عاجل - سعر الدولار مباشر الآن The Dollar Price    حماية المستهلك يشن حملات مكبرة على الأسواق والمحال التجارية والمخابز السياحية    خالد أبو بكر: مصر ترفض أي هيمنة غير فلسطينية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح    تفاصيل قصف إسرائيلي غير عادي على مخيم جنين: شهيد و8 مصابين    أكسيوس: محاثات أمريكية إيرانية غير مباشرة لتجنب التصعيد بالمنطقة    نجم الزمالك السابق: نهائي الكونفدرالية يحتاج 11 مقاتلًا في الملعب    ننشر التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة    تدخل لفض مشاجرة داخل «بلايستيشن».. مصرع طالب طعنًا ب«مطواه» في قنا    رقص أحمد السقا مع العروس ريم سامي على غناء عمرو دياب «يا أنا يا لاء» (فيديو)    مفتي الجمهورية: يمكن دفع أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة.. وبند الاستحقاق متوفر    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 18 مايو بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    بعد 94 دقيقة.. نوران جوهر تحسم الكلاسيكو وتتأهل لنهائي العالم للإسكواش 2024    قبل مواجهة الترجي.. سيف زاهر يوجه رسالة إلى الأهلي    «مش عيب تقعد لشوبير».. رسائل نارية من إكرامي ل الشناوي قبل مواجهة الترجي    سعر العنب والموز والفاكهة بالأسواق في مطلع الأسبوع السبت 18 مايو 2024    عاجل.. رقم غير مسبوق لدرجات الحرارة اليوم السبت.. وتحذير من 3 ظواهر جوية    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 في محافظة البحيرة.. بدء التصحيح    حلاق الإسماعيلية يفجر مفاجأة بشأن كاميرات المراقبة (فيديو)    شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة "اصليح" بخان يونس جنوب قطاع غزة    عمرو أديب عن الزعيم: «مجاش ولا هيجي زي عادل إمام»    لبنان: غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الخيام جنوبي البلاد    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    هل مريضة الرفرفة الأذينية تستطيع الزواج؟ حسام موافي يجيب    مؤسس طب الحالات الحرجة: هجرة الأطباء للخارج أمر مقلق (فيديو)    تعرف على موعد اجازة عيد الاضحى المبارك 2024 وكم باقى على اول ايام العيد    نحو دوري أبطال أوروبا؟ فوت ميركاتو: موناكو وجالاتا سراي يستهدفان محمد عبد المنعم    تعادل لا يفيد البارتينوبي للتأهل الأوروبي.. نابولي يحصل على نقطة من فيورنتينا    حضور مخالف ومياه غائبة وطائرة.. اعتراضات بيبو خلال مران الأهلي في رادس    منها سم النحل.. أفكار طلاب زراعة جامعة عين شمس في الملتقى التوظيفي    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    محكمة الاستئناف في تونس تقر حكمًا بسجن الغنوشي وصهره 3 سنوات    وسط حصار جباليا.. أوضاع مأساوية في مدينة بيت حانون شمال غزة    سعر اليورو اليوم مقابل الجنيه المصري في مختلف البنوك    أكثر من 1300 جنيه تراجعا في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 18 مايو 2024    خبير اقتصادي: إعادة هيكلة الاقتصاد في 2016 لضمان وصول الدعم لمستحقيه    ماسك يزيل اسم نطاق تويتر دوت كوم من ملفات تعريف تطبيق إكس ويحوله إلى إكس دوت كوم    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    حظك اليوم برج العقرب السبت 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هاني شاكر يستعد لطرح أغنية "يا ويل حالي"    «اللي مفطرش عند الجحش ميبقاش وحش».. حكاية أقدم محل فول وطعمية في السيدة زينب    "الدنيا دمها تقيل من غيرك".. لبلبة تهنئ الزعيم في عيد ميلاده ال 84    عايدة رياض تسترجع ذكرياتها باللعب مع الكبار وهذه رسالتها لعادل إمام    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    «الغرب وفلسطين والعالم».. مؤتمر دولي في إسطنبول    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    انطلاق قوافل دعوية للواعظات بمساجد الإسماعيلية    حدث بالفن| طلاق جوري بكر وحفل زفاف ريم سامي وفنانة تتعرض للتحرش    الأرصاد تكشف عن موعد انتهاء الموجة الحارة التي تضرب البلاد    هل يمكن لفتاة مصابة ب"الذبذبة الأذينية" أن تتزوج؟.. حسام موافي يُجيب    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحرش المسكوت عنه فى الحرملك
حين تلجأ المرأة لعربة السيدات بالمترو هربا من تحرش الرجال فتجد اللمسة العابثة «حريمى»
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 09 - 2012

