرى أن المانيا ليست رهن شحنات الغاز الروسية ، ولا تتوقع حصول مشاكل في التزود بالغاز. من الجانب الأميركي لا تزال المناقشات جارية في الكونجرس لإقرار المساعدة الاقتصادية الموعودة لسلطات كييف ، على شكل ضمانة قروض بقيمة مليار دولار، غير أن عملية التصويت قد لا تتم قبل نهاية الشهر. وقال أرسيني ياتسينيوك ، بعد لقاء أخير مع أعضاء في مجلس الشيوخ ، إن إنجاز أمور جيدة يستغرق دائمًا وقتًا.