شهد العام الأول من الثورة 2011 أربعة أفلام من بين الثمانية وهو ما يوازى 50٪ من إجمالي أفلام الثورة مجازا، هذه الافلام هي الفاجومي وصرخة نملة وتك تك بوم والطيب والشرس والسياسي وإن كان الأخير ينتمى للسينما التسجيلية الا انه تم عرضه فى دور العرض المصرية ربما لأنه كان الفيلم الأكثر جاهزية وملاءمة للتعبير عن ثورة 25 يناير وقتها. ففى فيلم الفاجومى مثلا كان نصيب الثورة مشهدا واحدا وكان واضحا انه مقحم على الاحداث التى كانت تروى قصة واحد من اهم الشعراء فى العالم العربى الراحل احمد فؤاد نجم وهو مشهد نهاية الفيلم عندما خرج الفاجومى من السجن على صوت ثوار يناير وهم يهتفون هتاف الثورة عيش حرية عدالة اجتماعية، وهو نفس الحال مع فيلم صرخة نملة الذى كان مخرجه سامح عبدالعزيز قد انتهى من تصوير أكثر من 95٪ من أحداثه قبل ثورة يناير. وعندما اشتعلت الميادين حاول أن يقحم الثورة فيما تبقى من مشاهد ولهذا كانت النهاية فى ميدان التحرير وعلى صوت قصيدة للشاعر هشام الجخ، ولكن الفيلم في مجمله مثل الفاجومى لا يعبر بأى حال من الاحوال عن يناير وإن كانا تمسحا به فقط لا غير، كما أكد عدد كبير من النقاد، ومنهم طارق الشناوى الذى ذكر أن فيلم صرخة نملة حاول أن يثبت للجمهور إنه أول فيلم عن الثورة لكنه افتقر للإبداع وللثورة، واصفا إياه بأن الفيلم لا سينما ابداعية ولا ثورة شبابية. على العكس تماما كانت تجربة فيلم تك تك بوم مواكبة لأحداث الثورة، حتى ان الفكرة التى كتبتها منتجة الفيلم اسعاد يونس نابعة من مواقف حدثت اثناء الثورة ومن خلال اللجان الشعبية وتأثير الثورة على الأمن والأمان كان السيناريو الذى كتبه بطل الفيلم نفسه محمد سعد جاء دون الإشارة من قريب او بعيد عن الثورة واهدافها السياسية، ويمكن ان نقول ان الفيلم كان عن الانفلات الأمنى الذى حدث فى الأيام الأولى من اختفاء الشرطة وقبل نزول الجيش إلى الشارع، وكالعادة حاول محمد سعد ان يمسك العصا من المنتصف لكنها كسرت منه ولم تأت بأى جديد حسبما اكد عدد كبير من النقاد وقتها، ومنهم مصطفى درويش الذى رأى ان سعد استغل الثورة لتمرير الغوغائية وانه استغلها بشكل فج. وفى نهاية العام عرض الفيلم التسجيلي تحرير 2011 الطيب والشرس والسياسي، مستعرضا وجهات نظر عديدة عن الثورة وما حدث فى 18 يوما، وهو تجربة جديدة على دور العرض لولا الثورة ما كانت وصلت اليها اصلا وهو من اخراج تامر عزت وآيتن امين وعمرو سلامة، وهو حسب طارق الشناوى ايضا أهم فيلم استطاع توثيق الثورة فى هذه المرحلة عام 2011 ونجح سينمائيا وسياسيا فى إبراز الحدث. ومع مطلع العام التالى للثورة توقع عدد كبير من المتابعين ان تستمر موجة ملاحقة 25 يناير سينمائيا، لكن ما حدث أن السينما قدمت فيلمين فقط هما (حظ سعيد) و(بعد الموقعة)، الأول ينتمى إلى الأفلام الكوميدية من بطولة احمد عيد الذى حرص على ان يؤكد فى كثير من حواراته الصحفية وقتها ان الفيلم لم يحاول القفز على الثورة ولكن كان للنقاد رأى آخر، ومنهم نادر عدلى الذى اكد ان الفيلم يقدم رؤية مرتبكة لثورة يناير قائلا: إن حظ سعيد فيلم سينمائي تقليدي «تمحك» في ثورة 25 يناير ليدعي أنه مع الثورة ويواكبها وهو ادعاء يفتقر للوعى وحسن القراءة لما