فى نفس الموعد كل صباح تقف نادية أمام سلالم محطة مترو المظلات، تغرق فى لحظات سريعة من التفكير قبل أن تحسم أمرها بخطوة على درج ينزل بها إلى حيث تعانى يوميا من لمسات غير مرغوبة، واحتكاكات مقصودة بفعل الزحام أو الرغبة، ويبقى الصمت مع القهر المكتوم هو رد الفعل اليومى الذى تمارسه هذه السيدة.

عربة السيدات فى المترو هى سبيل النجاة من عيون وأيادى وأجساد الرجال المتحرشين فى العربات المشتركة، لذا تنتظرها نادية دون كلل، والانتظار هو الخيار الوحيد إذا ما فاتتها عربة القطار أو منعها الزحام من الصعود.. تنتظر وتنتظر، فتأنيب رئيسها فى العمل على تأخيرها أفضل كثيرا من أن تترك جسدها للأيدى العابثة فى الزحام.. أحيانا تتحلى بشجاعة المواجهة، تلقن المتحرش «علقة ساخنة» أو تنال منه لفظيا، لكنها تظل تشعر بمهانة وجرح عميق فى كبريائها ويصيبها الكدر طوال اليوم وتظل تتساءل: لماذا فعل هذا الرجل فعلته؟ لكنها تجد الأسئلة أصعب بكثير حين تهرب لعربة السيدات ظنا منها أن هذا «الحرملك» المقصور على النساء فقط، سيمنع الأيادى العابثة من سرقة لمسات من جسدها، لكنها تكتشف أن السرقة مستمرة وهذه المرة بيد امرأة مثلها.

فى طريق عودتها من العمل برفقة زميلة، وقفت على أول الرصيف فى المكان الذى تحفظه كل النساء حيث تفتح أبواب عربة السيدات، كان التدافع شديدا والزحام أكبر من المعتاد، لكن الأمر سواء بالنسبة لهن، فالكل مطمئن طالما لا يدخل الرجال نطاق تزاحمهن، وتتساوى وقتها الأيادى التى تلمسهن لأن لا غرض لها فى التحرش أو سرقة لمسة عابرة.

كان الشعور مختلفا فى ذلك اليوم، لمسة سريعة جعلت نادية تنتفض، لكن نظرة إلى الخلف ورؤية وجه شابة فى العقد الثانى من عمرها، جعلتها تلوم نفسها على الظن، لكن الظن لم يلبث أن صار يقينا.



فى الزحام

«العربيات بتاعت الستات كانت فى أول القطر وكانت الدنيا كويسة، راحوا نقلوها فى نص القطر مش عارفة ليه، فده بيخلى الرجالة برضو تزق بس على الرصيف، لكن اللى بيوجعنى بجد ومش بقدر اتكلم عنه هو لما واحدة ست زى زيها كدة والاقيها بتتحرش بى وبتعمل حاجات كدة لامؤاخذة، الواحدة بتتخض وبتفتكر أن اللى وراها ده راجل لكن تلف تلاقيها ست زيها» على لسان إحدى الراكبات اخترقت الكلمات أذن نادية، لم تصدق ما تسمعه حتى شعرت بلمسة مشابهة تستكشفها.

