وزير المالية القطري يثمن دور مصر في دعم القضايا العربية    بن غفير يقتحم المسجد الأقصى للمرة الأولى منذ 7 أكتوبر    حلمي طولان: حسين لبيب عليه أن يتولى الإشراف بمفرده على الكرة في الزمالك.. والفريق في حاجة لصفقات قوية    ارتفاع عدد ضحايا حادث معدية أبوغالب إلى 14 عاملة وإنقاذ 9 وجار البحث عن 3 مفقودين    الصحة والمركز الأوروبي لمكافحة الأمراض يفتتحان ورشة عمل حول تأثير تغير المناخ على الأمراض المعدية بشرم الشيخ    لأول مرة .. انعقاد مجلس الحديث بمسجد الفتح بالزقازيق    لقاءات على هامش القمة    الصحة العالمية: ثلثا مستشفيات غزة خارج الخدمة بسبب العمليات العسكرية    طلاب جامعة الإسكندرية في أول ماراثون رياضي صيفي    أسعار المكرونة اليوم الأربعاء 22-5-2024 بالمنيا    تعديلات جديدة على قانون الفصل بسبب تعاطي المخدرات    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    رئيس مياه القناة: استخراج جذور الأشجار من مواسير قرية الأبطال وتطهير الشبكات    «نقل النواب» تناقش موازنة سكك حديد مصر.. و«الإقتصادية» تفتح ملف «قناة السويس»    حريق داخل وحدة سكنية في بورفؤاد    لمواليد 22 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    اتفاق على عقد منتدى السياحة الأفريقية بشرم الشيخ «سنويًا»    دار الإفتاء توضح أفضل دعاء للحر.. اللَّهُمَّ أَجِرْنِى مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ    خامنئى يصلى على جثمان الرئيس الإيرانى الراحل والوفد المرافق له    خبيرة تغذية تنصح بعدم شرب الماء بعد الوجبات مباشرة    إسبانيا تلحق بالنرويج وأيرلندا وتعترف بالدولة الفلسطينية    فصائل فلسطينية: استهدفنا ناقلة جند إسرائيلية جنوب شرق مدينة رفح    على البساط الوردى «فرانكلين» و«دوجلاس» فى كان!    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    استطلاع رأى 82% من المواطنين:استكمال التعليم الجامعى للفتيات أهم من زواجهن    اليوم.. انطلاق الدورة الرباعية المؤهلة إلي الدوري الممتاز    استعدادات مكثفة بموانئ البحر الأحمر.. ورفع درجة الاستعداد بميناء نويبع البحري لبدء موسم الحج البري    جامعة عين شمس تحصد 3 جوائز لأفضل رسائل ماجستير ودكتوراه    5 أسباب رئيسية للإصابة بالربو ونصائح للوقاية    الطالب الحاصل على جائزة «المبدع الصغير» 2024 في الغناء: أهدي نجاحي لوالدتي    حملة لإزالة مزرعة العاشر للإنتاج الحيوانى والداجنى وتربية الخيول والنعام فى الشرقية    طلاب الشهادة الإعدادية في الإسكندرية يؤدون امتحان الهندسة والحاسب الآلي    رابط نتيجة الصف السادس الابتدائي 2024 الترم الثاني جميع المحافظات والخطوات كاملة    تفاصيل الحالة المرورية اليوم.. كثافات في شارعي رمسيس والهرم (فيديو)    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    النقض تنظر طعن "سفاح الإسماعيلية" على حكم إعدامه.. اليوم    51 مباراة دون هزيمة.. ليفركوزن يسعى لمواصلة كتابة التاريخ في موسم استثنائي    المفتي: نكثف وجود «الإفتاء» على مواقع التواصل.. ونصل عن طريقها للشباب    جدول مساحات التكييف بالمتر والحصان.. (مساحة غرفتك هتحتاج تكييف كام حصان؟)    مبلغ صادم.. كم بلغ سعر إطلالة ماجي زوجة محمد صلاح؟    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    مأساة غزة.. استشهاد 10 فلسطينيين في قصف تجمع لنازحين وسط القطاع    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    جوميز: لاعبو الزمالك الأفضل في العالم    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    «نادٍ صعب».. جوميز يكشف ماذا قال له فيريرا بعد توليه تدريب الزمالك    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    «الثقافة» تعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة لعام 2024    67.7 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال جلسة منتصف الأسبوع    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    اليوم.. قافلة طبية مجانية بإحدى قرى قنا لمدة يومين    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    حدث بالفن | فنانة مشهورة تتعرض لحادث سير وتعليق فدوى مواهب على أزمة "الهوت شورت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللحظات الأخيرة فى غرف الولادة
1300 سيدة تموت سنويًا أثناء الحمل والولادة لأسباب يمكن تجنبها
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 05 - 2013

