(نشر هذا المقال بتاريخ 20 يوليو 2009) بالإضافة لما تمارسه سرا أجهزة المخابرات الغربية لإسقاط النظام الإيرانى المناوئ للهيمنة الغربية فى الخليج، وما تمارسه علنا الولاياتالمتحدة التى فرضت على شركاتها ومواطنيها مقاطعة النفط الإيرانى بجميع الصور، فإن العقوبات التى تفرض بقرارات مجلس الأمن يجرى تصعيدها بحيث صارت تحظر تزويد إيران بأى إمكانات مدنية أو عسكرية أو مالية، وفرض قيود على سفر المسئولين وتجميد أموال الحكومة. فى مواجهة تلك العقوبات، التى استهدفت فى الأساس قطاع النفط، استطاعت إيران ان تثبت قدرتها على الصمود، إذ أعادت توجيه صادراتها النفطية، التى تقدر بنحو 2.6 مليون ب/ى، إلى دول متعطشة للطاقة ولا تخضع للنفوذ الأمريكى. بذلك صار 64% منها يتجه لدول آسيوية وهى اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية، و30% لدول أوروبية أهمها إيطاليا وفرنسا واليونان ثم جنوب أفريقيا. كذلك قامت إيران بتبادل وتنمية الخبرات والتقنيات الحديثة بالتعاون مع دول لا تخضع للنفوذ الأمريكى، ومنها روسيا والصين وفنزويلا. ومن شأن هذا الأسلوب نقل وتوطين التقنيات المتقدمة وتمكين خبرائها من اكتسابها وتنميتها. وتقوم إيران بإبرام عقود مع شركات أجنبية لتنمية حقولها دون أن تمس سيادتها الوطنية على ثروتها النفطية، ومن ذلك عقود الخدمة Service وعقود إعادة الشراء “Buy-back” التى يقتدى بها العراق الآن فى التعامل مع الشركات الأجنبية. وبذلك أفلتت إيران من العقود التى تصر الشركات الغربية على إبرامها متضمنة تثبيت حقها فى ملكية جانب من الثروة النفطية على امتداد العقد (35 عاما)، وهى مدة تكفى لاستنفاد ما يحتويه أكبر الحقول، ومن أمثلتها عقود «اقتسام الإنتاج» Production sharing المستخدمة فى مصر. وعلى الرغم من ضخامة احتياطات الغاز الإيرانى التى تمثل 16% من الاحتياطات العالمية، فقد حرصت إيران حتى الآن على قصر استخدامه محليا وفقا لاقتصادات الغاز، إذ تستهلك محليا نحو 113 مليار متر مكعب Bcm 4( تريليون قدم مكعبة Tcf)، وهو ما يمثل نحو 53% من إجمالى استهلاك الطاقة فى إيران، وتصدر لتركيا نحو 4.3 Bcm، وتعيد حقن نحو (50 Bcm (1.8 Tcf) فى حقول النفط لرفع الضغط فيها وتحسين معامل الاستخلاص Recovery factor الذى لا يتجاوز 20-25% (وهى نسبة ما يستخلص من الاحتياطات على امتداد عمر الحقل). وعلى خلفية وفرة احتياطات الغاز (16% من العالم) والتى يقدر عمرها الإنتاجى بنحو 250 عاما، تعتزم إيران التوسع فى إنتاجه بقصد التصدير. أما مصر فقد توسعت فى تصدير الغاز رغم محدودية احتياطاتها (1% من العالم)، وقصر عمرها (20 عاما)، واستهلاكها المحلى المتسارع، ما أدى إلى ارتفاع إنتاجها بمعدل 20% سنويا فى المتوسط، وينذر بسرعة نضوبه لكى تواجه مصر فاتورة لاستيراد الطاقة لا تقل عن 90 مليار دولار بحلول 2020 («الشروق» 5/2 و22/3/2009). وكانت إيران قد تعاقدت مع تركيا عام 2003 على ضخ كمية من الغاز الإيرانى تبلغ 6.8 Bcm (حوالى ربع Tcf سنويا) عبر خط أنابيب بطول 1200 كيلومتر وبقدرة 1.4 مليار قدم مكعبة يوميا. وقد التزمت تركيا بدفع قيمة ما تعجز عن شرائه وفقا لشرط «استلم او ادفع» Take-or-pay المتعارف عليه فى عقود الغاز، إذ يفقد قيمته ما لا ينتج من الغاز فى موعده لأن بقاءه فى الحقل يتراخى حتى نضوبه ومن ثم تتآكل قيمته الحالية PV إلى ما يقرب الصفر بإعمال معدل معين للخصم (الفائدة). وتنفيذا لهذا الشرط قامت تركيا فى مايو 2009 بسداد مبلغ 704 ملايين دولار لإيران مقابل ما عجزت عن استلامه من الغاز منذ الربع الأخير من 2008 ويقدر بنحو 2.6 Bcm. فهل تتضمن عقود تصدير الغاز المصرى نصا مماثلا يحميها من تراخى المشترى فى استلام الكميات المتعاقد عليها أم أن الأمر يعتبر سرا كسعر تصدير الغاز؟ وتحاول الدول الغربية، بقيادة الولاياتالمتحدة، التحوط ضد انقطاع صادرات النفط الإيرانية بتأمين مصادر بديلة. ومن ذلك تشجيع بعض الدول النفطية «الصديقة» لتوسيع قدرتها الإنتاجية الاحتياطية. وتقدر تلك القدرة الاحتياطية فى دول أوبك بنحو 6 مليون ب/ى تضم السعودية منها نحو 3 مليون ب/ى وتواصل توسيعها. كذلك تحتفظ الدول الغربية بمخزون تجارى كبير لدى شركاتها، وبمخزون استراتيجى يقدر بنحو 1.5 مليار برميل وتشرف على توزيعه بين أعضائها، إذا دعت الحاجة، وكالة الطاقة الدولية، بحيث يسحب منه نحو 2 مليون ب/ى لفترة تصل إلى 24 شهرا. ويمتد التحوط ليغطى مضيق هرمز، الذى يقع بين إيران وعمان، ويعتبر أهم المضايق التى تعبرها التجارة العالمية للنفط، اذ يمر به نحو 17 مليون ب/ى فى طريقها إلى آسيا وأوروبا والولاياتالمتحدة، وهو ما يعادل 30% من تجارة النفط العالمية. وقد بلغت تلك التجارة عام 2008 نحو 55 مليون ب/ى، وهو ما يعادل 65% من الاستهلاك العالمى، ما يعكس ارتفاع درجة الاعتماد على الاستيراد. ويبلغ أضيق عرض لمضيق هرمز، الذى يربط الخليج العربى بخليج عمان وبحر العرب، 21 ميلا يتوسطها ممر مائى بعرض ميلين للسفن المغادرة ومثله للسفن الداخلة ويفصلهما منطقة لتأمين الملاحة بعرض ميلين. ويمر بالمضيق يوميا نحو 15 ناقلة نفط بالإضافة لناقلات المنتجات المكررة وناقلات الغاز الطبيعى المسال LNG الذى تصدره قطر ويحتل مكانة متقدمة فى تجارته العالمية. ويعتبر إغلاق المضيق أخطر ما يحدث لتجارة النفط، ولذلك تحاول الدول المصدرة والمستوردة إقامة خطوط أنابيب عملاقة لاستخدامها فى حالة غلقه. من ذلك خط الأنابيب السعودى Petroline الناقل للنفط بطول 1200 كيلومتر من الخليج إلى البحر الأحمر عند ميناء ينبع وبقدرة تصل إلى 5 ملايين ب/ى، ثم خط مواز لنقل سوائل الغاز الطبيعى بقدرة 300 ألف ب/ى. ويتصل بالخط السعودى خط عراقى بقدرة 1.65 مليون ب/ى وإن كان ما زال معطلا نتيجة لأحداث العراق. كذلك يوجد خط لضخ النفط من شمال العراق إلى ميناء جيهان التركى على البحر المتوسط. وتجرى دراسة مد خط قطره 48 بوصة وبطول 350 كيلومتر وقدره 1.5 مليون ب/ى لنقل نفط أبو ظبى إلى إمارة الفجيرة على المحيط الهندى متجاوزا هرمز. مع ذلك، وأيا كانت البدائل سواء فى حجم الإمدادات أم فى مسارات نقلها، فإن العالم لا يستطيع الاستغناء عن نفط إيران لفترة طويلة، إذ يمكن أن يؤدى انقطاعه إلى قفزة صادمة فى أسعار النفط. وعلى الجانب الإيرانى، يبلغ عدد السكان 72 مليونا، نصفهم يقل عمره عن 25 عاما، ويستخدم نحو 20 مليونا منهم الإنترنت وما يرتبط به من تقنيات متقدمة، وهو ما يعكس حيوية الشعب الإيرانى ومستواه الحضارى. كذلك تبلغ مساحة إيران 1.65 مليون كيلومتر مربع، ويتنوع اقتصادها بحيث لا تتجاوز عائدات النفط، التى حققت نحو 58 مليار دولار فى كل من عامى 2007 و2008، نحو ثلث إيرادات الحكومة ونحو 17% من الناتج المحلى الإجمالى GDP الذى بلغ نحو 345 مليار دولار. بذلك لا تحتاج إيران للمعونات الغربية، وبخاصة الأمريكية، التى تقترن عادة بضغوط ومطالب تنتقص من السيادة الوطنية لمتلقيها.