«البنت قاصدة تلمسنى» قالت لنفسها، وظهر التوتر والاضطراب عليها، تعثرت الأحرف على لسانها بعد أن كانت منطلقة تحكى لزميلتها عن عريس ابن اختها، حاولت الهرب من موقعها، ولم يسمح الزحام، صبغ اللون الأحمر وجهها وارتفعت درجة حرارتها بفعل الغضب، لكنها استسلمت للاقتراب غير المبرر، وكانت تلك المرة الأولى.

العلقة الساخنة التى ينالها الرجل من امرأة لمسها خلسة لا تمحو عنها الشعور بالمهانة والغدر، وتظل تتساءل لفترة طويلة عن دورها فى هذا الفعل، هل أوحت له بأنها سهلة، هل كانت ملابسها مستفزة، هل شجعته دون قصد؟ لكن الأسئلة تختلف اذا كانت المتحرشة امرأة.

تشكو النساء فى مصر من التحرش الذى أصبح مرضا انكشفت به عورات مرعبة فى النسيج المجتمعى يرفض الكثيرون الحديث عنها، ويعتبرون كشفها خادشا للحياء، بينما التحرش فى حد ذاته من وجهة نظرهم أقل ضررا من الحديث عنه ومواجهته.

على مكتبها فى إحدى الشركات بمنطقة الدقى انتهزت نادية فرصة خلو الغرفة من الرجال، وقررت أن تبوح بتجربتها للزميلات، علها تجد لديهن حلا أو تجربة مماثلة.

«امبارح فى المترو اتعرضت لموقف محرج جدا، حد اتحرش بيا»، قالتها بصوت خفيض، أغلقت زميلتها باب المكتب وقالت «انتى اللى غلطانة ايه اللى يركبك عربيات الرجالة»، ولم تبد عليهن الصدمة حين قالت نادية «أنا كنت فى عربية السيدات وست هى اللى لمستنى».

ابتسامات لا معنى لها ونظرات متبادلة قطعتها نادية متنهدة «عاوزة أعرف أعمل إيه لما واحدة ست زيى زيها الاقيها بتتحرش بيا وبتعمل حاجات كدة متصحش ومش ممكن حد يتخيلها، الأول بتخض وبفتكر ان اللى ورايا راجل لكن لما بلاقيها ست ما ببقاش عارفة أعمل إيه».

رفعت إحدى زميلاتها النقاب من على وجهها وقالت بحماس «طيب الرجالة بيتحرشوا بالستات وقلنا عندهم مشاكل وسكوتنا على البلاوى دى مجبرين عليه، انما الست اللى بتتحرش بست تانية دى نسكت عليها ازاى ولا نقبله بأى وش، ده حتى حرام، طيب ما تروح تتحرش بالرجالة، بس اللى بيحصل ده مش طبيعى اكنه مرض دخل مصر»، وانتقل الحماس إلى الباقيات «احنا عمرنا ما سمعنا عن تحرش الستات ببعضهم ده خالص قبل كده»، «يقطع التليفزيون والدش هما اللى علموا الناس الحاجات دى».



اختيار الضحية

فى المترو تبدو الأحاديث الصباحية بين السيدات فاترة، تتخللها الشكوى الدائمة من تربية الأولاد والمجهود الذى يبذلنه ومشاكل التعليم التى لا تنتهى من دروس خصوصية وغيرها، ولكن تحمل رحلات العودة ظهرا أحاديث مشوقة وأكثر جاذبية، فما أن تبدأ سيدة فى الشكوى من إهمال زوجها وعدم تعاونه معها حتى تتلقى طرف الخيط أخرى تشكو بقاء زوجها خارج المنزل فترات طويلة وبخاصة فى الليل مشككة فى وجود نساء آخريات فى حياة زوجها، ولا مانع من الدخول إلى مناطق أكثر حساسية كالحديث عن علاقات الزوج العابرة، فى الوقت الذى يمتنع فيه عن الاقتراب منها منذ فترة طويلة، وتجد زوجة الفرصة سانحة لتشكو مطالب زوجها التى لا نهاية لها وكأنه مازال فى العشرين، بينما أبناؤه صاروا رجالا، ولا يتورع عن مطالبتها بحقوق لم تعد مشروعة فى مثل عمرها، ثم ينتهى الحوار فى الغالب بإلقاء اللوم على الكليبات الغنائية التى تظهر فيها الفتيات عرايا.