نزيف ما بعد الولادة أشهر أسباب الوفاة المباشرة لنحو 23% من الحالات.. يليه تسمم الحمل الذى يحدث ل 15%.. ثم تأتى حمى النفاس فى الترتيب الثالث وتتسبب فى موت نحو 10%.
محمد نور: الأمية والعادات والتقاليد والفقر تمنع الأمهات من الحصول على الحق فى الرعاية الصحية.

عاطف الشيتانى: على الجميع إدراك أن البيت المصرى هو أول مقدم للخدمة الصحية .

أميمة إدريس: زيادة معدلات الفقر وإغلاق المراكز الصحية لنقص الأطباء ستزيد من معدلات وفيات الأمهات.


تستضيف مصر المؤتمر العربى للسكان والتنمية فى يونيو المقبل، الذى تعلن فيه الدول العربية، عما أنجزته من تعهدات قطعتها فى مؤتمر الدوحة 2009، لتحقيق أهداف الألفية الثمانية للأمم المتحدة، التى تعهد رؤساء هذه الدول، ومنها مصر، على تحقيقها عام 2000 فيما يخص رفاهية سكانها وتنميتهم.

أهداف الألفية الثمانية هى: القضاء على الفقر المدقع، تعميم التعليم الابتدائى لجميع الأطفال، تعزيز المساواة بين الجنسين، تخفيض معدلات وفيات الأطفال، وتحسين معدلات صحة الأمهات وخفض وفياتهن، ومكافحة الأيدز، وكفالة الاستدامة البيئية، وإقامة شراكات عالمية.

من بين الأهداف الثمانية تتباهى مصر بإمكانية النجاح فى تحقيق الهدف الخامس، الذى يقاس بخفض وفيات الأمهات بنسبة 75% عما كانت عليه فى عام 2000.

وحسب إحصائيات وزارة الصحة هناك تقدم فى إنجاز الهدف، لكن خبراء آخرون يرون أن الأرقام وحدها لا تكفى للكشف عما يحدث على أرض الواقع، وعن أسرار وفاة 1300 سيدة أثناء الحمل والولادة سنويا. فهل تستطيع مصر تحقيق هذا الهدف بالفعل، فى الوقت الذى، ترتفع فيه الأسعار، وتقل فرص حصول الفقراء على الرعاية الصحية والمشورة الطبية السليمة؟.

كان يوم الأربعاء فى إحدى قرى محافظة أسيوط.. استيقظت فتحية وهى تشعر بصداع ودوخة، فشكت لزوجها، فطمأنها قائلا «كل الحوامل بيحسوا بكده، استحملى زى ما استحملتى فى الحمل اللى فات، هاعمل لك كوباية ليمون وهازود لك السكر».

تحملت فتحية ذات ال24 سنة، حتى اليوم التالى، وشكت لزوجها نفس الأعراض، وفى اليوم الثالث أضافت له أنها لم تستطع التبول منذ يومين، فاصطحبها الزوج إلى عيادة الطبيب، فنصحهم الطبيب بالذهاب للمستشفى لأنها تعانى من تسمم الحمل.