حدث، وكان مشهد النهاية أكبر دليل على ذلك، فهو مشهد ساخر وما اغبى السخرية اذا كانت سطحية وفارغة. أما فيلم (بعد الموقعة) فهو الأكثر اقترابا والاكثر جدلا فى افلام الثورة، فالفيلم عرض فى المسابقة الرسمية فى مهرجان كان وهو انجاز حقيقى ولكن عند عرضه جماهيريا تلقى الكثير من الانتقادات المحلية والعربية حتى ان المخرج والكاتب السورى فارس الذهبى تساءل فى مقال له اذا ما كان يسرى نصر الله الذى ساهم فى اخراج فيلم آخر عن الثورة لم يعرض حتى الآن جماهيريا هو 18 يوما قد انقلب على الثورة والثوار؟. والحقيقة أن الذهبى اجاب عن السؤال الذى طرحه عدد من النقاد الذين شاهدوا الفيلم فى العرض الخاص واتهموا نصر الله بذلك وشنوا هجوما كبيرا عليه، ومنهم الناقدة اميرة الطحاوى التى علقت على الفيلم ومخرجه يسرى نصر الله قائلة: خلال تاريخه الشخصى والسينمائى، لم يكن مخرج الفيلم أبدا مواليا لنظام مبارك، لكنه لسبب أو لآخر وقع فى فخ أراده لنفسه، أو وجد نفسه فيه، وتصدى بجرأة (وهو ليس بالغرير) لحدث عشناه فى التحرير ونقله العالم لحظة بلحظة، وطرحه بشكل مغاير تماما للواقع، وليس فيه أى أساس من الصحة سوى وجود الخيول، ربما كان فيلمه كوميديا ولم ننتبه، ربما أراد أن يجرب، أو «يلعب» لكن محاولته جاءت سمجة ومهينة لذكرى من قتلوا فى هذا اليوم المشهود. اجابة الذهبى وتحليله للفيلم ربما تكون اكثر انصافا لمخرج كبير بحجم يسرى نصر الله فقد علق الكاتب السورى على الاتهام الذى وجه للفيلم ومخرجه قائلا: من هنا، يظن القارئ السريع للفيلم بأن يسرى يقدّم الثورة كما يشتهى أعداؤها أن يصفوها بأنّها ثورة شباب وبنات «منحلّين» يدخنون الحشيش ويشربون الكحول فى ميدان التحرير ويمارسون الجنس فيه أيضا، ولا مانع لديهم من ممارسة التقبيل مع أى أحد حتى لو كان من الفلول. يتوَّج ذلك بمشاهد لاضطهاد أحد متطوعى الثورة للخيّال نفسه وطرده بناء على ماضيه الإجرامى بحق الثورة. وهنا نكاد نقول بأنّ المخرج انقلب على الثورة فعلا. لكن بتراكم الرموز، نكتشف أنّ ما أراده المخرج الذى أسهم أيضا فى كتابة السيناريو هو أن يقدم رؤيته الخاصة لمستقبل البلاد بعد الثورة وأن يقول بصوت عالٍ: كلّنا ضحايا النظام الفاسد، حتى البلطجية والسجانون ومن عادوا الثورة. وبانتهاء جدل فيلم بعد الموقعة بدأ عام آخر بفيلمين فقط ايضا عن ثورة يناير هما الشتا اللى فات، الذى اخرجه ابراهيم البطوط وفيلم فرش وغطا الذى اخرجه احمد عبدالله والحقيقة ان كليهما حظى بسمعة فنية ونقدية كبيرة وتم تقديرهما دوليا ايضا، فقد كتب الناقد امير عمرى عن الشتا اللى فات، واصفا اياه بأنه شهادة سينمائية بليغة عن الثورة، قائلا: فيلم «الشتا اللى فات» ليس فقط رؤية بصرية مذهلة عن ذلك الغضب المشحون الذى ظل يتصاعد وصولا إلى انفجار الثورة فى يناير 2011، بل وشهادة مؤثرة وبليغة عن «عصر التعذيب» وعن الرعب الذى يعيش فيه المصريون الذين يتطلعون إلى نهضة بلادهم فى ظل «الدولة البوليسية» منذ أكثر من ستين عاما، فتفكيك هذه الدولة القمعية لا يتم سوى من خلال سلطة ثورية حقيقية تدعمها الجماهير اما فيلم فرش وغطا وان لم يقدم الشكل التقليدى لأحداث الثورة الا انه يمكن ان تقول انه فيلم نابع من الثورة