فيما كانت عقارب الساعة لا تزال تدور إلى الخلف سياسيا فى مطلع 2011، كانت السينما تبحث عن طوق نجاة يخرجها من نكسات وخسائر 2010 التى اجتاحت السينما لأسباب متعددة منها انفلوانزا الخنازير، ومجىء شهر رمضان فى منتصف الموسم الصيفى إضافة إلى مباريات كأس العالم بجنوب أفريقيا. كان القرار طرح 4 أفلام مناصفة بين نجمى الشباك أحمد عز وكريم عبدالعزيز بفيلمى «365 يوم سعادة»، و«فاصل ونعود»، وبين فيلمين فازا بجوائز كبرى فى المهرجانات إلى جانب ثناء النقاد وهما «الشوق» لخالد الحجر، و«ميكروفون» لأحمد عبدالله، بالإضافة إلى استكمال عرض ثلاثة أفلام بدأ عرضها قبل رأس السنة بأيام وهى «678» لمحمد دياب، و«الوتر» لمجدى الهوارى، و«بون سواريه» لأحمد عواض.
وبدأ الموسم فعليا بعرض فيلم «الشوق» يوم 5 يناير فى ظروف هى الأفضل لفيلم سينمائى حيث جاء موعد عرضه بعد أيام من حصوله على «الهرم الذهبى» أهم جوائز مهرجان القاهرة السينمائى بالإضافة إلى جائزة أفضل ممثلة التى حصلت عليها بطلته سوسن بدر، واستمر عرض الفيلم أسبوعين منفردا دون أن يستغلهما فى تحقيق إيرادات مناسبة حيث عامله الجمهور كفيلم مهرجانات، وفى 19 يناير جاء عرض «فاصل ونعود» للفنان كريم عبدالعزيز لينعش دور العرض فى أسبوعه الأول الذى أعاد خلاله الثقة فى شباك التذاكر، قبل أن تأتى ساعة الصفر التى لم يكن أحد يتوقعها وتنطلق الشرارة الأولى للثورة يوم 25 يناير، وهو اليوم الذى سبق بيوم واحد موعد عرض فيلمى «365 يوم سعادة»، و«ميكروفون».
فى هذا التاريخ بدأت الثورة مصاحبة بدعوات لمقاطعة الفيلمين بعد سقوط قتلى وجرحى برصاص الأمن، فبادر أحمد عز بإلغاء العرض الخاص ل«365 يوم سعادة» حيث كان مقررا إقامته الأربعاء 26 يناير، بينما «ميكروفون» العائد بأكبر جوائز مهرجان قرطاج فأقيم عرضه الخاص مساء الثلاثاء 25 يناير.
ومنذ هذا التاريخ تصدر الفيلم السينمائى، الأكثر خيالا فى تاريخ مصر، وهو ثورة 25 يناير، المشهد، وأغلقت تقريبا دور العرض بعد إحراق بعضها فى «جمعة الغضب» 28 يناير، وربما من الصعب تقييم هذه الأفلام تجاريا خاصة أن الظروف لم تكن فى صالحها على الإطلاق، حقق «ميكروفون» أقل من نصف مليون جنيه، و«الشوق» أقل من مليون جنيه، بينما نجح «365 يوم سعادة» و«فاصل ونعود» للاقتراب من العشرة ملايين بفضل التوزيع الخارجى.
استغلال الثورة
4 أشهر مرت دون أن يخاطر منتج بطرح أى فيلم يجدد الدماء داخل دور العرض، وكان استمرار الاعتصامات والمظاهرات هو السبب حيث شهدت الفترة بين 11 فبراير يوم تنحى مبارك، و1 يونيو يوم عرض فيلم «الفاجومى» لعصام الشماع أحداثا كثيرة منها اعتصام 19 مارس الذى استقال فيه رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، ثم اعتصام 8 ابريل الذى فض بالقوة من القوات المسلحة لمشاركة بعض ضباط الجيش فى الاعتصام، ثم أحداث 27 مايو التى سميت بثورة الغضب الثانية وظهر فيها شعار «أنا مش حاسس بالتغيير ونازل تانى التحرير» وكان أبرز أهدافها محاكمة الفاسدين وعلى رأسهم الرئيس مبارك وتطهير الشرطة، بالإضافة إلى تشكيل مجلس رئاسى ورحيل المجلس العسكرى.