لكن الوقت كان متأخرا، فانتظر الزوج حتى الصباح ليذهب بفتحية إلى المستشفى، لكنها ماتت هناك، لأن حالتها كانت قد وصلت إلى الفشل الكلوى.
ماتت فتحية وتركت طفلين يتيمين وأسرة مدمرة.

قرأ د. محمد نور، مدير الإدارة العامة لرعاية الأمومة والطفولة بوزارة الصحة، هذه التفاصيل، فى سجل يرصد وفيات الامهات الذى يصل شهريا إلى الإدارة من كل قرى ومحافظات مصر، ليختار أن يذهب بنفسه للوقوف على سبب ما حدث.

سأل نور نفسه وهو متجه إلى أسيوط، كيف لم تسمع فتحية عن علامات الخطر فى الحمل، التى دائما ما تحملها رسائل الرائدات الريفيات، وتركز عليها ندوات التوعية، والمشورة فى عيادات تنظيم الأسرة، لكنه عرف الكثير عندما قابل الزوج الذى يعمل فى الفلاحة ولا يعرف القراءة ولا الكتابة.

القىء المستمر والنزيف ونزول البطن لأسفل والصداع والزغللة والجفاف، كلها علامات خطر، على الحامل أن تتجه للمستشفى فورا إذا شعرت بها، قبل أن تصل الحالة للوفاة.

التقاليد والفقر

فى واحة سيوة توفيت الأم بعد أن وضعت وليدها على يد داية، لأن التقاليد تمنع بعض السيدات من الولادة على يد طبيب الوحدة الصحية، وانصرفت الداية وتركت الأم دون أن تنتظر حتى تستقر حالتها، وفوجئت الأم بنزيف، وتجمع الأهل وأشاروا على الزوج بضرورة نقلها إلى مستشفى مطروح، لكنها ماتت فى الطريق الذى يستغرق ست ساعات للوصول للمستشفى.

ماتت الأم وتركت ابنها فى أشد الحاجة إلى الرضاعة منها، وعليه أن يتحمل طوال عمره مشاعر اليتم والحياة مع زوجة أب، هكذا يصف د. نور المشهد، الذى شعر معه بقلة الحيلة.

يعلق د. محمد نور: «العادات قد تكون وراء عدم وصول بعض الأمهات إلى الخدمة الصحية ومتابعة الحمل، كما أن الفقر قد يمنع أيضا من الوصول للخدمة، فقد تتراجع الحامل عن متابعة الحمل إذا تكلفت جنيها للذهاب وآخر للعودة إلى الوحدة الصحية فى القرية المجاورة، بالإضافة إلى ثمن التذكرة وبعض الادوية، رغم أن الخدمة مجانية».

الأسباب المتكررة

يشير مصطلح وفيات الأمهات، إلى أى وفاة لسيدة بسبب يرجع إلى الحمل أو الولادة أو النفاس فى السن من 15 49 سنة، وخلال 40 يوما من الولادة.

وترجع 70% من هذه الأسباب للحمل والولادة بحسب الاحصائيات العالمية، و30% إلى إصابة السيدة بأمراض أخرى، وفى جميع الأحوال تحدث الوفاة بسبب التأخر فى طلب الخدمة الطبية، لقلة الوعى بمتابعة الحمل.

نزيف ما بعد الولادة هو أشهر أسباب الوفاة المباشرة التى تقع لنحو 23 % من الحالات.. يليه تسمم الحمل الذى يحدث لنحو 15% من الحالات، خاصة لدى صغيرات السن، نتيجة ارتفاع فى ضغط الدم، يؤثر سلبا على عمل الكلى، وقد يؤدى فى النهاية إلى فشل كلوى، ويمكن تجنبه إذا تمت متابعة مبكرة للحالة.