هنا وسط تلك الأحاديث تجد المتحرشة ضحيتها، كما يقول الدكتور خليل فاضل مستشار الطب النفسى، موضحا أن ظاهرة تحرش أبناء الجنس الواحد بعضهم ببعض، احد قوانين الطبيعة، حيث يظهر الشاذ أو الشاذة لدى أى تجمع لهم يمارس شذوذه تلقائيا، وقال مستطردا «مجتمع القردة ذاته يظهر فيه الشواذ، لكنهم فى النهاية حيوانات، لا تحكم حقيقى فى غرائزهم، وبالتالى يتضح أن أى تجمع لجنس بشرى واحد فى مكان ما لابد وأن يظهر بداخله هؤلاء، كما يحدث فى الإصلاحيات والسجون، وهذا شىء معروف لدى الجميع نسمع عنه ونراه، وبالتالى يخرج السجين أو طفل الإصلاحيات معقد ومريض نتيجة لما تعرض له من انتهاك يصل لحد الاغتصاب»، يصمت الدكتور خليل لحظات ويتابع بهدوء: «الأسوأ من هذا هو ما تتعرض له الفتيات فى مرحلة المراهقة وفى مدارس المرحلة الثانوية حيث توافد على العيادة لديه وعيادات نفسية أخرى فتيات تعرضن للتحرش ومحاولات للاغتصاب على أيدى زميلاتهن».

المتحرشات يفلتن من العقاب عادة لأنه يصعب على الضحية الجهر بما فعلته بها يد امرأة مثلها، وهو ما شرحته نادية لزميلاتها «ماهو لو راجل اللى عمل كده هجيب الشبشب وانزل بيه على دماغه وافضحه، لكن الست هضربها وانا بقول ايه، الست دى لمستنى ولا مسكتنى، هيقولوا انى مجنونة ومش بعيد يضربونى انا، واللى يحزن انهم عارفين انها ممكن تكون عملت كده، لانهم اتعرضوا لده هما كمان، لكن ساعة الجد محدش هيقول حاجة، يعنى الواحدة سهل تقول إن راجل اتحرش بيها عن أنها تقول ست هى اللى اتحرشت بيها، دى عيبة».



خريطة التحرش

داخل المنظمات النسائية يبدو الأمر معقدا، فبعضها ترفض الحديث عن تحرش النساء بالنساء بحجة أن الكلام عنه يسطح مأساة التحرش ويبعد الانظار عن المشكلة الاساسية وهى تحرش الرجال بالنساء، وهى الظاهرة الأولى بالعلاج من وجهة نظرهن، ورغم ذلك قالت انجى غزلان مؤسسة خريطة التحرش بالنساء فى مصر: «تحرش بعض النساء ببنات جنسهن فى مصر لم يصل لحد الخطر أو الظاهرة المرضية، ولكنه موجود ويحتاج لعلاج بالتأكيد، لأن تجاهل الأحداث الصغيرة ومؤشرات الانذار يهدد بتفاقمها وتحولها لأزمة كبيرة».

المواصلات العامة والأماكن المزدحمة هى البيئة المثالية التى يجد فيها المتحرش سواء كان رجلا أو امرأة متعته السهلة نوعا ما فى لمس ضحيته، تضيف إنجى: «ستات كتير كلمونا على تحرش من النوع ده، لكن الأكتر تحرش الرجال بيهم طبعا، وإحنا فى مرحلة بنشجع فيها الستات إنهم يبلغوا عن تحرش الرجالة بيهم وميخافوش وميخجلوش لانهم هم الضحايا، وده بيخلى المسألة صعبة فى إقناعهم بالإبلاغ عن متحرشة ست، ده غير ان الناس رافضة فكرة تسليط الضوء على ظاهرة التحرش أساسا، وبتقول عيب وميصحش وده كله بيصب فى مصلحة المتحرشين».

