إلي المولي سبحانه عز وجل، كل الأديان السماوية تنتسب، وإلى تلك الفكرة أيضا تنتسب «المولوية المصرية» التي تحولت من مجرد طريقة صوفية إلي فن له جمهوره من جميع العقائد والديانات، الذي ارتبط بالحالة التي تبثها الفرقة على مسارح الدولة والعالم كله. منذ الفتح العثماني وحتي ثورة يوليو 1952، كانت الطريقة المولوية – أحد الطرق الصوفية – لها مكانتها ووضعها الخاص في مصر، وتنسب أصل الطريقة إلي "المولي جلال الدين الرومي"، من أصل تركي والذي كان يعتقد في الطريقة الصوفية، وأدخل هذه الطريقة إلي مصر مع الفتح العثماني.
وعن مصطلح «التكية المولوية»، فتعتبر التكية "فنا معماريا وإسلاميا روحيا"، وبمفهومها العامي هي "مكان ليرتاح فيه الناس وتأكل وتشرب، وتقام فيها الاحتفالات والحضارات"، كما أنها أحيانا كانت تقوم بأدوار اجتماعية، فكانت تطبب الناس وكذلك دور للتربية والتهذيب والتعليم ورعاية الفقراء.
وارتبطت هذه التكية بالمولوية، لأن الدراويش كانوا يتجمعون بها ليقيموا الاحتفالات الصوفية الخاصة بهم، فكان يطلق عليها «مسرح الدروايش»، وظلت تمارس هذا الشكل الاحتفالي حتي ثورة يوليو 1952.
بهذه المقدمة التاريخية المختصرة، بدأ المنشد والمتصوف، عامر التوني، حديثه عن المولوية وعودتها مرة أخري حتي ظهرت بقوة في الفترة الماضية وجذبت الكثير من الجمهور حولها.
في عام 1994، عاد التوني بالمولوية المصرية، "ولكن تلك المرة كانت نسبتها إلي المولي عز وجل وليس المولي جلاد الدين الرومي"، كما أكد في حديثه ل "بوابة الشروق"، مشيرا إلي أن هذه المولوية هي في الأصل تراث إنساني، له عدة رموز من خلال أدواته. "المولوية كانت تستخدم الشكل الرمزي فالملابس البيضاء رمز للكفن والتجرد، والطربوش رمز للوحدانية"، بحسب قوله، مشيرا إلي أن فكرة الدوران عكس عقارب الساعة، التى هي أساس الشكل الاحتفالي، هي فكرة مصرية من أيام الفراعنة، وتستخدم في المولوية تشبها بالكواكب في العبادة، مضيفا أن "فكرة الدوران عكس العقارب هي فكرة الطواف، الذي هو أحد شعائر الحج، فاللفيف أو الدرويش أو الراقص الصوفي يتشبه بالحجاج، وطور هذه الفكرة بأن تخيل الكعبة في قلبه ودار حول نفسه".
وعلى عكس ما يظنه البعض عن "الدروايش أو المجاذيب"، بأنهم ناقصو عقل، فإن التوني وغيره من المتصوفة يتمنون هذه الجذبة للوصول لمرحلة الدراويش، فيعتبر عامر التوني أن "الدرويش في العرف الصوفي مرتبة عالية في التواصل مع الله وحالة من التجرد الإنساني للوصول إلي الله، وأتمني أن أصل لمرحلة الدرويش وأجتهد من أجلها".
"الدرويش أو المجذوب، مصطلح راق حملناه على مصطلحات تانية، وأنا أتمني أن تحدث لى هذه الجذبة وأتحول لمجذوب، ومع أن الجذبة في عرفها تطلق على من أصابه الجنون وليس عنده رجاحة عقل، ولكنها عند المتصوفة تعني أن تكون موجود هنا علي الأرض ولكن روحك مع الله"، هكذا علق المنشد عامر التوني، مؤسس فرقة المولولية المصرية، على من يسخرون من لفظة درويش أو مجذوب..
مستطردا، "الجذبة لها حلاوة لو علم بها الملوك لجالدون عليه"، معتبرا أن أبهى نشوة في الوجود هي أن تكون مع الله، فلهذه يري المتصوفة أن من يصل لهذه المرحلة فهو حصل على هبة من الله وأصبح في مرتبة أعلى ومرحلة قرب أكثر من الله.
وعن فرقته وجمهوره، يقول التوني، إنه ليس بالضروري أن يكون جميع الفرقة من المتصوفة، "فهناك ناس نستخدمها حتي نوصل حالتنا للجمهور"، مشددا على ضرورة أن تصل الحالة للجمهور، الذي ليس بالضرورة أن يكون من معتقدي الصوفية، قائلا "طالما ارتضينا أن نقدم شكل احتفالي على المسرح فلابد أن نعمل بقواعد المسرح، وهو مراعاة أن هناك عرض أدائي ومجموعة تتلقي".
وانتقل التوني بالمولوية وفرقته، إلي الكثير من دول العالم، وقدم عروضه في بلدان عديدة "التي أعطت لهم مساحة كبيرة واهتمام لم تجده في مصر كفرقة حرة، وعلى رأس هذه البلاد، الهند"، فيقول المنشد والمتصوف " لا يوجد مهرجان يقام في الهند إلا ونحن مدعوون فيه".
وفي الهند اعتاد أهلها علي شكال مختلفة من التأمل، فيجدون في المولوية المصرية حالة أخري مختلفة، "فأهلها يشعرون الكلام من غير أن يفهموا معناه، ولا يطالبوننا بالترجمة"، بحسب قوله، مضيفا أن الجمهور هناك أكثر من مصر كثيرا، "فالجمهور في مصر محدود بأماكن كلها تتراوح من 200 ل 800 فرد كحد أقصي، ولكن في الهند المهرجانات تام في أماكن مفتوحة".
وكدليل على ارتباط الجمهور الهندي بالفرقة المصرية، أكد مؤسس الفرقة أنه عندما كانوا يقدمون العرض الأول في المهرجانات كان الجمهور يترك الحفل بعد انتهاء عرضهم، حتي أصبحت الهند تضمن بقاء جمهورها بتأخير عرضهم حتي النهاية.
ويقول المنشد عامر التوني ختاما عن إيمانه بالصوفية "الصوفية في شقها الروحي معناها الصفاء، بأن أصفى من أعباء الدنيا وأبقي فترات طويلة مع الله".