(نشر هذا المقال بتاريخ 24 أغسطس 2009) مع طرح المشروع الأمريكى للمظلة الدفاعية ضد إيران، يبدو ان الرئيس أوباما قد تراجع عما أعلنه فى القاهرة من اتجاه للمهادنة واستخدام أسلوب الحوار مع إيران حتى نهاية العام الحالى. ولكن، بافتراض أن مشروع المظلة الدفاعية لا يعدو أن يكون العصا التى تساند الجزرة لحث إيران على التخلى عن موقفها المناوئ للسياسة الأمريكية فى الخليج الذى يضم ثلثى احتياطات العالم من النفط، فما هى طبيعة العلاقة التى يمكن أن تنشأ بين إيرانوالولاياتالمتحدة اذا اختارت الأخيرة البدء بالحوار؟ امتلأت الساحة بالعديد من التصورات التى يطرحها المحللون، وقد اخترنا من تلك التصورات ما يعتبر أفضل الاحتمالات ويمكن أن يوصف بأنه علاقة بناءة. ويتلخص هذا التصور فى بدء مفاوضات قوية مباشرة تغطى جميع أوجه الخلاف بين الدولتين، توصلا إلى تحقيق اتفاق شامل يتخطى كل الشكوك المتبادلة. ومن ثم ينبغى أن تتوقف جميع السياسات العدائية التى تحاصر إيران، وبخاصة التهديد باستخدام القوة المسلحة. غير أن هذا التصور لا يحظى باتفاق بين أنصاره حول كيفية التوصل لتنفيذه. فالبعض يرى أن تبدأ الاتصالات على مستوى رسمى منخفض، مع التركيز على موضوعات هادئة مثل التبادل التعليمى والطلابى والثقافى.. إلخ. ويرفض البعض الآخر انخفاض مستوى الاتصالات الذى يستهدف بناء الثقة المتبادلة، ويرى أن الأجدى البدء بالتفاوض حول الأمور الجوهرية على مستوى رسمى رفيع. ويرى البعض أن تبدأ الاتصالات بين البلدين بصفة سرية على غرار ما حدث فى فيتنام، بينما يرى آخرون أن يكون الاتصال مباشرا على مستوى المرشد العام خامنئى وليس غيره. فى الجانب الآخر، لم تبدد إيران وقتها فى انتظار الحسم من جانب الإدارة الأمريكيةالجديدة، إذ استطاعت إيران، كما أوضحنا فى «الشروق» (20/7/2009)، أن تتخطى الكثير من العقوبات التى فرضتها عليها الدول الغربية، بقيادة الولاياتالمتحدة، وكان مما ساندها فى ذلك تبادل الخبرات التقنية والتسويقية مع دول من خارج دول الطوق الحديدى. وكما ذكرنا، فقد قامت إيران بتسويق صادراتها النفطية، شرقا وغربا، فى دول متعطشة للنفط وتفضل مصالحها على الرضوخ للضغط الأمريكى. كذلك قامت الشركة الإيرانية NIGEC بالتعاقد مع الشركة السويسرية EGL فى 5/4/2009 لكى تقوم بتسويق كمية تصل إلى 5.5 مليار Bcm سنويا من الغاز الإيرانى إلى عملاء الشركة السويسرية فى إيطاليا عبر خط الأنابيب الذى يحمل الغاز الإيرانى إلى تركيا وامتداده إلى اليونان وألبانيا لغاية إيطاليا، وذلك بعد إبرام الاتفاقات اللازمة مع كل من اليونان وألبانيا. وتتولى الشركة السويسرية أيضا القيام بخدمات تقنية لإيران مثل تحسين كفاءة استخدام الغاز فى توليد الكهرباء، وهو ما يؤدى إلى توفير نحو 1.5 مليار متر مكعب Bcm. وفى 2/3/2009 تم الاتفاق بين إيرانوروسيا على تسويق النفط الإيرانى فى البورصة الروسية التى افتتحت فى سان بيترسبورج فى سبتمبر 2008. كذلك تم الاتفاق على أن تقوم روسيا بمساندة جهود إيران لتصدير الغاز إلى أوروبا بما فى ذلك القيام بعمليات تبادل Swap، أى قيام روسيا بتزويد أوروبا بالغاز الروسى لحساب إيران مقابل قيام الأخيرة بتسليم غاز إيرانى