فى الزحام تتساوى اللمسات، ويبقى احساس الضحية واستمرار الفعل فقط، يحددان ما إذا كانت اللمسة برئية أم لا، وارتباك المتحرشة الأنثى عندما تكشفها عين ضحيتها كفيل بفضح ما كانت تحاول فعله بين أجساد النساء المطمئنات لها، «لكن الواحدة تعرف ازاى أن البنت دى بتتحرش بيها، ده الواحدة فى الزحمة والحر مش بتحس بنفسها»، تساءلت زميلة نادية، وأجاب الدكتور خليل فاضل «قد تظهر على المتحرشات من النساء بعض الملامح الذكورية على شكلها أو ملامح جسدها من زيادة للشعر فى الوجه وقوة البنية وغلاظة الصوت، بالإضافة إلى إهمالها لشكلها الخارجى».

تعامل المجتمع مع المرأة بشكل خاطئ ومتخلف يساهم فى تكوين شخصية المتحرشة أيضا، خليل فاضل يلفت إلى أنه لابد عند تناول ظاهرة تحرش النساء ببعضهن أن نعرف الفرق بين ممارسة المرأة لهذا الفعل الشاذ وبين المرأة المثلية.. وهى المرأة التى تحب الأنثى على المستوىين العاطفى والجنسى معا.. وهذه المرأة يستحيل أن تتحرش بالنساء وهذا مثبت علميا، أما المتحرشة أو المرأة التى تمارس هذا الفعل فهى قد تكون متزوجة أو لا.. لكنها تكون امرأة مكتملة ولكنها لا تشعر بأنوثتها، فقد تكون بها أحد العيوب الجسدية أو لا تتمتع بالصفات الجاذبة من جمال وغيره كما أن من حولها وزوجها لا يشعرونها بذلك، وبالتالى تعانى حرمان جنسيا، فكل الظروف المحيطة بها تنزع عنها صفاتها الأنثوية وتكسبها صفات الذكورة.. ولابد من التأكيد على انها صفات الذكر وليس صفات الرجل.. لأن التحرش هو أقوى السلوكيات الذكورية لما يتسم به من عنف وسيطرة وهيمنة».

يؤكد فاضل أن «المتحرشة تعانى من قهر وكبت كما أنها تشعر وكأنها غير مرئية، بالإضافة إلى حقدها على بنات جنسها ممن تشعر أنهن أكثر جمالا، ويتابع: «المتحرشة تنتقى ضحاياها ممن تشعر أنهن أفضل منها وتجد أن التحرش بهن سوف يشبع لذة الهيمنة والسيطرة وليس لذة الإشباع، بل يشوب التحرش أيضا من هذا النوع رد فعل عقابى على الضحية لكونها فى نظر المتحرشة أفضل منها، ولا يوجد أقوى من الانتهاك والتحرش لإيذاء مشاعر الآخر لأنها تسلبه خصوصيته واحترام جسده، وبالتالى تتأكد المتحرشة أنها موجودة وشعر بها الآخرون».



رد الفعل

اقتربت الساعة من الثالثة عصرا وحان موعد الانصراف، وبدأت دقات قلب نادية تتسارع، بعد قليل ستكون داخل عربة السيدات بالمترو، ولا أحد يدرى من ستكون ضحية اليوم، «ماحدش قال لى اعمل ايه لو قابلت البنت دى تانى أو واحدة غيرها اضربها بالقلم ولا اعمل لها فضيحة وبلاغ، ولا ساعتها هتبقى فضيحتى انا اللى بجلاجل»، وفى وقت واحد قالت زميلتا نادية «ابعدى عنها من سكات وخلاص وما تجيبيش لنفسك وجع الدماغ»، لكن انجى غزلان قالت «الخريطة لم تستلم حتى الان بلاغات رسمية من تحرش ستات ببعض، لكن احنا عارفين ان فى حوادث بتحصل، واحنا مستنين أن الستات هما اللى يتشجعوا ويبلغوا، والوقائع دى رغم صعوبة اثباتها لكن المبادرة لوحدها دليل على اننا عايزين نكافح الظاهرة».