بدأ الموسم الصيفى بعرض «الفاجومى» الذى يروى سيرة الشاعر أحمد فؤاد نجم، وأقحمت عليه مشاهد من الثورة فى النهاية رغم أن أحداثه الفيلم تنتهى فى عهد الرئيس السادات، ولم يكن هناك أى مبرر درامى لإقحام مشاهد ميدان التحرير حتى إذا كانت مصاحبة بأغنية «بشاير» لنجم.
نفس الأمر تكرر مع فيلم «صرخة نملة» الذى عرض بعد «الفاجومى» بيوم وقرر أيضا مغازلة ميدان التحرير بإقحام مشاهد للثورة فى نهاية الفيلم، وبرر المؤلف طارق عبدالجليل ذلك بأن الفيلم من البداية كان يتنبأ بالثورة.
وفيما كان استغلال الثورة صريحا فى «الفاجومى» و«صرخة نملة»، ظهر ذلك على استحياء فى الفيلم الكوميدى «سامى أكسيد الكربون» للفنان هانى رمزى الذى بدأ عرضه 8 يونيو من خلال مجموعة من الايفهات والتى كانت أيضا محل انتقاد.
وتمثلت أزمة هذا الموسم فى عرض فيلم «الفيل فى المنديل» حيث كان بطله طلعت زكريا على رأس القائمة السوداء للثورة، وتعرض الفيلم لحملة مقاطعة شرسة عبر الصحف ومواقع التواصل الاجتماعى اضطرت الشركة المنتجة إلى رفعه من دور العرض بعد أن حقق خسائر فادحة ليس هو فقط بل وفيلم «الفاجومى» أيضا حيث توقفت إيرادات كل منهما عند نصف مليون جنبه تقريبا.
وقبل أن ينتهى الموسم عرض فيلمان شبابيان هما «المركب» فى 22 يونيو وقام ببطولته مجموعة من الشباب، وكذلك «إذاعة حب» فى 28 يونيو بطولة شريف سلامة ومنة شلبى.
وعند تقييم الموسم كانت الكوميديا الكارت الكسبان حيث احتل «سامى أكسيد الكربون» المقدمة ب9 ملايين جنيه، تبعه «إذاعة حب» ب4 ملايين جنيه، بينما فشل فيلم الوجوه الجديدة «المركب» ولم يحقق سوى 180 ألف جنيه فقط، كما توقفت إيرادات «صرخة نملة» قبل أن تصل 3 ملايين جنيه.
وقبل أن يدخل شهر رمضان بأسبوعين ضحت وزارة الثقافة بفيلم «المسافر» للمخرج أحمد ماهر الذى تخطت تكاليفه 20 مليون جنيه، ليحقق 150 ألف جنيه تقريبا.
موسم شارع الهرم
كان «عيد الفطر» أكثر المواسم إثارة خلال 2011، فبعد أن توقع الجميع أن السينما الجادة سيكون لها نصيب الأسد، بينما ستتواجد السينما الهابطة على استحياء، أكد هذا الموسم أن طريقة تفكير المنتجين لم تتغير، كما أن ذوق الجمهور أيضا لم يتحسن بعد الثورة.
فى 30 أغسطس بدأ هذا الموسم واعتلى الفيلم الغنائى الراقص «شارع الهرم» قمة الإيرادات، ليس لقيمة فنية يحملها ولكن لضمه عددا من الرقصات والأغانى الشعبية للمطربين سعد الصغير وطارق الشيخ والليثى ترقص عليها بطلتا الفيلم دينا وآيتن عامر وأخريات.. ومثل تحقيق الفيلم 14 مليون جنيه صدمة كبيرة لكل المهتمين بمستقبل صناعة السينما فى مصر، خاصة مع زيادة الاهتمام بفيلم «انا بضيع يا وديع» الذى نفذه «تهامى ووديع» بطلا حملة الإعلانات التى وصفت بالإسفاف من خلال أفكار ومصطلحات هابطة وحقق هذا الفيلم 4 ملايين جنيه.
شهد هذا الموسم استمرارا لفكرة استغلال الثورة فى فيلم «تك تك بوم» للفنان محمد سعد من خلال فكرة اللجان الشعبية ودور البلطجية فى حماية الأحياء بدلا من سرقتها، ونظرا لعدم إتقان العمل فنيا لم يلق الفيلم ترحيبا لدى النقاد والجمهور أيضا وان كانت إيراداته وصلت 9 ملايين جنيه.