لحساب روسيا فى مواقع أخرى يتفق عليها، وهو ما يؤدى إلى الاقتصاد فى نفقات النقل للدولتين. كذلك تناقش الدولتان اشتراك إيران فى خط الأنابيب الروسى South Stream الذى يمر عبر أذربيجان. ويتضمن الاتفاق الإيرانى الروسى أيضا إقامة معامل مشتركة لتكرير النفط فى عدة دول، كما يتضمن الاتفاق المذكور التعاون فى تنمية الحقول الإيرانية وخاصة حقل جنوب بارس الذى يعتمد عليه بصفة أساسية لتزويد مشروعات تصدير الغاز الإيرانى. وفى 4/4/2009 ثم الاتفاق، أثناء زيارة الرئيس الفنزويلى شافيز لإيران، على التعاون بين الدولتين فى مجال الطاقة، بدءا بإقامة أول معمل لإسالة الغاز فى فنزويلا بتكلفة 8 مليارات دولار وقدره 10 ملايين طن سنويا (13.6 Bcm)، ويبدأ تشغيله عام 2013. كما يشمل الاتفاق التعاون فى تنمية الزيت الفنزويلى الثقيل فى حزام أورينكو، وكذلك التعاون فى تنمية المرحلة 12 فى حقل «جنوب بارس» وعدد من الحقول الإيرانية الصغيرة وسط وجنوبإيران. ويشمل الاتفاق أيضا إنشاء شركة مشتركة لناقلات النفط والمنتجات النفطية. وهكذا تقدم إيران نموذجا ناجحا لدولة ترفض الرضوخ للهيمنة الغربية. وحبذا لو اقتدت بها باقى دول أوبك فى الصمود أمام الضغط الغربى الذى يستهدف استنزاف ثرواتها النفطية فى أقل وقت وبأدنى الأسعار (الشروق 23 و28/6 و5 و13/7/2009). ولعل مما يساندها فى ذلك ازدياد ندرة الإمدادات النفطية أثناء رحلة النضوب النهائى التى أعلنت الوكالة الدولية للطاقة فى مفاجأة للعالم يوم 3/8/2009 أنها سوف تبدأ ببلوغ الإنتاج العالمى من النفط ذروته عام 2020 (الشروق 9/8/2009). فى ختام المقالات الأربع التى تناولنا فيها صمود قطاع النفط الإيرانى فى وجه العقوبات التى فرضتها عليه الدول الغربية بقيادة الولاياتالمتحدة، نوجز فى الجدول التالى أهم مقومات النفط الإيرانى، اعتمادا على بيانات عام 2008. بيان الكمية ملاحظات السكان 72 مليون نصفهم عمره تحت 25 عاما، وثلثهم يستخدم الانترنت المساحة 1.65 مليون كيلومتر مربع تنوع اقتصادى ولا تتجاوز عائدات النفط 26% GDP الناتج المحلى GDP 345 مليار دولار 2008 نصيب الفرد 4800 دولار. تجارة دولية 2008 صادرات 109 - واردات 67 مليار دولار – فائض الحساب الجارى 18 مليار احتياطيات النفط 138 مليار برميل 11% من احتياطيات العالم فى نهاية 2008 إنتاج النفط 4.3 مليون ب/ى منها 3.8 زيت خام والباقى سوائل غاز طبيعى NGL ارتفاع متوفع للانتاج 5 مليون ب/ى فى 2015 بالتعاون مع دول نفطية غير خاضعة للنفوذ الغربى. استهلاك النفط محليا 1.7 مليون ب/ى يمثل 44% من اجمالى استهلاك الطاقة فى إيران صادرات النفط 2.6 مليون ب/ى يتجه 64% منها الى آسيا و30% الى أوروبا أهم الدول المستوردة اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية وايطاليا وفرنسا واليونان وجنوب افريقيا احتياطيات الغاز 1045 تريليون قدما مكعبة 16% من احتياطيات العالم فى نهاية 2008 إنتاج الغاز 4.1 تريليون قدما مكعبة بالاضافة لما يعاد حقنه لرفع الضغط فى حقول النفط الاستهلاك المحلى 3.9 تريليون قدما مكعبة يمثل 53% من اجمالى استهلاك الطاقة فى إيران قدرة تكرير النفط 1.5 مليون ب/ى ترتفع الى 3 مليون ب/ى بحلول 2012