الأمر لا يتوقف فقط على تشجيع الضحايا سواء الذين تحرش بهم رجال أو نساء على الإبلاغ وملاحقة الجناة قضائيا، لكن الأمر يحتاج إلى علاج أيضا خاصة فى حالات تحرش النساء بالنساء، هذا العلاج موجود بالنسبة للضحية كما يقول خليل فاضل وذلك عن طريق جلسات نفسية واللجوء لما يعرف بالسيكو دراما وهو احدث طرق العلاج النفسى، أما ما يخص علاج المتحرشة فإنه أصعب إلى حد ما لأن مثل هؤلاء يرفضن العلاج لأنهن يرفضن فى الأساس التصريح بقيامهن بمثل هذه السلوكيات، كما أن البيئة المحيطة بهن هى الأساس فإذا لم تتغير طريقة تعامل من حولهن معهن فلن يجدى العلاج، لأن بداية العلاج هو الاهتمام والشعور بوجودهن.

عربتا السيدات فى المترو هما إحدى صور «الحرملك» تجمع خاص للنساء فقط يعد أول مكان عام فى مصر يتم تمييزه طبقا للنوع قبل 10 سنوات تقريبا، ولأنها باتت تشبه فى شكلها الممتلئ بالنساء من كل لون، وما يدور داخلها من حوارات، غرف الحرملك فى قصور عصور السلاطين، اكتسبت تلك الخصوصية التى شجعت من بداخلها على الحديث عن أدق أسرار حياتها، كما سمحت لأيادى العابثات أن تمتد لتلمس بنت جنسها من باب المتعة أو التعرف أو الحرمان أو الهيمنة والانتقام.

لم تعد نادية تلتفت يمينا ويسارا كلما اقتربت من شريط قطار مترو الانفاق كما كانت تفعل، علمتها التجارب أن الالتفات قد يلفت النظر اليها، سارت فى صمت حذر نحو عربة السيدات، احتضنت شنطة يدها وقررت أن تكون آخر من تدخل تلك العربة، والسؤال مازال يدق فى رأسها عما اقترفته لتمتد يد من بنت جنسها لانتهاكها.

أغلق السائق الأبواب، توجهت نادية بصعوبة إلى الباب المقابل، حيث لا يصعد ولا ينزل أحد، ارتكنت اليه فى اطمئنان، وظلت تتفحص أعين الواقفات جوارها، مستسلمة للتعب والفكر، متحفزة وقلقة فى الوقت نفسه، وعندما أتعبها التدقيق تركت لعينيها حرية الحركة فوقعت على يد جديدة تلتصق بفتاة شابة، ولم تشعر بنفسها الا وهى تجذب الضحية الجديدة إلى جوارها على باب الأمان.


3 سنوات أشغال شاقة هى العقوبة الأولية لجريمة هتك العرض بالقوة والتهديد أو الشروع فى هتك العرض وفق المادة 268 من قانون العقوبات، وللقاضى أن يضاعف العقوبة بحد أقصى 7 سنوات.

300 جنيه هى غرامة القصوى للفعل الفاضح المخل بالحياء وفق نص المادة 278 من قانون العقوبات أو الحبس سنة واحدة حسب تقدير القاضى.

1000 جنيه هو الغرامة القصوى لمن تعرض لأنثى على نحو يخدش حياءها بالقول أو الفعل حسب المادة 306 مكرر من قانون العقوبات، وهى غرامة حدها الأدنى 200 جنيه، ولا يتجاوز الحبس وفق هذه المادة سنة واحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.