ثم تأتى حمى النفاس فى الترتيب الثالث، التى تتسبب فى نحو 10% من حالات الوفيات، نتيجة ميكروب يصاب به الجهاز التناسلى خلال الولادة بسبب التلوث، خاصة فى الولادات التى تجرى على أيدى غير مختصين وفى أماكن غير مهيأة وبأدوات غير نظيفة، وتؤدى للوفاة خلال يومين أو ثلاثة، إذا لم تحصل السيدة على المضاد الحيوى اللازم.

أما أشهر الأسباب غير المباشرة لوفيات الامهات فى مصر، فترجع إلى إصابة الأم بالحمى الروماتزمية أوالأنيميا، ومنها أيضا أمراض القلب والكلى والأروام والأمراض الصدرية، بنسب متفاوتة.

ويمكن أن تساعد المتابعة الجيدة للحمل فى التغلب على مشكلة الانيميا، فتعالج السيدة بأقراص الحديد وحمض الفوليك، الذى يعطى لجميع الحوامل مجانا فى 5000 وحدة طبية على مستوى الجمهورية، بالإضافة إلى تحاليل السكر والزلال التى تتنبأ باحتمال تسمم الحمل مبكرا وتفاديه، بالإضافة لقياس الضغط ومتابعة تطور الجنين.

حكاية أول مرصد

يرجع أول رصد لوفيات الأمهات فى مصر إلى عام 1992، فى دراسة لوزارة الصحة أشارت إلى أن معدل وفيات الأمهات وصل إلى 174 حالة لكل 100 ألف مولود حى.

بعدها بدأت الوزارة فى تخصيص برنامج قومى لتطوير خدمات الأمومة والطفولة، للحد من هذه النسبة، يعتمد على متابعة الحمل والولادات، وتجهيز الوحدات والمستشفيات لبرامج متابعة الحمل والولادة.

ووصلت معدلات وفيات الأمهات فى دراسة لوزارة الصحة والجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء، إلى 84 حالة لكل 100 ألف مولود فى سنة 2000، بانخفاض يصل إلى 52 %، ودلت الدراسة على أن 85% من حالات الوفاة لأسباب يمكن تجنبها.

وتواكبا مع توقيع مصر على تحقيق أهداف الالفية، ومنها الحد من وفيات الامهات بنسبة 75%، أصدر وزير الصحة قرارا بتطبيق برنامج قومى لترصد حالات وفيات الامهات فى كل قرى ومدن مصر، للتعرف على أسباب وفيات كل حالة، وبالتالى العمل على تجنب تكرارها.

وتدل إحصاءات المرصد لعام 2011 على وصول نسبة وفيات الامهات فى مصر إلى 57 حالة لكل 100 ألف مولود حى.

ويتوقع د. محمد نور المشرف على المرصد، أن تصل النسبة إلى 51 حالة لكل 100ألف فى إحصاءات 2012، مدللا على ذلك بوصول نسبة الولادات فى المؤسسات الصحية إلى 73% بعد أن كانت 39 % فقط عام 1990.

لكن د. أميمة إدريس، أستاذ النساء والتوليد بطب قصر العينى، ومؤسسة مستشفى الولادة بالكلية، ترى أن عدد وفيات الأمهات فى مصر أكبر من هذه الأرقام، «لأن بعض الحالات تسجل على أنها وفاة نتيجة هبوط فى الدورة الدموية، ويصل هذا المعدل فى بعض المحافظات إلى 500 و600 وفاة لكل 100 ألف مولود حي».

وتحذر أميمة من زيادة قادمة فى أعداد وفيات الأمهات، مع ارتفاع معدلات الفقر، الذى يضطر الكثيرات إلى الولادة فى المستوصفات أو العيادات غير المجهزة، لعدم استطاعتهن الولادة فى المستشفيات، ولاغلاق الكثير من المراكز الصحية التى تتابع السيدة خلال الحمل، بسبب نقص الأطباء، وعدم تشجيعهم على العمل بهذه المراكز بأجور مجزية.

