شهد الملف النووي الإيراني خلال عام 2010، مراحل متدرجة من التصعيد المتبادل بين الغرب وإيران، وسارت تطورات مواقف الطرفين الإيراني والدولي وفق مستويين، الأول ارتكز على العقوبات الدولية من قبل مجلس الأمن الدولي، وكذلك العقوبات الأمريكية والكندية والأوروبية والأسترالية واليابانية أحادية الجانب على إيران بسبب برنامجها النووي، والثاني ركز على فكرة الحوار بين إيران والغرب من أجل تقريب وجهة نظر الطرفين للخروج من النفق المظلم للمفاوضات. ففي مجال العقوبات الدولية المفروضة على إيران، أقر مجلس الأمن الدولي في 9 يونيو الماضي دفعة جديدة من العقوبات بتأييد 12 دولة، بما فيها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، فيما رفضت تركيا والبرازيل القرار، وامتناع لبنان عن التصويت. ونص القرار الجديد الذي حمل رقم 1929 على فرض إجراءات ضد بنوك جديدة في إيران يشتبه في صلتها بالبرنامج النووي الإيراني أو برامج تطوير الصواريخ، ومنع المعاملات مع البنك المركزي الإيراني، كما تضمن القرار التوسع في حظر الأسلحة المفروض على إيران في القرارات الثلاثة السابقة، سواء العتاد العسكري التقليدي من دبابات وعربات مدرعة وطائرات هجومية ومدفعية متطورة، وكل ما يتصل ببرامج الصواريخ البالستية. ونص القرار كذلك على تفتيش السفن القادمة أو الخارجة من إيران في أعالي البحار أو في المياه الإقليمية للدول الأعضاء في الأممالمتحدة، في حال الاشتباه في حملها مواد يحظرها القرار، على غرار القرار الذي أقره مجلس الأمن بحق كوريا الشمالية، فضلا عن منع إيران من القيام بأي تعاملات تتصل بالتنقيب عن اليورانيوم في الخارج. وجاء توقيع هذه العقوبات على إيران، بعد رفض الدول الست الكبرى الاعتماد على الاتفاق الثلاثي المتعلق بمبادلة الوقود النووي الذي وقعته في 16 مايو الماضي كل من إيران وتركيا والبرازيل لإطلاق عملية تفاوض جديدة مع الإيرانيين، لوجود سلبيات في هذا الاتفاق، منها أن الاتفاق الثلاثي لم يعالج المخاوف الدولية والعربية المشروعة من النشاطات النووية الإيرانية ذات الطابع العسكري. كما أن الاتفاق الثلاثي يتناقض جوهريا مع العرض الدولي المقدم إلى إيران في نوفمبر من العام الماضي والمتعلق بمبادلة الوقود النووي، حيث يطلب من الإيرانيين إرسال 1200 كيلوجرام من مخزونهم من اليورانيوم المنخفض التخصيب دفعة واحدة إلى روسيا لتخصيبه بنسبة 20% تقريبا وإرساله بعد ذلك إلى فرنسا لتتولى تحويله إلى وقود نووي صالح للاستخدام في مفاعل الأبحاث الطبية في طهران، لكن إيران اشترطت إجراء التبادل فوق أراضيها، وهو ما رفضته الدول الست وتعطلت الصفقة. ولم تكتف أمريكا بقرار العقوبات من قبل مجلس الأمن الدولي، بل وقعت عقوبات أحادية الجانب في يوليو الماضي، تستهدف قطاعي الطاقة والبنوك وتضعف قدرة إيران على تطوير برامجها النووية. ثم توسعت وزارة الخزانة الأمريكية في العقوبات على إيران من خلال قرارها في 30 نوفمبر الماضي بإدراج بنك ملي الإيراني وشركة الشحن البحري على القائمة السوداء في إطار العقوبات التي تستهدف المشتبه بأنهم داعمون لبرنامج تطوير الأسلحة النووية الإيراني. وتحظر هذه الإجراءات على الكيانات الأمريكية الدخول في أي صفقات مع الأفراد والشركات التي تم تحديدها وتسعى إلى تجميد الأصول التي قد تكون لديهم في نطاق الاختصاص الأمريكي، فيما فرض الاتحاد الأوروبي في 26 يوليو الماضي عقوبات جديدة تتعدى تلك التي أقرها مجلس