أخفقت الدول الكبري الست في اجتماع نيويورك مؤخرا في الاتفاق علي «صيغة»لفرض حزمة عقوبات رابعة علي إيران، تعلق دوائر أمريكية بأن أكبر خيبة أمل شخصية للرئيس أوباما، خلال عامه الأول في منصب الرئاسة هي القضية الإيرانية. تشير التوقعات إلي أن عام 2010 سيشهد توترا متصاعدا بين إيرانوالولاياتالمتحدة، حول برنامج إيران النووي، وقضايا الأمن الإقليمي، وموضوعات أخري ينتظر ألا يصل فيها الجانبان إلي اتفاقات حاسمة في وقت قريب. لذا فمن المرجح أن تواصل الولاياتالمتحدة محاولاتها لفرض عقوبات جديدة علي إيران، تؤيدها القيادات السياسية الأمريكية، وبعض الحكومات الأجنبية، بالرغم من أن الرأي الراجح أن هذه العقوبات لن تؤثر علي النخبة السياسية الإيرانية، التي ستنشغل في الغالب بقضية الاستقرار السياسي في إيران، في مرحلة هي الأخطر في تاريخ الجمهورية الإسلامية. كان أوباما قد قضي العام الأول من رئاسته في محاولة التوصل إلي تسوية مع إيران لوقف برنامجها النووي، حتي تم التوصل في اكتوبر الماضي لاتفاق يقضي بتبادل ايران بعض المخزونات الحالية من اليورانيوم منخفض التخصيب، بخلايا وقود عالي التخصيب، وهو المطلوب لمفاعل طهران للأبحاث الطبية، واعتبرت إدارة أوباما موافقة إيران علي هذا الاقتراح خطوة لبناء الثقة بين الجانبين، إلا أن الصفقة فشلت، وتعثر الاتفاق. وبينما تطالب الدول الكبري باستمرار التفاوض مع الجانب الإيراني حول الملف النووي، فإن الإدارة الأمريكية تعتبر أن المتغير الجديد الذي فرض نفسه علي الموقف يتمثل في ظهور الحركة الشعبية في إيران، والتي تسعي إلي تغيير سياسات النظام، وتغيير شكل الحكومة. خلافات دولية علي الصعيد الدولي، بدا واضحا عدم توافق الدول الكبري بشأن اتخاذ قرار بفرض عقوبات جديدة علي طهران، حتي أن دبلوماسيين غربيين أكدوا صعوبة عملية التفاوض والتي يمكن في تقديرهم أن تستغرق عدة أشهر قادمة حتي يتم التوصل إلي قرارات حاسمة وتوافقية حول العقوبات. أهم ملامح هذا المشهد الخلافي أن الصين، لاتوافق علي فرض حزمة رابعة من العقوبات علي إيران. وبينما حاول المندوب الأمريكي في اجتماع الدول الست الكبري الذي عقد مؤخرا في نيويورك التخفيف من حدة خيبة الأمل بتأكيده علي أن جولة نيويورك تحمل "رسالة " إلي إيران بأن المجتمع الدولي ليس غافلا عن قضية ملفها النووي، وتأكيد المندوب الأوروبي بأن المفاوضات سوف تستمر حتي يمكن التوصل إلي صيغة عقوبات جديدة علي إيران، فإن المندوب الروسي كان أكثر دقة من خلال الإشارة إلي استمرار ما يطلق عليه (المسار المزدوج) في إشارة إلي المسار الأول، وهو مواصلة الحوار مع طهران، والمسار الثاني وهو المضي قدما في مساعي فرض العقوبات. ومن المعروف أن إيران تجاهلت الموعد النهائي الذي حدده الرئيس أوباما بنهاية ديسمبر الماضي للرد علي عرض الدول الست الكبري (أمريكا الصين فرنسا بريطانيا المانياروسيا) بتقديم حوافز سياسية واقتصادية، مقابل وقف أنشطة طهران لتخصيب اليورانيوم. ورطة الرئيسين يقال إن كلا من الرئيسين باراك أوباما، وأحمدي نجاد، في حاجة إلي تحقيق ما يعد إنجازا، في معالجة الملف النووي الإيراني، لنقله إلي الرأي العام، كل في بلده. فالرأي العام الأمريكي، ينتظر من أوباما أن يخبره أنه تمكن من إرغام إيران علي وقف برنامجها النووي، لتصنيع أسلحة نووية، الأمر الذي يعد من وجهة النظر الأمريكية، من أهم عناصر التهديد للأمن القومي الأمريكي. أما الرئيس نجاد، فهو في حاجة إلي طمأنة الرأي العام الإيراني أنه أرغم الغرب علي التسليم بحقوق إيران. ولا شك أن كلا من الرئيسين في موقف لا يحسد عليه. فمن التساؤلات الحرجة التي تواجه الإدارة الأمريكية هي كيف يمكن التعامل مع نظام إيراني تتهمه المعارضة السياسية بتزوير الانتخابات ؟، وكيف يمكن الاطمئنان إلي نظام يقترف جرائم وحشية في حق المعارضة السياسية ؟ وعندما وافق نجاد علي صفقة شحن اليورانيوم منخفض التخصيب إلي روسياوفرنسا، لإعادة المعالجة، ثارت القيادات الداخلية واتهموا حكومة نجاد ببيع مصالح إيران للولايات المتحدة. اتهم أوباما، مرة بأنه لم يدعم المعارضة السياسية في إيران علي نحو كاف ومناسب، ومرة أخري أنه تخاذل وخضع لمراوغات النظام الإيراني. حدود النظرة الواقعية ربما يدرك أطراف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، بما فيها الولاياتالمتحدة، أنها في نهاية المطاف، لن تحقق أية نتائج إيجابية، إلا عندما تعترف وتسلم بحق إيران في تخصيب اليورانيوم للاستخدامات السلمية، وذلك مقابل أن تمنح إيران الغرب، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، حقوق التفتيش، بدرجة عالية من الشفافية، تطمئنها علي سلامة الموقف النووي الإيراني. وكان جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ قد ذكر أن إيران لها الحق في تخصيب اليورانيوم، بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي. وتعتبر إيران هذه المؤشرات مقدمة لاعتراف الغرب لها بحق امتلاك برنامج نووي للأغراض السلمية، وتري أن ذلك يعني بداية نظرة واقعية لدي الغرب يمكن تشجيعها، والبناء عليها، ويؤكد وزير خارجية إيران أن هناك رسائل متبادلة بين إيران، والدول الكبري تشجع هذا النهج الواقعي. إلا أن أكبر ما يهدد هذا النهج الواقعي، تقرير الاستخبارات الأمريكية المرتقب، والمتوقع صدوره في الشهر المقبل، والذي سيؤكد علي أن إيران تجري أبحاثا خاصة بالأسلحة النووية، وذلك علي عكس التقرير السابق الذي صدر في 2007. أبعاد جيوسياسية ويذهب المحللون إلي أن إيران هو البلد الوحيد الذي يضع قدميه علي كلتا منطقتي إنتاج الطاقة (الخليج العربي منطقة قزوين) لذلك تتودد كل من الهند والصين إلي إيران، وهما البلدان اللذان ستسيطر قواتهما البحرية علي المسارات البحرية لأوراسيا في القرن الحادي والعشرين وذلك هو أحد أهم أسباب قلق الغرب من مواقف الدول الآسيوية تجاه البرنامج النووي الإيراني. إذ زادت صادرات إيران إلي الصين بنسبة 40 %، وتأتي إيران في المرتبة الثانية بعد العراق في حجم تجارة الصين مع الشرق الأوسط، كما زادت صادرات الصين إلي إيران بنسبة 35 %، ومنذ أيام وقعت طهران وبكين اتفاقية نفطية قيمتها 120 مليار دولار، لمدة خمس سنوات. وقد قررت الصين مساعدة إيران في تطوير صناعة الصلب، وصناعات الرصاص والزنك والقصدير. وهناك مشروعات "ذات صبغة نووية " بين الصين وإيران واستطاعت إيران بناء شبكة من العلاقات التجارية مع دول الشرق (الصين اليابان الهند كوريا الجنوبية) وتمثل الصين 15 % من اجمالي تجارة ايران، وتعد دبي من أهم مواقع إعادة تصدير البضائع من جميع أنحاء العالم إلي إيران، كما أنها منفذ رؤوس الأموال الإيرانية الباحثة عن الاستثمار، ابتداء من المنشآت التجارية إلي الشركات المرتبطة بجهاز ايران العسكري. وبذلك تصبح دبي منفذ ايران للتجارة وتأتي منه 10 % من وارداتها. والمحصلة، أن معظم أنشطة التجارة والاستثمار الإيرانية، تتجه شرقا، بما يعني تقليص النفوذ الغربي علي هذه الأنشطة، ومحدودية تأثير العقوبات عليها، حتي إذا ما تم التوصل إلي صيغة مقبولة دوليا لهذه العقوبات. السيناريو الأسوأ وإذا كان صحيحا أن شواهد البيت الأبيض لاتدل علي أي حماس، في الوقت الحاضر، لتوجيه ضربة عسكرية إلي إيران، إلا أن فكرتين يدور حولهما النقاش: أولهما أن نظام إيران يعجز عن إقامة علاقات جيدة مع الغرب. وثانيهما أن النموذج الإيراني هو بحق نموذج للانقسام الداخلي الباعث علي قلق الدول الكبري، علي الصعيدين الإقليمي، والعالمي. فعلي المستوي الإقليمي، بدأ مشروع الدولة الإيرانية دينيا، بتأسيس الجمهورية الإسلامية، إلا أنه أصبح الآن مشروعا جيوستراتيجيا بامتياز، من خلال نظام يفاوض، ويساوم، ويحدد أهدافا خارجية، ومصالح قومية، ويتدخل في الشؤن الداخلية في العراق، ولبنان، وغزة، وشمال اليمن، وكأن إيران دولة كبري، لها مصالح، مثلما هو الحال للدول الكبري في العالم. في هذا السياق، لايخفي أن من أهم التداعيات السلبية للبرنامج النووي الإيراني، المخاوف التي بأت تنتشر في المنطقة من جراء الطموحات النووية الإيرانية، الأمر الذي دفع الدول العربية إلي دراسة مقترحات لتطوير تقنيات نووية سلمية، ولكن محللين غربيين يرون أن الشرق الأوسط، قد يشهد في وقت قريب سباق تسلح نووي. أما عن التداعيات التي يمكن أن تترتب علي تطورات الوضع الداخلي في إيران، فيشير إليها (برؤية غربية) روبرت كابلان في الفورين بوليسي بقوله: " إن عدم الاستقرار الذي سوف تسببه إيران لن يأتي من انهيار الدولة، وإنما سيأتي من الأمة الإيرانية القوية المتماسكة داخليا، والتي ستنفجر إلي الخارج، لكي تحطم المنطقة المحيطة بها "ويضيف كابلان" إن المنطق الجغرافي للانفجار الإيراني سيكون مخيفا، بالشكل الذي كان عليه الانفجار الروسي ".