وتدلل على ذلك بحالات الولادة الخطيرة التى ترفض الولادة فى مستشفى قصر العينى، ولا تستطيع دفع ثمن الولادة فى المستشفى الخاص، فتتجه إلى العيادات غير المجهزة أو الولادة فى المنزل، وتكون النتيجة أن تحول لمسشفى قصر العينى فى حالة خطرة، بعد حدوث مضاعفات قبل او بعد الولادة، وأغلبها نزيف أو انفجار فى الرحم.

لا تنسى د. أميمة حالتين جاءتا فى لحظة واحدة، كلتيهما فى السادسة عشرة من العمر، وكانتا تنزفان بعد الولادة، الاولى قادمة من السيدة زينب والأخرى من قرية بالفيوم، وحاول الاطباء اسعافهما، لكن إحداهما فارقت الحياة، ومن بين 50 إلى 70 حالة ولادة يوميا بمستشفى الولادة بقصر العينى تتوفى حالة أو اثنان أسبوعيا، فى نسبة تقترب من نسبة مستشفى الجلاء للولادة فى وسط القاهرة، كما تقول د. أميمة.

أسيوط والأقصر أعلى وفيات
وضع البرنامج القومى لرصد وفيات الامهات، نموذجا لتقصى هذه الوفيات يحتوى على 30 سؤالا فى 4 صفحات، يجيب عنها التقرير، تشمل توقيت الوفاة ومكانها، وكيف تمت، ونوع المستشفى، والتاريخ الانجابى للسيدة، ومتابعة الحمل، وسبب الوفاة، وبيانات عن المولود.

وتدل إحصاءات المرصد لعام 2011، على أن التعليم ومكان إقامة السيدة يؤثران فى حصولها على الخدمة الطبية، فأعلى نسبة وفيات للامهات على مستوى المحافظات تقع فى محافظنى أسيوط والاقصر، حيث يصل المعدل فى أسيوط إلى 83 حالة لكل 100 ألف مولود حى، وتصل إلى 117 لكل 100 ألف مولود فى الاقصر.

هذه الارقام تستند إلى مكان الوفاة وليس إلى مكان إقامة السيدة، فبعض وفيات الاقصر التى تتوفى فى مستشفى الاقصر الدولى قادمة من محافظتى قنا وأسوان، كما أن بعض وفيات أسيوط الجامعى لحالات قادمة من المنيا وسوهاج كما يوضح د. محمد نور.

أما أقل نسبة لوفيات الامهات فهى فى جنوب سيناء، فتصل إلى الصفر، وتصل إلى 23 لكل 100 ألف ولادة فى كفر الشيخ، و30 لكل 100 ألف مولود فى شمال سيناء.

بينما يرتفع المعدل فى القاهرة والإسكندرية إلى 75 حالة لكل 100 ألف ولادة، لأن مستشفياتهما، تستقبل الحالات الخطرة المحولة من محافظات القاهرة الكبرى للقاهرة، ومن البحيرة ومرسى مطروح للاسكندرية.





الناس وأرقام الحكومة

يمر شريط الذكريات أمام د. عاطف الشيتانى، مقرر المجلس القومى للسكان، وهو يقرأ تقرير تقصى وفيات الأمهات، متوقفا عن تلك اللحظات العصيبة، التى عاشها فى إحدى ليالى شتاء عام 1985، وهو طبيب النساء والتوليد وقتها بمستشفى الاقصر العام.

وقتها كان المستشفى ممتلئا بالعديد من أهالى الصعيد، الذين رافقوا إحدى السيدات التى جاءت فى حالة نزيف حاد بعد الولادة، الاطباء كانوا يتبادلون العمل على تدليك رحم السيدة، ليمكنه الانقباض، ليتوقف النزيف، بينما يحاول آخرون تزويدها بالدم، لتعويض الدم المفقود.