الحقيقية وقد شرح ذلك الناقد محمود عبدالشكور فى مقال له قائلا: إنه لا يفهم الثورة باعتبارها إطاحة بحاكم (ليس فى الفيلم المشهد التقليدى لفرحة الميدان بعد إعلان تنحى مبارك)، ولكنه قرر أن يبحث عن الإنسان فى أيام الثورة الأولى، وأن يفتح حوادثها الغامضة والمسكوت عنها، وكأنه يذكرنا بذكاء بأن الثورة الفعلية هى أن نعرف ما حدث، وأن يتغير حال الغلابة، وأن تحترم إنسانيتهم، هذه هى ثورة «فرش وغطا» وليس أى شىء آخر، لا الميدان، ولا المظاهرات، ولا الأعلام المرفوعة. كل هذه الأشياء موجودة، ولكن فى الخلفية، ليست هى اللوحة، ولكنها الإطار، أما قلب الحكاية فهى الناس، بطلها الشاب لم يشارك أصلا فى الثورة، اللهم إلا إذا اعتبرنا أن الهروب من السجن بسبب الثورة مشاركة فيها، ويختتم كلامه قائلا: «فرش وغطا» فيلم خطير وكبير بحجم تعبيره السينمائى صوتا وصورة، وبحجم أفكاره وأسئلته التى لم تجد إجابة حتى الآن، وبحجم جوهر فكرته اللامعة: لا يمكن أن نتحدث عن ثورة وقعت بدون شفافية تكشف الوقائع الغامضة، وتقتص للضحايا، ولا يمكن أن تكون هناك ثورة حقيقية بدون احترام إنسانية الإنسان وثورة 30 يونيو.. بعد استعراضنا لرأى النقاد في الأفلام التي تناولت ثورة يناير ما هى التوقعات للسينما و30 يونيو؟ الناقد مصطفى درويش يرى ان الناس انخدعت فى الافلام التى حاولت ركوب الموجة مع ثورة يناير ولهذا لفظت اغلبها مؤكدا ان الحكاية تحتاج إلى ماهو اكثر من الرغبة فى تقديم فيلم، قائلا: لا اتوقع ان تقدم السينما فيلما جادا عن 30 يونيو فالسينما التى تعاملت مع يناير تعاملت معها بصورة مباشرة ولم تطرح افكارا تعبر عن تحول الامة من حالة إلى حالة لابد من وجود خيال عند المخرج وعند الممثل ولكن للأسف ليس لدينا من يقدم فيلم مثل 12 عام من العبودية الذى تخرج منه وانت تشعر بتأثيره القوى عليك وان مخرجته استطاعت ان تقدم رؤية تليق بالمرحلة، فالحكاية تحتاج إلى موهبة واخلاص وليس مجرد شخص تخرج فى معهد السينما ولم ير اى تجارب مختلفة ولذلك انا لست متفائلا بتقديم اعمال عن يونيو او حتى يناير التى اكتشف الناس ان من قدمها حاول ركوب الموجة وانهم تجرأوا على السينما والثورة فيها. المخرج محمد كامل القليوبى يرى ان يناير ويونيو احداث عظيمة فى عمر مصر تستحق سينما عظيمة لكنه يؤكد انها لن تحدث الآن ويقول: ما شاهدناه عن يناير يمكن ان نطلق عليه انه ينتمى إلى فن المناسبات الذى لا يترك اثرا، فالوقت مازال مبكرا على الحكم على الاحداث بصورة موضوعية حقيقية وهذه الاشياء تحتاج إلى وقت كبير حتى تستوعب التجربة لتقدم الحقيقة واظن ان هذا سوف يحدث مستقبلا وسوف نرى اعمالا عن يناير ويونيو وهذه السنوات الثلاث الفارقة فى عمر الوطن لكن ليس الآن وانا افضل الا تكون الآن لأن كل الذى يحاول الآن عمل افلام روائية عنها ما هى الامحاولات لركوب الموجة ولن تصل إلى النضج السينمائى الحقيقى وانا اطالب من يحاول التصدى لها الآن ان ينتظر حتى ينتهى الارتباك المثار حولهما فمازال مثلا شبح الاخوان مستمرا وما فعلوه ويفعلونه الآن يحتاج إلى التأنى والصبر من السينمائيين حتى يقدم شيئا مهما عن هذه الفترة.. فقط التقاط الانفاس والصبر حتى تخرج اعمالا تليق بهذه الاحداث المهمة.