وبينما مر فيلم «يا أنا يا هو» للمخرج تامر بسيونى مرور الكرام ولم يشغل أحدا إلا أن فكرته مسروقة من فيلم لنجم هوليوود جيم كارى، وكانت كلمة فيلم «بيبو وبشير» إخراج مريم أبوعوف دور فى نجاحه إلى حد ما من فرض نفسه وتحقيق 7 ملايين جنيه فى موسم أطلق عليه «موسم شارع الهرم».
ورغم أن فترة ما بين العيدين شهدت احتقانات واعتصامات كثيرة بسبب أحداث الفتنة بين المسلمين والأقباط التى انتهت فيما سمى إعلاميا بمذبحة ماسبيرو، إلا أن ذلك لم يمنع المخرج إبراهيم البطوط من طرح فيلمه المستقل «حاوى» الذى حصل على الجائزة الكبرى بمهرجان «الدوحة ترايبيكا السينمائى» فى 30 أكتوبر، إلا أن هذا الفيلم لم يجد صدى عند عرضه بسبب عدم توافره فى دور العرض حيث طرح فى 4 نسخ فقط منها اثنتان فى الإسكندرية.
آخر موسم
كان موسم عيد الأضحى الأخير سينمائيا فى 2011، ورغم أن الجميع كان يراهن على أن يكون الأهم ويعوض خسائر العام، خاصة أنه يجمع بين الأفلام التجارية والفنية إلى جانب نجوم الشباك، إلا أن أحداث شارع محمد محمود، وتكرارها أمام مجلس الوزراء فى شارع قصر العينى قضت على كل الأحلام.
الموسم الذى بدأ فى 2 نوفمبر شهد منافسة شديدة بين نجمى الكوميديا أحمد حلمى بفيلم «اكس لارج» للمخرج شريف عرفة، وأحمد مكى بفيلم «سيما على بابا» للمخرج أحمد الجندى، وكعادة النجمين طرحا أفكارا مختلفة وجديدة عليهما، فقدم حلمى شخصية الرجل البدين بأداء مبهر حتى إن هناك من اختلط عليه الأمر فى المشاهد الأولى للفيلم وخدع فى أن هذا البدين الذى يظهر هو أحمد حلمى، بينما قدم مكى شخصيتى «حزلقوم فى الفضاء»، و«الديك فى العشة» ورغم أن الكثير كان حكمه قاسيا على تجربة مكى التى كانت تحتاج وقتا أطول حتى تظهر فى صورة أفضل، إلا أن هناك من أنصفه على الأقل كونه يبادر ويدخل فى مناطق لا يفكر فيها غيره.
ورغم أن المخرج خالد يوسف راهن على أن يكون فيلمه «كف القمر» كارت كسبانا خاصة أن الفيلم الرابع فى الموسم «أمن دولت» للمخرج أكرم فريد أيضا كان كوميديا، إلا أنه لم يكن حصانا رابحا حتى وان كان يضم مجموعة كبيرة من النجوم كخالد صالح وغادة عبدالرازق ووفاء عامر وجمانة مراد، وظل متذيلا للإيرادات فى الموسم حتى وقتنا هذا ب4 ملايين تقريبا.
بينما حقق «أمن دولت» 5 ملايين تقريبا، و«سيما على بابا» 9 ملايين تقريبا، بينما كانت المفاجأة أن تخطى «اكس لارج» 26 مليون جنيه فى ظل هذه الأجواء غير المستقرة.
ولأن موسم عيد الأضحى مستمر حتى البداية الحقيقية لموسم منتصف العام فى نهاية شهر يناير القادم شهدت الأيام الأخيرة طرح فيلمى «أسماء» للمخرج عمرو سلامة، الذى يتناول قصة حقيقية لمريضة بالايدز استطاعت أن تتعايش بالمرض، وكذلك الفيلم الوثائقى «تحرير 2011 الطيب والشرس والسياسى» إخراج عمرو سلامة وآيتن أمين وتامر عزت الذى يتناولون فيه ثورة يناير من ثلاث زوايا مختلفة، لينتهى بهذا الفيلم الثورى عام الثورة السينمائى 2011.. ولكن تبقى الثورة مستمرة.