الجميع مدوا أياديهم للتبرع بالدم، والأطباء كانوا يسابقون الزمن، للبحث عن نفس فصيلة دمها، وتوفير أدوية الانقباض.

أخذ الاطباء قرارا بتجهيزها لعملية استئصال الرحم لانقاذ حياتها، لكن السيدة كانت تعانى من أنيميا حادة بسبب سوء التغذية، ولم تتحمل النزيف، فماتت بين أيدى الأطباء.

الواقعة ما زالت تتكرر فى رأى د.عاطف بسبب مشكلات تتعلق بعدم توافر الخدمة الطبية لكل القرى والنجوع، ولعدم وعى الأسر بأهمية المتابعة الطبية أثناء الحمل.

«البداية يجب أن تكون من خلال استماع الحكومة لرأى الناس عند وضع خططها وأهدافها، فقد تضع الحكومة خطتها على أساس هدف خفض وفيات الامهات من 47 حالة لكل 100 ألف مولود إلى 40 أو 30 حالة، لكنها لو سألت الازواج سيتغير الهدف الى «صفر»، لأنه لا ينبغى أن تموت أى سيدة مصرية وهى تهب الحياة، ولا ينبغى أن تموت السيدة من الإجهاض غير المأمون»، كما يقول عاطف.

ويربط الشيتانى بين وفيات الأمهات وبين حصول الاسرة المصرية على خدمات تنظيم الأسرة والمشورة، فتوضح نتائج آخر مسح سكانى صحى أجرى فى 2008 أن حوالى 26% من المستخدمات لوسائل تنظيم الأسرة ينقطعن عن استخدام الوسائل خلال العام الأول، نتيجة للعديد من الأسباب يرتبط أغلبها بجودة الخدمات المقدمة، وبالتالى يتعرضن لحمل غير مرغوب فيه، محفوف بالمخاطر.

يتوقف عاطف عند الحاجة إلى خطط إعلامية للتوعية «إذا أدرك المسئولون أن مقدم الصحة الاول فى مصر هو البيت المصرى، فلن يتجاهلوا كون أن أفكار المجتمع وعاداته والمشورات العائلية هى المسئولة عن 70% من المشكلات الصحية، ومنها وفيات الأمهات».

الداية أفضل من العيادة

تفاصيل بعض تقارير تقصى وفيات الامهات تدفع مدير المرصد د. محمد نور، إلى السفر بنفسه، لأسرة المتوفية لاستشعاره بأن هناك شيئا غريبا.

منها حالة وفاة لطبيبة تبلغ 24 سنة، بعد أن وضعت حملها فى أحد المستشفيات بمدينة بنى سويف، وهناك عرف د. محمد نور أن الطبيبة الشابة كانت تتابع حملها عند 4 من المختصين فى النساء والتوليد، وكانت الامور تسير على ما يرام، وولدت ولادة طبيعية فى المستشفى، لكنها غادرت المستشفى قبل مرور الساعات الثمانية بعد الولادة، التى يفترض أن تظل فيها تحت الملاحظة.

وعندما عادت للبيت أصيبت بنزيف حاد، وحدثت الوفاة قبل أن تصل إلى أى مستشفى لمحاولة إنقاذها.


حالة الاهمال الثانية التى تسببت فى وفاة شابة فى نفس العمر أيضا كانت فى مدينة دمياط، كان الحمل الثانى للسيدة، وطمأنتها الطبيبة المتابعة لحملها بامكانية أن تلد فى عيادتها دون مشاكل، خاصة أن الطبيبة تسكن فى نفس مبنى العيادة، وستظل تتابعها طوال الوقت.