الأمن، وتستهدف قطاع النفط والغاز، وتحظر أي استثمار جديد ومساعدة فنية ونقل تكنولوجيات إلى هذا القطاع، خصوصا في مجال تكرير النفط وتسييل الغاز. وتقيد العقوبات الأوروبية التعاملات مع المصارف وشركات التأمين الإيرانية، كما تمنع الصفقات المالية التي تزيد قيمتها على 40 ألف يورو مع إيران، من دون إذن خاص، وتوسع لائحة أعضاء الحرس الثوري المجمدة أصولهم المالية والممنوع حصولهم على تأشيرات. كما تضمنت العقوبات منع البنوك الإيرانية من فتح أي فروع جديدة لها في دول الاتحاد الأوروبي ال27، ويحظر على الشركات الأوروبية تزويد الشركات الإيرانية أو أي شركات عاملة مع شركات إيرانية بخدمات تأمينية داخل أوروبا. من ناحية أخرى، فرضت أستراليا في يوليو الماضي عقوبات جديدة على إيران تشمل فرض حظر على تجارة الأسلحة وكل المواد ذات الاستخدام المزدوج التي قد تستخدم في تطوير الأسلحة النووية والصواريخ والأسلحة الكيميائية والبيولوجية، وتشمل العقوبات أيضا 26 فرعا من خط شحن إيران. وكانت الحكومة الأسترالية قد أعلنت في يونيو الماضي عن فرض عقوبات مالية ضد شركتين إيرانيتين. وفي نفس السياق فرضت اليابان في سبتمبر عقوبات جديدة على إيران، منها تجميد أصول مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، وتشديد القيود على المبادلات المالية، ومنع المؤسسات اليابانية من شراء سندات خزينة يصدرها البنك المركزي الإيراني، أو أي أصول مرتبطة بأي من نشاطات تطوير أسلحة نووية أو أي أسلحة أخرى للدمار الشامل. وتضاف هذه الإجراءات إلى عقوبات اقتصادية فرضتها اليابان في مطلع أغسطس، طبقا لقرار مجلس الأمن 1929، والتي تنص على تجميد أصول أربعين شركة إيرانية ومسؤول في القطاع النووي الإيراني. أما على مستوى الحوار بين الغرب وإيران، فرغم توقف المفاوضات بين الغرب وإيران لمدة 14 شهراً، لم تؤدِ الاجتماعات التي عقدت بجنيف يومي السادس والسابع من ديسمبر المنصرم بين إيران ومجموعة "5+1" (الولاياتالمتحدةوروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا)، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، إلى تقدم في مضمون المفاوضات حول الملف النووي لطهران. ورغم أن طهران استبقت مفاوضات جنيف بإعلانها أنها أنتجت محليا للمرة الأولى، شحنة من "الكعكة الصفراء" المستخدمة في إنتاج اليورانيوم المخصب، وحققت اكتفاء ذاتيا في دورة الوقود النووي. واعتبر المحللون هذه الجولة بداية مهمة في طريق السعي إلى الحل السلمي للأزمة النووية الإيرانية، حيث اتفق الطرفان على جولة مقبلة في بداية يناير عام 2011 في اسطنبول. كان قادة دول مجلس التعاون الخليجي قد أكدوا خلال قمتهم السنوية الحادية والثلاثين التي عقدت في ديسمبر في أبوظبي، على ضرورة أن يكون لهم دور في مفاوضات الملف النووي الإيراني وعلى ضرورة الحوار والحل السلمي للملف الإيراني والتزام الشرعية الدولية في هذا الشأن، رافضين رفضا مطلقا الخيار العسكري في التعامل مع هذه الأزمة. خلاصة الأمر أن إيران عليها بذل المزيد من الجهد نحو تحقيق التقارب الفعلي المبني على تبادل المصالح والمنافع مع دول الجوار من جهة، وإبداء المزيد من المرونة في مواقفها مع القوى الدولية إذا كانت فعلاً لا تهدف إلى أغراض عسكرية من وراء برنامجها النووي، وخصوصا أنها ما زالت تحت العقوبات الاقتصادية الدولية وربما تتعرض للمزيد في حالة فشل المحادثات الجديدة مع الغرب والمقرر لها بداية عام 2011.