وبالفعل وضعت السيدة الشابة حملها، وتركتها الطبيبة وصعدت إلى بيتها، ولاحظ ابن السيدة ذى السنوات السبع أن أمه تنزف، فصعد لمنزل الطبيبة، فطمأنته بأن الامر عادى، فنزل لأمه، وعاد للطبيبة بعد ساعة ورجاها أن تنزل لترى أمه، وعندها قررت الطبيبة تحويل السيدة للمستشفى، لكنها ماتت بمجرد وصولها للمستشفى متأثرة بنزيفها.

قرارات قطاع العلاج الحر بوزارة الصحة تمنع إجراء أى ولادة داخل العيادات الخاصة، لكن العائد المادى يدفع بعض الاطباء فى القاهرة والمحافظات إلى إجراء بعض الولادات داخلها، وهى أماكن غير مجهزة لهذا الأمر، خاصة فى حالات الحمل الخطر، التى يجب أن تلد فى المستشفيات. يرى د.نور أن التركيز على منع الولادات فى العيادات الخاصة بتشريع قوى، من شأنه أن يقلل كثيرا من معدل وفيات الامهات الحاصل فى مصر الآن، لأن الارقام تدل على أن عدد حالات الولادة فى المستشفيات عام 2013 قد وصل إلى 73%، بعد أن كان 39% فقط من الولادات عام 1990، مما يعنى ان الوصول إلى أن تتم كل الولادات فى المستشفيات من شأنه أن يقلل كثيرا من هذه الوفيات.

«من المستحيل أن تجرى كل الولادات فى المستشفيات لا فى مصر ولا فى أمريكا»، كما تقول د. أميمة إدريس، لأنه لا توجد أسرة فى المستشفيات تكفى لولادة مليونين و400 ألف طفل سنويا فى مصر.

ترى د. أميمة أن الولادة على يد القابلة أو الداية المدربة أفضل من الولادة فى العيادات، لأن الداية تعرف أين حدودها، ومتى يجب أن تأمر بنقل الحامل إلى المستشفى، أما الطبيب فى العيادة فيجازف أحيانا وقد لا يكون معه مساعدون، وتصل الكثير من هذه الحالات إلى مستشفى قصر العينى بين الحياة والموت.

تنادى أميمة بعودة تدريب الدايات على الولادات الآمنة فى البيوت، شريطة ألا تنقطع متابعة الحامل عند الطبيب طوال فترة الحمل، وهو الذى يسمح بالولادة على يد الداية فى الحالات التى لا تستدعى الولادة فى المستشفى، وهو أمر معترف به فى أكثر الدول تقدما.

ويشير تقرير لليونسيف إلى أن مصر لن تستطيع الوصول إلى هدف الألفية فى الوصول بمعدل وفيات الأمهات إلى 43 لكل مائة ألف بحلول 2015، إلا إذا عالجت التفاوت فى الخدمة الصحية بين المحافظات الحضرية، وبين ريف الصعيد، الذى يمثل 25٪ من سكان البلاد، وتبلغ فيه معدلات وفيات الأطفال الرضع والأمهات ضعف معدلهما فى المحافظات الحضرية.

وتصل نسبة النساء الراغبات فى استخدام وسائل تنظيم الاسرة، ولا يستطعن الحصول عليها إلى 15 % فى الريف، فى حين أنها تصل إلى 9،2% على المستوى القومى. د. محمد فريد بياض استشارى النساء والتوليد، الذى شارك فى الكثير من دورات تدريب الاطباء على خدمات الصحة الانجابية بوزارة الصحة، يرى أنه «ما زالت هناك حاجة إلى تدريب الأطباء والعاملين فى مجال الامومة والطفولة، للارتقاء بجودة الخدمات المقدمة، وتكامل الادوار بين وزارة الصحة وكليات الطب والتمريض، ومستشفياتها، لتخطى الحواجز الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والجغرافية، التى تحول دون حصول الاسر على هذه الحقوق، خاصة فى الريف».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.